جانب من الأمسية الختامية لندوة «أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان» التي عقدت على هامش المؤتمر العام الـ26 للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. تصوير: إريك أرازاس

مثقفون: على النخب ابتكار أدوات جديدة

بين استعراض المواثيق الدولية والعربية والإسلامية المرتبطة بالحريات وحقوق الإنسان، وآليات تطبيقها على أرض الواقع، مروراً بدور الإعلام في الفترة الحالية في تعزيز هذه الحقوق، أو انتهاكها، جاءت الأمسية الختامية لندوة «أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان»، التي عقدت على هامش المؤتمر العام الـ26 للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي اختتم أعماله في أبوظبي، أول من أمس، التي أدارها الناقد الدكتور عبدالإله عبدالقادر.

الشعر حاضر

واصل الشعر حضوره ضمن برنامج المؤتمر العام الـ26، ومن خلال أمسيات «مهرجان سلطان بن علي العويس الشعري»، فجمعت الأمسية التي أقيمت مساء أول من أمس، وقدمها الكاتب سامح كعوش، بين الشعراء: شوقي ريغي، وسالم الشعباني، وسامي مهنا، وعبدالقادر الكتيابي، وعبدالله آل سالم المعلا، وفارس حرام، ومالكة العاصي، ومحمد البريكي، ويوسف أبولوز.

وقال الكاتب والدبلوماسي الإماراتي، الدكتور يوسف الحسن، إن اللحظة الحالية، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تشهد ظهور «نخبة» جديدة، لم يعد يهم أن تكون مثقفة أم لا، المهم أنها تتحكم في الموقع المحوري في الوضع الراهن، مثل حركات الإسلام السياسي، رغم أنها لم تنتج على مدى سبعة عقود مبدعاً معترفاً به في مجال الثقافة والإبداع والفنون وبقية حقولها، ومافيات المال، ومافيات الإعلام والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أنصاف علماء وفقهاء وعرافين تحت الطلب. متسائلاً إن كانت هذه التركيبة تصلح أن تكون المعزز للحريات وحقوق الإنسان، ولمشروع بناء ثقافة جديدة للمستقبل.

ودعا الحسن النخب المثقفة المبدعة إلى التفكير بطرق وأدوات وآليات جديدة، تجمع ما بين الحريات والحقوق، وبين الآليات الضامنة لكل أطراف المجتمع، ضمن دول عدة. موضحاً أن تطوير المجتمعات العربية لا يمكن أن يحدث دون تربية على قيم حقوق الإنسان، ودون تدريب الإنسان بحرية على أسس العمل التعبيري والحقوقي والسياسي والاجتماعي والمساواة والمسؤولية، ولا يمكن أن تتحقق تنمية جادة ومستدامة إلا إذا تحولت إلى مشاركة وانفتاح وشفافية.

الحريات وحقوق الإنسان في الإمارات كانت أيضاً محور مداخلة عضو مجلس إدارة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، جميلة الهاملي، حيث استعرضت القوانين التي تعزز هذا النوع من الحقوق، مثل قانون مكافحة التمييز والكراهية، الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كل أشكال التمييز، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، وإقرار حقوق ذوي الإعاقة، والقوانين المعززة لمكانة المرأة في المجتمع، إضافة إلى التوسع في الفرص الاقتصادية المتاحة للشباب، والقانون الجديد للعمالة المساندة. وأضافت: «نفخر بما حققته المرأة الإماراتية، حيث استطاعت الفوز في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي بالانتخاب وليس التعيين، واستطاعت أن تصل إلى منصب رئيس المجلس، وهو ما يشير إلى أن المرأة بالتدريج تأخذ دورها في إطار تمكينها سياسياً».

وركز الكاتب السوري، الأرقم الزعبي، في كلمته حول «الحريات وحقوق الإنسان» على وسائل الاتصال والإعلام نموذجاً، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام المحلية والعالمية تتقاطع في تحديد ما تغطيه من أخبار، وتختار ما تبرزه من القضايا أو جوانب الموضوع. ومن خلال تلك الاختيارات، فإن لوسائل الإعلام السيطرة على ما نعرفه وما لا نعرفه عن حقوق الإنسان، كما أن وسائل الإعلام نفسها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان في بعض الأحيان عن طريق غزو الخصوصية، أو الاستمرار في التحيز لقضية غير عادلة، وبناء صورة نمطية غير حقيقية. موضحاً أن دور الإعلام في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والقيام بالتوعية اللازمة، وخلق مناخات مواتية للقبول بالآخر والتعددية وترسيخ التشاركية، ونشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية، وتعزيز الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، كل ذلك في صلب عمل الإعلام الذي ﺃﺼﺒﺢ ﻤﻌﻴﺎﺭﺍً ﺩﻭﻟﻴﺎً يقاس ﺒﻪ ﻤـﺩﻯ ﺘﻘـﺩﻡ ﺍﻟـﺩﻭل ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻰ ﻤﺠﺎل ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻲ، ﺨـﺼﻭﺼﺎً ﻤﻤﺎﺭﺴـﺔ ﻭﺤﻤﺎﻴـﺔ ﺍﻟﺤﻘـﻭﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ. والتحدي الأشد ﻫﻭ ﺘﺤﻭل ﺍﻟﻘﻀﺎﻴﺎ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻴﺔ ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ (ﻤﺜل ﺤﻘﻭﻕ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﻭﺤﺘﻰ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻭﺤﺭﻴﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺴﻭﺍﻫﺎ)، ﺇﻟﻰ ﻗﻀﺎﻴﺎ ﺨﺎﺭﺠﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ.

وقدم عضو المكتب التنفيذي للاتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين، محمد الفاتح عمر السراج، ورقة عمل بعنوان «إضاءة حول أزمة مفهوم الحريات وحقوق الإنسان»، لفت فيها إلى أن مفهوم حقوق الإنسان قد أضحى من المفاهيم الشائعة الاستخدام في الأدبيات السياسية الحديثة، وفي الخطاب السياسي المعاصر بشكل عام، وإن كانت العديد من الكتابات التي استخدمت هذا المفهوم لم تهتم بتأصيله، بل أصبح لشدة شيوعه يستعمل دون تمحيص، وكأنه لا مجال لمراجعته، كما ذكر أن مفهوم حقوق الإنسان قد اكتسب قبولاً على المستوى الأكاديمي والمستوى السياسي الدولي على حد سواء، فقد حاولت العديد من الأدبيات العربية إضفاء الصبغة الإسلامية على المفهوم، فبرزت كتابات تتحدث عن «حقوق الإنسان في الإسلام»، بل صدر بالفعل عن أحد المؤتمرات الإسلامية الدولية «بيان عالمي لحقوق الإنسان في الإسلام»، واحتفظ بنفس مفردات الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، مع محاولة إثبات عدم تعارضه مع الإسلام بعرض الأدلة الشرعية التي تساند هذه الحقوق، وهو ما يجعل الإطار الغربي للمفهوم في التحليل الأخير هو المرجعية.

الأكثر مشاركة