التمور في الإمارات.. صناعة لها تاريخ ومستقبل

 التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

 واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.

19    نوعاً من التمر طورها مختبر زراعة أنسجة نخيل التمر عام 2001، وبذلك أصبح العدد الكلي للأصناف التي تنمو في الإمارات 120 صنفاً.

 44   دولة وصل إجمالي الدول التي يتم تصدير منتجات «الفوعة» إليها في نهاية عام 2013.

 1500   نوع من أشجار نخيل التمر توجد في أنحاء العالم، منها 250 نوعاً في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

 2007   هو العام الذي تم فيه تأسيس جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر، وتحديداً بتاريخ 20 مارس.

«توام»

 يعود تاريخ زراعة نخيل التمور في الإمارات إلى نحو 5000 عام، فقد سجل علماء الآثار وجودها، وعثروا على نوى ثمارها في المواقع الأثرية التي نقبوا فيها، ومنها منطقة العين التي كانت تعرف تاريخياً باسم «توام»، وفيها كانت بساتين نخيل التمر تروى بمياه الأفلاج.

 مزايا

 للتمور والمنتجات القائمة عليها مزايا صحية وغذائية ربما لا توجد في أي نوع من أنواع الفاكهة الأخرى، ومن هذه المزايا: يعد التمر الأسهل هضماً من الدهون والبروتين والكربوهيدرات المركبة لاحتوائه على 95% من السكر الأحادي سريع الامتصاص والتحول إلى طاقة. ويعمل التمر على غسل الكلى وإدرار البول، كما يحتوي على مواد معدنية، فهو غني بالفوسفور والحديد والكالسيوم والماغنسيوم، ومن ثم فهو يقي من السرطان. كذلك يساعد على ضبط ضغط الدم ووظائف الكبد، ويساعد على نمو الأطفال، ويقوي أنسجة الجلد. بالإضافة إلى فوائده للمرأة الحامل، وغير ذلك من فوائد.

 مصانع

 أنشئ مصنع الإمارات للتمور بالساد (العين) في عام 1998 لتعبئة التمور، وتبلغ الطاقة الإنتاجية 60 ألف طن من التمور سنوياً، وفقاً للمواصفات القياسية العالمية وأنظمة الآيزو والهاسب. كما يحمل المصنع صفة العضو في المعهد الأميركي لتكنولوجيا الأغذية. في حين تأسس مصنع المرفأ للتمور عام 1994، وتبلغ الطاقة الإنتاجية له 35 ألف طن من التمور سنوياً، وتتميز الإنتاجية بالجودة وفقاً للمواصفات العالمية وأنظمة الجودة (الآيزو والهاسب).

منذ سنوات بعيدة، احتلت النخلة مكانة خاصة في حياة سكان المنطقة، فقد كانت من أهم مصادر الحياة لديهم، فمنها طعامهم ومسكنهم، وصنعوا منها كثيراً من أدواتهم القديمة، ولذلك أحب سكان المنطقة أشجار النخيل، وأطلقوا عليها اسم الشجرة الأم أو الشجرة المباركة، وبذلوا كل جهودهم للعناية بها ورعايتها.

 ومنح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان اهتماماً كبيراً للزراعة عموماً، ولزراعة النخيل بشكل خاص، ما أدى إلى تطور كبير في مجال العناية بهذه الشجرة المباركة كمّاً ونوعاً.

النمو الكبير الذي شهدته دولة الإمارات منذ قيامها في مختلف المجالات، لم يستثن زراعة النخيل، إذ شهدت زيادة كبيرة في أعداد الأشجار الموجودة في الدولة، وطرق العناية بها. كما شمل هذا التطور مجال التمور، إذ اتجهت دولة الإمارات مع زيادة الإنتاج المحلي من التمور إلى تأسيس صناعة متطورة تعتمد أحدث الوسائل، وتستخدم أفضل المعدات والمصانع التي تشمل مختلف مراحل هذه الصناعة، وما يرتبط بها من صناعات، مثل المعالجة والتعبئة وغيرهما.

قديماً كانت التمور - مع الحليب - غذاء رئيساً لأهل المنطقة، لغناها بالعناصر الغذائية المفيدة، وتوافرها في البيئة، ولم تكن أي إمارة من إمارات الساحل المتصالح تخلو من سوق للتمور، وكانت سفن الصيد من أبرز مستهلكي التمور خلال رحلاتها لصيد اللؤلؤ، إذ يقدر البعض استهلاك السفينة من التمور في اليوم الواحد 100 كيلوغرام على الأقل، ولذلك لم تكن حمولة السفن من التمور التي تحملها في بداية الرحلة تكفي رحلة الغوص، فكانت بعض القوارب الشراعية تتنقل بين الموانئ وبين مغاصات اللؤلؤ، إذ تنتشر سفن الغوص لتبيع لها التمور والماء والحطب، بحسب ما يذكر الكاتب محمد الجروان في كتابه «أميرة الصحراء»، مشيراً إلى أنه في فصل الشتاء كانت قرابة 200 سفينة تحمل التمور من موانئ الإمارات للخارج، بالإضافة إلى السفن التي كانت تأتي من الهند وإيران.

