«العاديات».. مسرحة درب الآلام السوري وعذاباته
شهد مهرجان المسرح الأردني، هذا الأسبوع، عرض مسرحية «العاديات»، من تأليف وإخراج خليل نصيرات، التي تتناول راهن سورية وعذابات شعبها ولجوءه، وموته المستمر.
فضاء العمل في «العاديات» تلتقي القصص الكثيرة والبوح الموجع والمخيف في آن، ويمتطي الانتظار قلوب نساء ضائعات وتائهات، ويظل رهن رجال غائبين ومشتتين تحت السماء الملتهبة وبين الأشجار التي تستغيث بصوت الخيول. والمسرحية من من بطولة شفيقة الطل وعهود الزيود وراما سبانخ وأريج جبور ومرام أبوالهيجا وسوزان البنوي وثامر خوالدة وطارق التميمي. |
في إسطبل ما - يقع بين البساتين الممتدة حتى نهر العاصي في مدينة حمص السورية - أصبح بعد الحرب والقصف والدمار مكاناً مهجوراً تعيث فيه الجرذان التائهة وتغطي ترابه بقايا هشة لياسمين كان مخضوضراً وطرياً، فيما كانت أشياء كثيرة تحكي سيرة الحياة في تلك البقعة من الروح، يعلوه غبار الخراب الذي يرسم ملامحه الكئيبة على الجدران والعيون والوجوه الضائعة، وتفوح من زواياه رائحة روث خيول كانت عاديات جامحات، ويعلو في أعماق جنباته صهيل الأسى والوجع العربي حيث التقت مجموعة من النسوة في ذلك الإسطبل، وكل واحدة فيهن تعبر عن شهقة طويلة من شهقات ذلك الصهيل.
إلى هذا المكان الضيق حد القبر، والواسع حد الوطن تلجأ (أم فارس) التي تنتظر زوجها وأولادها الغائبين عندما يشتد القصف فوق رأسها عند نهر العاصي، فتهرب من الخوف إلى الاحتماء في هذا المكان، تلحقها للإسطبل امرأة أخرى تدعى (ياسمين) كانت في طريقها هي وابنتها (سما) للجوء إلى أنطاكيا، بعد أن هدمت البراميل المتفجرة بيتها في حي الخالدية، وبقيت وحيدة، إذ التحق ولداها بصفوف الحرب، فـ(خالد) التحق بقوات النظام و(رائد) التحق بصفوف المعارضة.
في الإسطبل لم تبقَ النسوة الثلاث وحدهن طويلاً، فسرعان ما انضمت إليهن (أم عبدو) التي كانت تعمل داية قبل الحرب، وامتهنت في ما بعد مهنة الخطّابة؛ فتحضر الفتيات من حلب وتأخذهن إلى مخيم الزعتري، وهناك تسعى لتزويجهن بأثرياء عرب، تقدم خدمات مقابل خدمات، وتعيش على هامش أفراح الآخرين المزيفة.
وعندما يشتد القصف أكثر وأكثر تلوذ (أم البراء) - وهي زوجة أحد القياديين الإرهابيين - بالإسطبل، بعد أن كانت تنوي الذهاب إلى حماة، عن طريق العاصي لتنفيذ عملية إرهابية، وبصحبتها (ماري) الراهبة من دير الآباء اليسوعيين في حي بستان الديوان في مدينة حمص، التي كان في نيتها الذهاب إلى العاصي لغسل روحها وجسدها من الخطايا؛ إذ تعرضت لحالة اغتصاب بشعة من مجموعة من الوحوش البشرية الضالة.
في الإسطبل تلتقي القصص الكثيرة، والبوح الموجع والمخيف في آن، ويمتطي الانتظار قلوب نساء ضائعات وتائهات، ويظل رهن رجال غائبين ومشتتين تحت السماء الملتهبة، وبين الأشجار التي تستغيث بصوت الخيول، في «العاديات» صوت الصهيل يطغى على صوت القنابل والبراميل المتفجرة والرصاص، ويحتل المدى المشتعل بهدير الحق، ويتجاوز مكاناً صغيراً كان إسطبلاً، وظل مجرد إسطبل لكن الصهيل لم يكن إلا صوتاً للنجاة.
المسرحية من بطولة شفيقة الطل وعهود الزيود وراما سبانخ وأريج جبور ومرام أبوالهيجا وسوزان البنوي وثامر خوالدة وطارق التميمي، وموسيقى نور أبوحلتم وسينوغرافيا يزن سلمان، وإضاءة فراس المصري وكيروغرافيا آني قرة ليان، ومدير إنتاج طارق التميمي، ومساعد مخرج محمد العشا، وتأليف وإخراج خليل نصيرات.