احتلت المساجد مكانة خاصة في المجتمعات العربية والمسلمة على مدى سنوات طويلة، ولم تقتصر هذه الأهمية على وظيفة المسجد الدينية، فقد كان المسجد يلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية باعتباره مكاناً لالتقاء السكان وتبادل الشورى والنصيحة. كذلك اكتسبت المساجد أهمية معمارية باعتبارها من أبرز المباني التي تعكس الطرز المعمارية السائدة في الفترات التي بني فيها المسجد، والخامات التي كانت تستخدم في البناء في ذلك الوقت وغير ذلك من التفاصيل.
التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها. 12 عثر على بعض المساجد في دلما والشارقة أقيمت قبل نحو 200 أو 250 عاماً. 1897 شيد مسجد الشيوخ عام 1897 بمساحة قدرها 220 متراً مربعاً، ليكون أول مسجد في منطقة الشندغة. أسهمت نحو 38 شركة مقاولات و3000 عامل في إنجاز جامع الشيخ زايد في أبوظبي على مدى 12 عاماً تقريباً. 1979 أول تأريخ رسمي للمساجد القديمة في إمارة أبوظبي كان عام 1979، انطلاقاً من جزيرة دلما. توثيق يشير الباحث جفري كنج في الدراسة التي أجراها إلى أنه لم يسجل أي ذكر للمساجد القديمة في أبوظبي أو سواحلها وجزرها قبل النصف الثاني من القرن الـ20، مرجعاً ذلك إلى أن توثيق الأبنية القديمة في المناطق الساحلية في أبوظبي بدأ مع اعتماد التصوير الفوتوغرافي للمناظر والأبنية من قبل زوار قدموا للمنطقة، وكانت صورهم تمثل أول السجلات البصرية للإمارات، رغم أن هذه الصور لم تكن بنية تسجيل المساجد القديمة في حد ذاتها، بقدر ما كانت لقطات متفرقة ظهرت فيها المساجد بشكل عارض في صور أخذت في نطاق تسجيل أعم لإمارة أبوظبي من قبل موظفي شركة «بريتش بتورليم». |
ويعود تاريخ بناء المساجد في منطقة الساحل المتصالح وجنوب شرق شبه الجزيرة العربية إلى فترة وصول الإسلام إلى المنطقة في حياة النبي محمد، وقد بنى المسلمون الأوائل في المنطقة مساجد لم يعثر على أثر لوجودها، لكن يمكن تخمين مواقعها، بحسب ما يذكر الكاتب جفري كنج في كتابه «المساجد القديمة في سواحل أبوظبي»، الصادر عن الأرشيف الوطني، منها العين والبريمي وجلفار في رأس الخيمة، ودبا وصحار، ولكن لم يبق سوى أثر مسجد واحد.
وتوصلت الأبحاث الأثرية التي أجريت عليه، ومنها أبحاث للدكتور وليد التكريتي، إلى أن مسجداً يقع في العين (التوام القديمة)، يعود إلى نهاية القرن السابع أو أوائل القرن الثامن، وهو ما يجعل هذا المسجد أقدم مسجد في أبوظبي تمكن الإنسان من إعادة ترميمه، وكذلك في كل الإمارات العربية المتحدة، على عكس الشائع، بأن مسجد البدية هو أقدم مساجد الإمارات. ويعتبر الباحثون هذا المسجد من النقاط المهمة في سلسلة تاريخ المساجد الإسلامية في شرق شبه الجزيرة العربية. وقد بني بآجر من الطين، ويتفق بناؤه مع تقاليد البناء في واحات الصحارى داخل أبوظبي أكثر من تلك الساحلية.
أما مسجد البدية الأثري فيقع في قرية البدية في إمارة الفجيرة، ويعود بناؤه إلى العام 1446 للميلاد تقريباً، استناداً إلى نتائج دراسة حديثة أجرتها إدارة التراث والآثار في الفجيرة بالتعاون مع جامعة سيدني في أستراليا خلال موسم التنقيب 1997 ــ 1998، وبني المسجد من مواد محلية صرفة من الحجارة الكبيرة والصغيرة المسماة بازلت، واستخدم الطين المحروق كمادة رابطة للبناء، وهو مربع الشكل تعلوه أربع قباب ليست متساوية، ويرتفع منبره أربع درجات عن الأرض، ويتكون من أربعة صفوف للمصلين، وقد أجري له ترميم شامل في عام 2001م، بدعم وخبرة إدارة المباني الأثرية والتاريخية في بلدية دبي، وبالتعاون مع جامعة سيدني الأسترالية، ويستوعب قرابة السبعين مصلياً، وتبلغ مساحة المسجد الكلية 5314 متراً مربعاً تقريباً، ويبلغ ارتفاع المسجد الكلي خمسة أمتار منها 50. 3 أمتار للجدران، و50 .1 متر لارتفاع القباب، وشكل المدخل مؤسس في الأعلى (نصف دائري) عرضه 30.1 متراً، وارتفاعه 10. 2 متر.