وكانت التمور هي أفضل ما يقدمه العربي لضيفه، وكانت تؤكل مع الحليب ومشتقاته، وكذلك مع القهوة.

 وتشهد حالياً صناعة التمور في الإمارات نمواً، فلم تعد تقتصر على الأسواق المحلية فقط، إذ يتم تصدير جانب كبير من الإنتاج إلى الخارج، يقارب 30%، حسب عبدالحفيظ خان، أول مستشار زراعي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في كتابه «خمسون عاماً في واحة العين» الصادر عن الأرشيف الوطني، متوقعاً أن تشهد السنوات المقبلة زيادة في معدلات التصدير، مع تزايد إدراك العالم مزايا التمر. كما يذكر أن صناعة التمور في الإمارات تقوم على الممارسات التجارية العادلة وفق التوجيهات التي بدأها المغفور له الشيخ زايد، والسياسة التي ينتهجها خليفته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وقد دعمت تلك الصناعة الآلاف من المزارعين بعرض أسعار مناسبة عليهم مقابل تمورهم، وهو ما وفر لهم مستوى معيشة مناسباً.

 في عام 2005 تأسست شركة الفوعة تنفيذاً لقرار المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وأصبحت إحدى شركات الشركة القابضة العامة - أبوظبي، واتخذت العين مقراً رئيساً لها. وتمكنت الشركة من تحقيق إنجازات قياسية، فأصبحت الأولى على مستوى العالم في هذا المجال، بفضل ما تطرحه من منتجات مختلفة ومتنوعة من التمور. وتقوم الشركة كذلك بإجراء البحوث والدراسات في زراعة النخيل بالوسائل غير التقليدية في دول مثل اليابان وهولندا والمملكة المتحدة، وتسعى جاهدة لتطوير منتجات تقوم على التمر. وتصدر الشركة 90% من منتجاتها، وهو ما جعل دولة الإمارات في صدارة منتجي التمور والأغذية التي أساسها التمر. كما تمتلك الشركة، إضافة إلى العديد من المصانع، أكبر مزرعة عضوية في العالم في مدينة العين، وتشغل مساحة 1321 هكتاراً.

 ويشير خان إلى أن زراعة النخيل تقدمت تقدماً كبيراً بفضل البحث العلمي الذي تموله الدولة بسخاء، فقد أُنشئت وحدة تطوير بحوث نخيل التمر، ومختبر زراعة أنسجة نخيل التمر، بجامعة الإمارات في العين عام 1989، بما جعل مزايا التمور موضع أبحاث علماء من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والصين واليابان. وطور مختبر زراعة أنسجة نخيل التمر 19 نوعاً من التمر عام 2001، وبذلك أصبح العدد الكلي للأصناف التي تنمو في الإمارات 120 صنفاً، ومازال العدد في ارتفاع مستمر، ومن أنواع التمر التي يقوم المختبر بنشرها: «أبو معان، برحي، شيش، جش رملي، رزيز، ساكي، سكري، سلطانة، هلالي، خصاب، خضراوي، خلاص، خنيزي، لولو، مكتومي، نميشي، ونبت سيف».

من جانب آخر، تطبق «الفوعة» سياسة جديدة لدعم المزارعين منذ موسم 2007، وقد بلغت نسبة المستفيدين من هذه السياسة 75% من إجمالي المزارعين، إيماناً من «الفوعة» بأن نجاح هذا القطاع الاقتصادي قائم على المزارع الناجح الذي يوفر تموراً عالية الجودة، بما يضمن ظهوراً مشرفاً للإمارات على مستوى العالم.

الاستفادة المثلى

لتحقيق الاستغلال الأمثل للتمور، تتم الاستفادة من التمور المستلمة من مزارع المواطنين وتصنيعها وفق أحدث مواصفات الجودة العالمية والعمل على تقليل الفاقد منها كعلف حيواني، وقد أسهم ذلك في تحويل مصانع التمور من الخسائر إلى ربحية من خلال رفع الطاقة الإنتاجية للمصانع من 30 ألف طن في 2005 إلى 74 ألف طن في 2008، ثم 90 ألف طن في 2011، وبذلك ارتفعت عائدات المبيعات بنسبة 300% خلال ست سنوات، كما تم العمل على تحسين جودة التصنيع لمواكبة العلامات التجارية الجديدة عبر إدخال عمليات الفرز وإعادة تصميم عمليات الإنتاج والجودة.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة