6 شعراء تفاوتت مناخات قصائدهم في ثالثة أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي

همس وسريالية وخطاب في «قصر الثقافة»

صورة

تفاوتت المناخات الشعرية في الأمسية الثالثة التي أقيمت في قصر الثقافة في الشارقة، أول من أمس، ضمن فعاليات الدورة الـ14 لمهرجان الشارقة للشعر العربي. وشارك في الأمسية ستة شعراء، جاءت قصائدهم بين همس الذات لدى الشاعرة رهف المبارك من الإمارات، وكذلك قصائد مصعب الرويشد، من الكويت، مروراً بشعرية عالية تتشابك فيها سريالية الحلم مع الزمن، في قصائد الشاعر يوسف عبدالعزيز، من الأردن، خصوصاً في قصيدته «ذئب الأربعين»، إلى توهج المفردة في قصائد أحمد قران الزهراني، من السعودية، وغنائيتها، خصوصاً في تتبعه خط الطفولة الريفية، إلى علو صوت الخطاب الشعري في قصائد تناولت أوضاع دول عربية، أثناء مخاض الثورات وبعده، كما في قصائد خالد الوغلاني من تونس، وأكرم قنبس من سورية.

«أبازير» راشد عيسى

وقّع الشاعر راشد عيسى، أول من أمس، ديوانه الجديد «أبازير» الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام. وحضر حفل التوقيع عدد كبير من القراء والأدباء.

وكان راشد عيسى، الذي كرمه المهرجان في الافتتاح، قال في حوار صحافي «أنا ابن المهاجر وسليل الشتات وصديق الريح وسادن الرحيل، أبي بدويّ واجه الدنيا بلا أهل، تنقل بين مهن الرعي والزراعة والبناء حتى لحظة موته دون أن يستغني عن الخنجر على جنبه، وعن الناي في يده اليسرى». وأضاف «ولدتني أمي على ظهر صخرة عند السفح الغربي من الجبل الشمالي في نابلس، حين كانت تجمع مع أبي الحطب والزعتر كأي أسرة فلسطينية مهجّرة».

 

حضر الأمسية رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، عبدالله العويس، ومدير بيت الشعر في الشارقة الشاعر محمد البريكي، ونخبة من الإعلاميين والشعراء الإماراتيين والمقيمين وجمهور كبير لايزال يواظب على الحضور منذ افتتاح المهرجان في 13 من يناير الجاري.

وتنوعت قراءات الأمسية التي أدارها الإعلامي عبدالعليم حريص، بتعليقات لم تكن مترابطة مع أجواء القصائد، كما لم يقدم لمحة تعريفية بتجارب الشعراء، وتفاوتت الأمزجة الشعرية بين شاعر وآخر، واختلطت القصيدة العمودية بقصيدة التفعيلة، مثلما اختلط التأمل الشعري مع اللغة الخطابية العالية. ومن حيث الموضوعات تفاوتت القصائد بين المفاهيم الوطنية، والإنسانية العامة، إضافة إلى جملة الاشتغالات الذاتية المجردة، فشكلت مرجعيات الشعراء فضاءً متنوعاً.

وبدا واضحاً التركيز على الشأن العربي وما يجري على الأرض من حروب وثورات ونزاعات، إذ شكل الراهن العربي مساحة خصبة أمام الشعراء لقراءة مفارقاته، فحضر المشهدان السوري والتونسي، وكأن الشعراء بذلك يعولون على طاقة الشعر في مواجهة أشكال الظلامية والخراب.

واستهلت القراءات الشاعرة رهف مبارك بعدد من القصائد ذات النفس الذاتي، والوجداني، الذي يحول المشاعر إلى صور محكومة بالإيقاع وبساطة التركيب، حتى بدت بعض قصائدها أقرب إلى الكلام المتداول، مثل قصيدتها التي قالت فيها:

 

«ألا كل عام وأنت الحبيب

 

وأنت الرفيق الذي لا يغيب

وأنت الشروق

تسوق الأماني

إلى مهجتي

بالنداء الرقيق

وأنت الأمان الذي ترتجيه

شغافي

وتهفو إليه القلوب».

