صفحة مهمة في تاريخ وجغرافيا الوطن
«بيوت الحَجَر» وُجهةٌ للسياحة و.. الحنين
بالقرب من سلسلة الجبال في منطقة شعم، في الحدود الشمالية لدولة الإمارات، يمكن للمرء مشاهدة مجموعة من البيوت الحجرية، التي بناها السكان قبل عشرات السنين، وكانت مأوى لهم، قبل الطفرة الاقتصادية التي تعززت بانطلاق مسيرة دولة الاتحاد وما صاحبها من طفرة في حياة السكان.
مصاعب الحياة على الرغم من عوامل التعرية والتمدد السكاني المتسارع، بقيت بيوت الحجر ــ كما يسميها أهالي المنطقة ــ صامدة، حتى إن حال بعضها كما لو أن ساكنيها غادروها للتو، وإن لحق التلف بكثير منها، ومهما يكن من أمر، فإن تلك البيوت المصنوعة من أحجار الجبال تعكس في جوهرها مدى صمود أهالي الديرة في مواجهة مصاعب الحياة البدائية القاسية. |
وعلى الرغم من عوامل التعرية والتمدد السكاني المتسارع بقيت بيوت الحجر، كما يسميها أهالي المنطقة، صامدة، حتى إن حال بعضها كما لو أن ساكنيها غادروها للتو، وإن لحق التلف بكثير منها، ومهما يكن من أمر، فإن تلك البيوت المصنوعة من أحجار الجبال تعكس في جوهرها مدى صمود أهالي الديرة في مواجهة مصاعب الحياة البدائية القاسية التي واجهتهم في تلك العقود، ولاتزال بيوت الحجر موجودة الآن في المناطق الجبلية مثل البريرات وشمل وغليلة وشعم والجير.
ومع أن البيوت الحجرية فقدت دورها كمأوى في الوقت الراهن، لكنها تحولت إلى معلم سياحي تجتذب الزوار القادمين من كل حدب وصوب، حيث يقفون عندها بإعجاب ويتعرفون إلى معالم الحياة التي كانت سائدة في الماضي البعيد، وأما بالنسبة للأجيال المعاصرة من أبناء الوطن، فهي تمثل صفحة مهمة في تاريخ وجغرافيا الوطن، يقرأون فيها الحياة التي عاشها الآباء والأجداد، ويخضعونها للمقارنة مع حياتهم الرغدة التي حقتتها لهم مسيرة الاتحاد على مدى 44 عاماً.
وقال علي سعيد، أحد أبناء المناطق الجبلية، «مرة بعد أخرى نشتاق إلى رؤية بيوت الحجر، فنذهب إليها وأحياناً نصطحب أسرنا، وعندها نقف، ويتملكنا شعور بالفخر والإعجاب لما قام به الآباء من كفاح في سبيل الحياة؛ فالبيوت الحجرية تمثل بالنسبة لنا جزءاً مهماً من مسيرة وطننا، ليس ذلك فحسب وإنما أيضاً هي عبارة عن كتاب في التاريخ نقرأ فيه ماضي وطننا ومسيرة الحياة التي عاشها الآباء والأجداد قبل عشرات السنين»، ويضيف سعيد «تكتسب تلك الصورة ذروة أهميتها حينما نلتفت إلى الحياة التي نعيشها اليوم، حيث الفلل الأنيقة والخدمات العصرية، فندرك تماماً ما تحقق لأبناء وطننا بفضل مسيرة الاتحاد المباركة من مجتمع آمن، ورغد في العيش».
المواطن سعيد علي سليمان الشحي، الذي يقيم في منزل يجاور سلسلة الجبال الشاهقة في منطقة الجير، عند الحدود الشمالية للدولة، يتذكر تجربته مع بيوت الحجر قائلاً «ولدت في بيوت الحجر وترعرعت فيها، وفي مرحلة الشباب شاركت والدي في بناء بيت الحجر، الذي أقمنا فيه سنوات عديدة قبل الانتقال إلى بيوتنا الحالية، وفي ذاك الوقت كنا نقوم بنقل الحجارة على أكتافنا ورؤوسنا من الجبال التي تبعد عنا بضع كيلومترات، وعندما تكون تلك الأحجار ضخمة ويصعب علينا حملها نلجأ إلى الجِمال والحمير».
ويتابع «بالتأكيد كانت عملية نقل الأحجار شاقة ومجهدة، لكن لم يكن أمامنا في تلك الفترة من سبيل آخر سوى الاعتماد على تلك الوسائل البدائية، وساعدتنا على انجاز تلك المهام الشاقة قوانا الجسمانية، اذ كنا نتمتع بسواعد قوية».
وحين نسأل الشحي عن سر تمتعهم بالقوى الجسمانية يومذاك، يجيب «كنا نأكل مما هو متوافر في بيئة ديرتنا، فمثلاً كانت الوجبات الغذائية تتكون من الخبز والرطب وعسل النحل الجبلي الصافي والسمن والحليب، فليس من شيء نشتريه من الأسواق سوى القليل مثل السكر والملح والبن والشاي، أضف إلى ذلك اعتمادنا على الحركة مشياً على أقدام حافية صعوداً ونزولاً من الجبال ولمسافات بعيدة».
ومن الملاحظ أن المكان المفضل لإقامة البيوت الحجرية كان حينها عند سفوح الجبال أو إلى جوارها، والغرض من ذلك هو توفير الحماية لساكنيها مما يتهدَّد حياتهم، وتتخذ البيوت شكل المربع أوالمستطيل، ويتألف الواحد من حُجرة واحدة لها باب قصير وسقف من خشب السدر الذي كان ينمو بغزارة في المناطق الجبلية، وبداخلها تبنى دكة مصنوعة من الطين، وعليها فرش من سعف النخيل، وتستخدمها الأسرة للنوم، وفي خارج البيت مكان مخصص للطحن وإشعال نارالطبخ بواسطة الحطب الذي تجلبه النساء والفتيات، وتتم عملية الطبخ في التنور، بينما تستخدم «الرحى» لطحن الحبوب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news