«الجلي الديواني».. الحرف بلغة لونية تشكيلية

نظم مركز دبي لفن الخط العربي، معرضاً بعنوان «الديواني الجلي»، الذي افتتح أول من أمس، في صالة «مؤسسة فرجام» في المركز المالي، بحضور الأديب محمد المر، جامعاً العديد من الأعمال التي قدمت بهذا الخط.

وعلى الرغم من سيطرة الشكل الكلاسيكي على معظم الأعمال الموجودة، فإن التجديد والحداثة يجعلان منه لغة بصرية تشكيلية تحمل كثيراً من الحداثة في الألوان والابتكار في الشكل والأسلوب عند أكثر من خطاط.

يضم المعرض، الذي يستمر حتى 16 الجاري، مجموعة من الأعمال يفوق عددها 44 عملاً، كلها بالخط الديواني الجلي، وهو العنوان الذي أطلق على المعرض. وتتميز معظم الأعمال المعروضة بالشكل الكلاسيكي، لاسيما الزورقي الذي تمتد فيه الكتابة على شكل سفينة، وهو الشكل الأولي لكتابة هذا الخط، الذي كان يستخدم داخل الإمبراطورية العثمانية، وتحديداً في الأوراق الرسمية، بينما وجدت بعض التجارب التي تحمل كثيراً من التجديد والمعاصرة في لوحة الخط، حيث كانت تقدمه في إطار لغة بصرية تشكيلية تجعل ألوان الحروف تتناثر على اللوحة. وتنوّعت النصوص المختارة بين البسملة، والآيات القرآنية، إلى جانب الشعر والحكمة، كما تباينت ألوان الحبر الذي استخدم في اللوحات، فلم تقتصر على الألوان المألوفة، الى جانب الألوان التي ميّزت تجارب معاصرة.

محاضرات وورش

تقام على هامش المعرض مجموعة من المحاضرات وورش العمل الخاصة بالخط، الأولى: محاضرة الدكتور صاواش جويك، بعنوان العمل التشريحي وخصائص التركيب لمخطوطات الديواني الجلي، والثانية: لمنتصر حمدان بعنوان تجارب ورؤى نقدية. أما المحاضرة الثالثة: للبروفسور مصطفى دوغور أرمان، بعنوان أسلوب سامي أفندي في الديواني الجلي، وختام الورش مع الخطاط تاج السر حسن، في محاضرة بعنوان المؤتلف والمختلف.

مشاركون

ضم المعرض لوحات خطية لكل من: أحمد أبوحفص، أنور الحلواني، تاج السر حسن، حسين جلبي، حسن آل رضوان، حسين حسني توركمن، خالد الساعي، سيد أحمد دبلر، صاواش جويك، عباس علي بومجداد، عبدالباقي أبوبكر، عبدالرحمن دبلر، عبدالرزاق المحمود، عبدالرزاق قرة قاش، عدي الأعرجي، فاطمة سعيد البقالي، محفوظ ذنون، محمد أديب علي، محمد فاروق الحداد، منتصر الحمدان، مهند الساعي، نرجس نورالدين، وسام شوكت.

وقال الخطاط السوداني تاج السر حسن، إن «هذا النوع من المعارض المتخصصة يفي الأسلوب حقه من الظهور، فيتعرف المتلقي أكثر إلى نوع الخط، خصوصاً أن هذا الخط كان يكتب في البراءات في الديوان السلطاني فقط». وأضاف: «يتميز هذا الخط بكونه يحمل الطواعية في التكوين، بحيث يلتزم الخطاط بالقاعدة، كما أنه يمكن أن يقدم الخطوط بأحجام مختلفة، فالخطاط له الحرية الكاملة في إحكام نسيج الكتابة وفق التكوين الخارجي، وهذا لا يوجد في أي نوع آخر من الخطوط». أما الميزة التاريخية له، فأشار حسن إلى «كونه يعدّ خطاً ملوكياً، وأن الزخرفة والنقاط فوق الحروف كانت توضع لغرض وظيفي بهدف عدم التزوير، ولكن في ما بعد بات الهدف جمالياً». وشدد على أن «الشكل الزورقي مأحوذ من الوثائق القديمة، فكانت تكتب على شكل الفرمان من الأعلى إلى الأسفل». وأشار حسن، الذي قدم عملين في المعرض، إلى أن «هذا المعرض يعدّ من جملة الحركة الخطية النشطة في الإمارات، كما يحسب لمركز دبي لفن الخط العربي، كونه يتخصص في معارض نوعية بحجم صغير، وبنوعية خاصة من المحاضرات».