في حين يتصدر جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي المشهد باعتباره أكبر مسجد في الإمارات، وثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قد اختار موقع المسجد، كما كانت له بصماته المميزة على تصميمه وبنائه العمراني، فتم اختيار موقع المسجد في وسط أبوظبي الجديدة بين جسري المصفح والمقطع، وبدأت أعمال البناء في المشروع أواخر عام 1996، وبلغت كلفته مليارين و455 مليون درهم.
أما في دبي فاقترن ازدهار التجارة في أواخر القرن الـ19، بالإقبال على تشييد المساجد في المناطق السكنية والتجارية، بحسب ما تذكر موسوعة «مساجد الإمارات» الصادرة عن جريدة «البيان»، في مقدمتها المسجد الكبير الذي يقع على خور دبي ويتميز بطرازه الفريد ومئذنته، وقبابه البالغ عددها 25 قبة. كما يعد مسجد الشيوخ أول مسجد في منطقة الشندغة، حيث شيد عام 1897 بمساحة قدرها 220 متراً مربعاً. ويبلغ عدد المساجد التاريخية فيها 20 مسجداً، من ضمنها: الجامع الكبير ومسجد الفاروق. كما تذكر الموسوعة أن القارئ يمكن أن يتعرف إلى جماليات عمارة المساجد في دبي من خلال 14 مسجداً من فئة المساجد الجامعة، التي يأتي في مقدمتها: مسجد جميرا الجامع الكبير، مسجد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في منطقة جميرا الرابعة، مسجد الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في منطقة بورسعيد. وبالمجمل، تعكس تلك الجوامع ثراء المنجز المعماري على امتداد الإمارة، مع الحرص على ترميم وتجديد المساجد القديمة. وفي إمارة الشارقة؛ هناك مسجد الشارقة الجامع، (مسجد صلاح الدين الأيوبي سابقاً)، الذي يعد نقطة الارتكاز في مدينة الشارقة القديمة، ولم يبق من أصل 21 مسجداً قديماً فيها سوى خمسة مساجد، من بينها المسجد الجامع. وفي رأس الخيمة أسفرت عمليات مسح الآثار عن تسجيل ما يزيد على 30 مسجداً لها صفات خاصة ببنائها المعماري، وتعود إلى القرن الـ19.
وفي كتابه عن مساجد أبوظبي؛ يوضح جفري كنج أن أول تأريخ رسمي للمساجد القديمة في إمارة أبوظبي كان عام 1979، عندما أبلغ البروفيسور س. سليزيو بوجود مجموعة من الأبنية الإسلامية التقليدية الطراز، تشمل ثلاثة مساجد في جزيرة دلما في المنطقة الغربية، عازياً وجودها في جزيرة دلما إلى الازدهار الذي شهدته الجزيرة في الماضي؛ إذ كانت مركزاً لمغاصات اللؤلؤ بامتداد شواطئ أبوظبي والمنطقة، مضيفاً أن «الجزر تزخر بالمساجد التقليدية البسيطة، وبعضها مبني من الكتل الحجرية». وكانت المساجد البسيطة المبنية من تخوم حجرية أكثر انتشاراً في الجزر، وكان بعضها كبيراً والآخر صغيراً، وهي من صنع الغواصين في موسم صيد اللؤلؤ. ويعطي عدد تلك المساجد البسيطة فكرة عن ورع أطقم قوارب صيد اللؤلؤ التي كانت تزور المغاصات في موسم اللؤلؤ، وكذا عن أعدادهم.
دور ديني وثقافي
اهتمت دولة الإمارات بإنشاء المساجد على امتداد مدن الدولة ومناطقها المختلفة، فقد تجاوز عددها 4000 مسجد حتى عام 2012م، وقامت بتعزيز وتطوير دورها الديني والثقافي، إلى جانب العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية المكملة لدور المساجد والمهتمة بالتوعية الدينية، ونشر المبادئ الإسلامية، مثل: دار زايد لرعاية المسلمين الجدد، ومؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الإنسانية والخيرية.
مساجد الجُزر
اعتمد بناء المساجد القديمة على معطيات البيئة والمواد المتوافرة فيها، وقد عثر الباحث جفري كنج على مسجد مبني من خشب القوارب والسفن المحطمة فقط في جزيرة مراوة، كما عثر على بقايا مسجد بني من الشعاب المرجانية في جزيرة صير بني ياس، موضحاً في كتابه أن صير بني ياس بها مسجد حجري بسيط، إلى جانب مسجد آخر يقع في الطرف الشمالي للجزيرة، يعتقد أن عمره يصل إلى 300 عام. بينما ضمت الجزر الأخرى في إمارة أبوظبي أعداداً مختلفة، ما بين مسجد واحد في جزيرة رأس الغميس، وشبه جزيرة السلع، ومسجدين في جزيرة الأفزيعية، وجزيرة الياسات السفلى، وثلاثة مساجد في جزيرتي الياسات العليا، والفاغة، وغيرها.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.