 

وشكلت قراءة الشاعر أحمد الزهراني استعادة للمخيال الذي ينتمي إليه في حياة القرية والمدينة، إذ قرأ عدداً من القصائد التي تستلهم فضاءها من المقاربة بين القرية والمدينة، كاشفاً بذلك عن الجماليات الحميمة التي يمكن أن يلتقطها الشاعر في الريف، مقابل ما يمكن أن يكون مباشراً وقاسياً في المدينة، فقرأ من قصيدة بعنوان «نسوة في المدينة»:

 

«هي القرية الأم

 

نمكث في حضنها ما نشاء

ونرحل عنها بلا رغبة في الرحيل

وتوحي بأن السماء البعيدة تدنو إلى فلك القرية المستكينة للبوح

نقرأ فيها توجس أبنائها المارقين

عقوق الصبايا اللواتي أذبن نضارتها في المدينة حتى نسين الوجوه

وأسماء أجدادهن

ومن كان في خلوة يستبقن هجوع المساء إليه

نرق لأقراننا العابثين

ونعاتب من استلذ العتاب».

أما مشاركة الشاعر يوسف عبدالعزيز فجاءت أشبه ما تكون استعراضاً لتجربته الشعرية الطويلة في كتابة قصيدة التفعيلة، إذ بدا كعادته صاحب مزاج متفرد من حيث بناء الجملة الشعرية، والتشكيل الجمالي في تأثيث القصيدة بمخيال حلمي، يعيد صياغة الأشياء وفق رؤية سريالية، إذ ظهرت قريته الأولى، وبيته الريفي، والأودية الفلسطينية القديمة، وتناول أثر الزمن الذي يحرث روح الإنسان، وقال في «ذئب الأربعين»:

 

“لم يعد في البال غيم امرأة

 

يلعب بالقلب

ولا برق يدين

تبذران الريح بالحمى

وهال النار

طاشت وردة الأنثى على ماء الصباح الرخو

والحب بكى حين رأى صورته الصفراء

في المرآة.

ليل أسود تحت الجناحين

فراش ميت في قفص الصدر

ورمح في الجبين

وحده في النفق المعتم

ذئب الأربعين

يملأ الأرض عواء

ويشم الميتين».

وقرأ الشاعر مصعب الرويشد عدداً من القصائد التي تعكس مزاجه، حيث يستند على القصيدة التراكمية التي تتنامى فيها الفكرة مع تتابع القراءة لتكون خاتمتها اكتمال الفكرة، وذروة ما أراد قوله، وقرأ قصيدة بعنوان «اختناق»، جاء فيها:

 

«تاريخك الوأد

 

هل ما زلت تذكرها

دموعها الحبر والآهات والورق

ماذا عن الصمت؟

هل ما زلت تجهله في وجهها

وكلام خطه العرق؟

ذراع وهمك لما هان

ترفعه

به اختباؤك في عينيك

يلتصق

جنابة الروح

كيف الآن تغسلها؟»

 

وزاوج الشاعر خالد الوغلاني في قراءته بين المرأة والوطن، مشكلاً بذلك مقابلة بين مفهوم الوطن في الذاكرة الجمعية العربية، وما يقابله من صورة للمرأة، وراح يلتقط الهم التونسي والمشوار الذي خاضته بلاده لتصل إلى ما هي عليه اليوم، فاتحاً بذلك النار على كل أشكال التطرف والظلامية، ومحولاً القصيدة إلى «بيان» ضد الظلامية والتطرف والقهر، فقرأ قصيدة بعنوان «مريم» قال فيها:

 

«قلبي المسيح لمريم العذراء

 لا شيء غير الحب في أسمائي

إنجيل عينيها مسافة غربة

بين الحواريين والشعراء

أيقونة الغرباء، هيكل راهب

سفر البداية في رؤى الحنفاء».

 واختتم الأمسية الشاعر أكرم قنبس الذي شكل الهم السوري وما جرى ويجري من دم ودمار واختطاف للثورة فضاء لقصيدته، فكانت قراءته اقتراباً من هذا الهم، وباباً على التساؤلات التي يستنهض فيها التاريخ والأمة والعربية، معيداً بذلك أجواء القصيدة الحماسية العمودية إلى أذهان المتلقين، فقرأ من قصيدة بعنوان «وطني رحيق الشمس»:

 «ناداهم الوطن الجريح، فكبروا

 وعلى جناح الأمنيات تحدروا

غيثاً على كل البلاد حداؤهم

ووفاؤهم إرث بهم يتبختر

فمن «المهلب» ما يزال نفيرهم

خيلاً على صهواتها قد عسكروا».

تويتر