أما الخطاط السوري خالد الساعي، فأشار إلى أنه «اعتمد تقنية التصوير، ولوحة الرسم الطبيعي»، موضحاً أنه «اعتمد على الألوان المائية، واستعان بالخلفية المزدوجة التي تجمع بين الخط العربي واللوحة التشكيلية». وأكد الساعي أن «كل شيء بات اليوم أمام تحدي المعاصرة والحداثة، سواء في الخط أو الموسيقى أو الشعر، فالتقليدية تعني الأسر في الحرفية، وتوقع الفنان في مطب التكرار، لذا يحاول أن يجد في الشكل صورة المعنى». واعتبر أنه «على الفنان والخطاط أن يحاور النص ويقوده الى أشياء مختلفة، فالخط كلغة بصرية قادر على الاختراق، وحاجز اللغة يتم تحييده لأن اللغة البصرية تصل للجميع». وشدد على أن «الحرف له أبعاد متعددة، فهو شيفرة وبوابة مفتوحة، ولكن الرهان يكون على الشكل التشكيلي للحرف». أما اختياره للشكل الذي يكتب به النص، فينبع من المعنى. واعتبر أهمية المعرض في التوثيق، خصوصاً لجهة عرض النصوص التقليدية والمعاصرة، مشيراً إلى أن «الحداثة لم تحظ بالتغطية إلا بشكل خجول، علماً أن الإيمان بالتقدم في الخط بخطوات جديدة، يعني أنه لابد من البدء بعرض الحداثة أكثر، فالخطوات تحتاج إلى شجاعة أكبر، ولكن الجهد طيب لاسيما لجهة جمع المادة النقدية في كتاب».

وشاركت الخطاطة الإماراتية نرجس نور الدين، بأربعة أعمال بالألوان المائية تتميز بالعمق، من خلال الكتابة بتدرجات لونية متعددة، وقالت عن هذه الأعمال: «قدمت في اللوحة الأولى نصّاً خاصاً لفتاة العرب، الذي تتوجه فيه لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وقد اخترتها بمناسبة مرور 10 سنوات على توليه الحكم». ولفتت إلى أنها «تستخدم في اللوحة تدرّجات لونية متعددة، وقد تكون من لون واحد في العمل أو من ألوان عدة، فاختيار الألوان يتبع الثيمة، ويرتبط بالنص الذي تختاره»، مشددة على أن «الشكل الذي تختاره للعمل هو البداية، ولكن العمق تبتكره من خلال التدرّجات اللونية، فتبدأ من الألوان الفاتحة لتصل إلى الداكن، وذلك بهدف إبراز اللون الداكن، وضمان عدم ضياع اللون الفاتح في العمل». وأشارت إلى أن «الصعوبات التي تواجه الخطاط تكون في المادة التي تعمل عليها، فهناك مجموعة من الأمور التي تواجه الخطاط، منها نوعية الورق الذي قد يتمزق حين يُغسل بالماء مرتين». واعتبرت المعرض فرصة مهمة لتجمع الخطاطين، خصوصاً أنه يمنح المشاهد فرصة التعرف إلى خط معين. أما الفنان العراقي وسام شوكت، فشارك بثلاثة أعمال، ورأى أن «إلقاء الضوء على خط معين أمر مهم»، منوهاً بأن «نصوصه تنوّعت بين البسملة والحكمة، وبين أنه اعتمد على النمط الكلاسيكي قليلًا، وذلك لأن هذا الخط أتى من فرمانات الدولة العثمانية، فقدم عملين في تكوينات دائرية وحرة». وشدد شوكت على أنه «يطمح الى التطوير في الخط، فيبدع التكوينات، ويخرج عن الإطار المألوف»، منوهاً بأنه ضد التكرار، معتبراً هذا المعرض الأول على مستوى العالم الذي يقام لهذا النوع بالذات، خصوصاً أن هذا الخط، لم يتطوّر كثيراً في زمن الدولة العثمانية، لأنه خط وظيفي، فكان يحرم على الموظفين استخدامه في الحياة العامة. وشدد على أن «المشكلة الأساسية مع الخط تكمن في النظرة الى الخطاطين على أنهم حرفيون، وليس على أنه فن، وهذا يلام عليه الخطاطون الذين وقعوا في فخ التكرار والرتابة».

الخطاط العراقي عدي الأعرج، لفت إلى أنه «يشارك بلوحتين في المعرض، الذي اعتبر أهميته تأتي من نوع الخط الذي يقدمه، والذي هو غير مقنن». وشدد على أن «التصاميم الدائرية والبيضاوية هي من أصعب التصاميم، فتحتاج إلى معالجة أكثر للكتلة، وهي تتبع النص وطوله، إلى جانب اللمسة الإبداعية للخطاط، والتصرف بشكل الحرف». أما الألوان فأشار إلى أنه «يستخدم الصناعية منها، وأنه يبتكر ألوانه من خلال الدمج بين ألوان متعددة من الأحبار».

الأكثر مشاركة