«خيال القلم» تتحدى غياب دعم إبداعات الشباب
سيظل النص الجيد بمثابة رأس داء افتقار الكثير من الأعمال الدرامية سواء في التلفزيون أو المسرح، إلى الجودة، في ظل الفجوة الكبيرة التي تزداد هوتها، حقبة تلو الأخرى، بين الكثير من المؤسسات الثقافية وأصحاب الخبرات المهمة في هذا المجال من جهة، وبين جيل الشباب من جهة أخرى، هكذا هي الفكرة التي بات يعكسها الكثير من أصحاب المواهب الإبداعية الشابة في مجال الكتابة، الذين يؤكدون أن الفرص الحقيقية المتاحة لإثراء وتقويم تجاربهم في ظل غياب الدورات المتخصصة أضحت نادرة، لا سيما في ظل غياب فرص دعم تجاربهم الغضة.
هذا ما رسخته بشكل خاص دورة خيال القلم التي اختتمت فعالياتها مساء أول من أمس، في مسرح دبي الأهلي، بمشاركة 17 موهبة شابة، لم تجد سوى تجربة شابة أيضاً لتستقي منها أولى خبراتها، وهي الكاتب الإماراتي الشاب طلال محمود، الذي لايزال يتلمس أولى خطواته العملية بالأساس في هذا المجال.
بن غريب: مرحباً بالأكاديميين
استنكر رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الأهلي، يوسف بن غريب، انتقاد البعض لإدارة المسرح العريق، بإقدامها على تنظيم دورة في أساليب الكتابة الإبداعية، يحاضر فيها شاب، لا يتمتع بالخبرات الأكاديمية والعملية المطلوبة، حسب تلك الآراء، وهو طلال محمود. وأضاف: «مع كل الترحيب بالأكاديميين، الذين يعتبرون أنفسهم مختصين في المعرفة المرتبطة بهذا النوع من الإبداع، فإن تلك الخبرات تظل حبيسة عقول من يحملونها، في حال الإصرار على عدم تناقلها، وإفادة مواهب هم في أمسّ الحاجة إليها». |
وتعرض محمود إلى هجوم غير معلن من مسرحيين ومثقفين وصفوا تجربته الكتابية في مجملها بـ«الغضة»، محيلين على نحو محبط إلى بعض الإشكاليات التي رافقت تجارب كتابية سابقة له، خصوصاً في مجال الدراما المسرحية.
وأكد رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الأهلي، يوسف بن غريب، أنه أصر على الاستفادة من تجربة طلال محمود، التي وصفها بـ«الجيدة»، مشيراً إلى أنه على مدار دورات عدة في مجال فنون الكتابة اعتزمت إدارة «دبي الأهلي تنظيمها»، تلقى اعتذارات بالجملة من خبرات إماراتية مهمة في مجال الكتابة، بعد أن وجه لها الدعوة للمشاركة في تلك الدورات المتخصصة.
وأضاف بن غريب: «معظم الدورات التي نقوم بتنظيمها مجانية، وفي أوقات تناسب المشاركين، وهو الأمر الذي ظل محور خلاف مع البعض، سواء في ما يتعلق بالمقابل المادي الذي يشترطه البعض، أو توقيت عقد تلك الدورات».
وتابع: «الكتابة شأنها شأن أي حقل إبداعي آخر، بحاجة إلى رفد وتناقل خبرات، ورعاية حثيثة، ولا يمكن للموهبة الحقيقية، أن تبزغ، في غياب البيئة الحاضنة، إلا في ما يتعلق باسثناءات قليلة جداً، لذلك تبقى إشكالية غياب النص الجيد قائمة، ومنعكسة، سواء في ما يتعلق بالدراما التلفزيونية، التي يسودها حالياً النزعة التجارية المحضة، أو الدراما المسرحية التي تعاني غياب النصوص الجديدة الحديثة».
الفنان الشاب مروان عبدالله صالح، الذي يعتبره البعض أحد أهم الكوادر الشابة التي استطاعت أن تثبت اقدامها بقوة سواء في مجال المسرح أو الدراما التلفزيونية، يؤكد بشكل قاطع أن «غياب النص الجيد لايزال أحد أهم تحديات الدراما الإماراتية»، مشيراً إلى أن المراهنة الحقيقية على الأقلام الشابة لاتزال غائبة، لدى المؤسسات وجهات الإنتاج على حد سواء.
الكاتب الشاب طلال محمود من جانبه اشار إلى أنه «بات لا يستغرب مثل هذه التوجهات التي اعتادت أن تصادر مقدما، كل محاولة شبابية للخروج عن المألوف والنمطي والسائد، لصالح فكر يسعى إلى التشبث بما هو قائم بالفعل، حتى في ما يتعلق بسيطرة الأسماء نفسها، على الفرص المتوافرة لاستيعاب المنتج الإبداعي في النص».
وأكد محمود أنه لم يندهش من الدعاوى التي استغربت اقدامه على تقديم بعض خبرته لمنتسبي دورة «خيال القلم»، مضيفاً: «أنا لا ادعي أنني أصبحت صاحب خبرة أكاديمية أو عملية واسعة، لكن على أقل تقدير، أنا مرحب بدعم تجارب زملائي بما أتيح لي أن أتعلمه خلال العديد من المحاولات».
وتابع: «المشكلة الأساسية في مجال الدراما لاتزال ندرة النص الجيد، وهي مشكلة ترسخت بسبب غياب الجهود الحقيقية لنقل التجارب لأصحاب المواهب الإبداعية الشابة الذين لا تنقصهم الموهبة، بقدر ما يعوزهم الثقة بإمكاناتهم، والأخذ بأيديهم من أجل تطويرها».
وقال محمود إن الدورة التي استمرت على مدار سبعة ايام ضمت العديد من الأسماء التي تمتلك مقومات الإبداع، مضيفاً: «من يفترض بأن هناك فقراً في مقومات الكتابة الإبداعية لدى الأجيال الشابة، كان عليه أن يتابع نتاج ورشة (خيال القلم)، والحراك الثري الذي انخرط فيه موهوبون غير متفرغين، وبعضهم يقتطع أوقاتاً من دراسته الجامعية، أو المساحة الخاصة المتبقية في يومه عقب دوام طويل».
وقالت أمينة سلطان، وهي إحدى الموهوبات الإماراتيات في مجال الكتابة اللائي التحقن بورشة «خيال القلم»، إن الإشكالية الحقيقية التي تواجهها الكاتبة الناشئة هو غياب من يقدم لها دعماً حقيقياً، بشكل عملي، مضيفة: «أداوم على كتابة القصص والسيناريوهات، وأطور مهاراتي بشكل ذاتي، ولا أعرف الكيفية التي يمكن أن تكون عبرها هذه الأعمال، منسجمة مع شروط دور النشر».
اشكالات المواهب الشابة ليست مرتبطة بالمواهب الإماراتية فقط، بل العربية أيضاً حسب الفلسطينية ديانا ثروت العاصي، التي تدرس إدارة أعمال، وتتمتع بموهبة أرادت أن تنميها لكنها لم تجد مظلة ما يمكنها اللجوء إليها، قبل أن تكتشف بالمصادفة تنظيم «دبي الأهلي» دورة مفتوحة لتنمية مهارات الإبداع السردي.
وأضافت العاصي التي نشأت في فلسطين وترعرعت في دبي، يمتلك الكثير من الشباب أقلاماً واعدة، وخيالات جامحة، لكن تنقصهم خبرة توظيفها بشكل احترافي لإنتاج أعمال قادرة لأن تبصر النور سواء على خشبة المسرح، أو كنتاج قصصي أو روائي، وهو أمر يتشارك فيه الشباب والفتيات، سواء من الإماراتيين أو المقيمين.