العلايلي: المبدع العربـي مشحــون بأعمال تتجاوز «إيلات» 100 مــرة

حينما تُستدعى أسماء أبرز الفنانين العرب، المرتبطين بمواقف واضحة، لا يمكن تجاهل الفنان المصري عزت العلايلي، الذي منح الدراما بأجناسها المختلفة: المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، أكثر من نصف قرن من عمره، والذي يفصله عامان عن تجاوز عقده الثامن. العلايلي الذي اختارته إدارة مهرجان دبي السينمائي الدولي، ليكون أحد الأسماء المكرمة بجائزة «إنجازات العمر»، أنجز بالفعل العديد من الأعمال الخالدة في مكتبة الدراما العربية، وبعضها يفرض حضوره بقوة في القائمة الأشهر للسينما العربية التي أنجزها مهرجان دبي السينمائي، وهي قائمة أهم 100 فيلم عربي، خلال 100 عام. بطل روائع «الأرض» و«الاختيار» و«اسكندرية ليه» و«التوت والنبوت» و«السقا مات» وغيرها سينمائياً، و«أدهم الشرقاوي» و«ربيع الغضب» و«موعد مع الوحوش» و«نظرية الجوافة» و«الجماعة»، والعديد أيضاً غيرها من روائع الدراما التلفزيونية والمسرحية، أبدى تفاؤله بمستقبل الدراما العربية عموماً، والسينما خصوصاً، معتبراً المرحلة الحالية بمثابة «غيم غير ممطر، ورياح مثيرة للأتربة، سوف تنقشع وتتبدد حتماً»، وأن «ذاكرة المبدع العربي مشحونة بأعمال أخرى ناجحة، تتجاوز 100 مرة ما تم تقديمه بالفعل مثل (الطريق إلى إيلات)، وغيره».

 

زايد «العروبة»

رداً على سؤال لـ«الإمارات اليوم»، حول سبب استدعائه لسيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فور صعوده لتسلم جائزة «إنجازات العمر»، قال الفنان المصري عزت العلايلي: «لا يمكن لزائر الإمارات سوى أن تقفز إلى مخيلته سيرة هذا الزعيم العربي الخالد، خصوصاً حينما تدور في خلدك قيم وشيم العروبة، التي كانت على الدوام عنواناً لمواقفه».

وأحال العلايلي إلى بعض مواقف الزعيم الراحل، من بينها ما ذكره حول تدخله بعبقرية وإنكار ذات، لحل أزمة سياسية كبرى كادت تنشب بين الرئيسين الراحلين المصري محمد أنور السادات، والليبي معمر القذافي.

وأضاف: «ما نلمسه هو أن (زايد العروبة) لم يمت، وقيمه لاتزال تسري في أبناء زايد، وقادة وشعب هذا البلد المعطاء».

ونفى العلايلي أن يكون متشائماً بصعوده على منصة التكريم الأخيرة ذاتها لمواطنيه الراحلين عمر الشريف ونور الشريف، اللذين حازا الجائزة ذاتها قبيل رحيليهما، مضيفاً: «فخور بذلك، ولا أؤمن بالتشاؤم».

ليست مصرية

رفض الفنان المصري عزت العلايلي تصنيف سينما بلاده بكونها «مصرية»، مضيفاً: «لم نكن في أزهى فترات الإنتاج السينمائي، ننتج سينما مصرية، بل سينما عربية، ولم يكن في خلدنا أي تصنيف قُطري أو محلي».

وتابع بطل «الطريق إلى إيلات»: «القاهرة لم تعرف فرزاً على أساس جنسيات الفنانين، كما أن مختلف دور العرض والتلفزيونات العربية لم تتعامل مع الفيلم أو المسلسل المصري باعتباره (فناً مستورداً)، ولم يظهر هذا التصنيف السلبي سوى حينما زج سماسرة وتجار الفن بأنفسهم في إطار صناعته، من أجل أهداف مــــادية بحتة». وأبدى العلايلي قناعته بأن السينما العربية قادرة على إنجاز أعمال مشتركة كبرى، في حال توافرت الرغبة في ذلك، معتبراً أن التمويل وأيضاً غياب النص الجيد أهم عقبتين في هذا الإطار، ويرى أن الفنان العربي نفسه مؤهل لهذه النوعية من الأعمال.

 عن «التردي»

 ونفى العلايلي بشكل قاطع فكرة أن التردي الفني يرتبط شرطياً بمجموعة ترديات أخرى، أبرزها عدم الاستقرار الذي ساد لفترة غير قصيرة عواصم ومدناً عربية مهمة في هذه الصناعة، أبرزها القاهرة ودمشق وبيروت، عقب فترات ما سمي «الربيع العربي»، مضيفاً: أن «العديد من الأعمال الخالدة سينمائياً ومسرحياً أيضاً صيغت في فترات غير مستقرة على الصعيد السياسي، وأيضاً الأمني، وربما تبقى مثل هذه الظروف محرّضاً لإنجاز أعمال يسعى مبدعوها لأن يكون لهم دور في تغيير واقعها عن طريق اللغة الأسمى، وهي لغة الفنون، بل إن الفن أصلح ما أفسدته السياسة عربياً في كثير من التوقيتات التاريخية المهمة». وتابع: «الاستشراف الفني قيمة مهمة جداً للفنان المرتبط بمجتمعه، ليس هناك ثمة تنبؤ، لكن حاسة الفنان ووعيه يدفعانه للتمسك بأولويات وطنه وأمته، لذلك سافرت إلى بيروت ووصلت إلى مطارها الدولي لعرض مسرحية (بيروت يا بيروت)، تحديداً في تاريخ 13 أبريل عام 1975، وهو تاريخ يعيه اللبنانيون جيداً، وجاء عرض المسرحية لتحكي تمامأً الأحداث التي عايشتها العاصمة الرعبية في تلك الفترة، بما في ذلك الحرب الأهلية». واستطرد العلايلي: «في الجزائر تكرر الأمر أيضاً، في وقت كانت فيه الدولة الشقيقة ترزح تحت نير الاحتلال الفرنسي، حيث قدمنا مسرحية تشد أزر المقاومة الشعبية، في توقيت كان الوضع السياسي والأمني في أسوأ أوضاعه، وأكثر المتفائلين لم يكن ليتصور أن تسير الأمور بما آلت إليه في ما بعد، من تحرير كامل للتراب الجزائري، وطرد المستعمر، وهنا يبقى دور الفن في صنع الأمل وإلهام الشعوب، واستشراف المستقبل أيضأً، رغم أزمات الوضع السياسي والاجتماعي».

 

حماية خاصة

 

وقال الفنان المصري إن «المكون الثقافي بما فيه الفنون الدرامية، يجب أن يظل في مقدمة أولويات بناء المجتمعات الحديثة؛ فمن الممكن أن نتقبل تراجعاً مادياً، لكن تراجع المكونات والنسق الثقافي والفني للمجتمعات ينذر في الحقيقة بتراجع في كل شيء، والعكس ليس صحيحاً دائماً، لأننا قد نتراجع سياسياً وعلى أكثر من صعيد، دون أن يصيب هذا التراجع الفن والثقافة، إذ إن لهما حماية وحصانة ذاتيتان مختلفتان».

 

وأضاف أنه على الرغم من الواقع المتردي على صعيد الدراما العربية، سواء المسرحية التي يكاد يتلاشى نشاطها، من وجهة نظره، أو التلفزيونية والسينمائية، إلا أن هناك نماذج جيدة تقدم، وهي تلك النماذج التي لا يقفز إليها «تجار الفنون».

وأوضح: «سماسرة الفنون والتجار والمتطفلين ثلاثي أفسد صناعة الدراما العربية، فلا يمكن للفن أن يقدم وفق مبدأ وحيد قوامه الربح والخسارة المادية، فالمشروعات الفنية آفاقها وأهدافها أبعد بكثير من هذه الحسابات، التي قد تعود على فرد أو أفراد، أو حتى كيانات محدودة، لأن فوائد نتاج الفن الهادف تعم المجتمع، بل والأمة، وربما أبعد من ذلك في حال عالمية العمل، إلى الإنسانية جمعاء».

وأعرب العلايلي عن سعادته وفخره بتكريم مهرجان دبي السينمائي له بجائزة إنجازات العمر، مشيراً إلى أن الجائزة بمثابة وسام يضاف إلى قائمة أوسمة وضعها هذا المهرجان العربي الدولي المهم، على صدور منتمين إلى جيل سعى لأن يكرس وقته وجهده وفنه لإنتاج دراما سينمائية تنهض وتتمثل الدور الإيجابي للفن في ازدهار مجتمعها، في ظل عوامل كانت شديدة الصعوبة، في حال تمت مقارنتها بالوضع الحالي، على الأقل على صعيد الأدوات والإمكانات.

 

الأكثر مشاركة