أحمد زويد.. مخلصٌ لصناعة «الطبل» منذ 50 عاماً

تجاوز أحمد محمد حسن زويد الـ70 من العمر، لكنه لايزال متمسكاً بمهنة صناعة الطبل، التي قضى فيها أكثر من 50 عاماً، مخلصاً لها، وفخوراً بها، ففي منزله بمنطقة شعم، مجموعة من الطبول بعضها لايزال في مرحلة التصنيع، وورشة في غرفة خاصة تضم مختلف المعدات، التي كان يستخدمها في صناعة الطبل.

ويؤكد زويد أن الطبل لايزال له دوي في المجتمع الإماراتي، وله الحضور القوي كرمز للأصالة والتاريخ والفكلور الشعبي، الذي يتغنى به أبناء القبائل، وإن طاله التطور في التصنيع والممارسة، لكنه لايزال يقرع في المناسبات الوطنية والأعياد والاحتفالات المدرسية والرياضية.

واكتسب الطبل في الماضي أهمية مجتمعية خاصة، فالأهالي خصوصاً في المناطق الجبلية يهتمون بصناعته، بل يحرصون على تعلم مهارة قرعه، لأن من يجيدها يكون صاحب حظوة، ويجزل له التقدير في المجتمع، باعتباره مساهماً في ترسيخ الموروث الشعبي.

ويقول زويد «كانت للطبل مكانة مرموقة، فإلى جانب كونه أداة طرب تشيع في نفوس الناس الفرح وتحفزهم على الرقص، فهو يؤدي دور (بطاقة الدعوة)، فنظراً لصعوبة تنقل من لديه مناسبة فرح بين الجبال، لتوجيه الدعوة إلى الأهالي، كان يلجأ لقرع الطبل وبذلك تصل الرسالة إلى كل الجمهور فيستجيبون بالحضور والمشاركة في مناسبة الفرح».

ويتذكر زويد رحلته مع صناعة الطبل، قائلاً: «في الحقيقة كان والدي بارعاً في صناعة العديد من الأشياء التي كانت ضرورية لخدمة الناس، فأورثني العديد منها وبالطبع من بينها صناعة الطبل، وكذلك أتقنت صناعة الأواني الخشبية والأبواب والشبابيك وأشغال الديكور والتراث، التي تجد الآن زبائن لها بين السياح، وغيرهم من الباحثين عن المقتنيات التراثية».

عندما كان زويد في سن الشباب صنع أول طبل له، فكانت تجربة ناجحة بل محفزة للاستمرار في المهنة بقوة، وعندما أدرك أنه امتلك ناصيتها استخدمها كمهنة ليعتاش منها، ويتذكر أنه ذات مرة باع طبلاً بـ15 ألف درهم. ويستطرد «من حسن الحظ أن المواد التي تحتاج إليها صناعة الطبل متوافرة في بيئتنا المحلية، وهي عبارة عن خشب شجر السدر، وجلد صغار الماعز (السخل)».

وتابع «من أجل صناعة الطبل كنت أذهب إلى الجبال، فأختار النوع الجيد من الأشجار، والمتمثل في شجر السدر، أو القرط، وأحياناً تبقى المهمة شاقة، فلا أعثر على الطول المناسب لجذع الشجر، لكن عندما أجده فإذا كان كبير الحجم أعود به دحرجة، أو أحمله على كتفي أو رأسي إن استطعت، وفي البيت أقوم فوراً بعملية التقطيع إلى أجزاء تكون مناسبة لحجم الطبل، وبواسطة أدوات مثل المنشار والقدوم والمسحل أقوم بتسوية وتنظيف القطع من الخارج، بحيث تأخذ الشكل الاسطواني الناعم، ثم بعد ذلك أقوم بحفر الكتل الخشبية من الداخل، ثم تركها أسبوعاً تحت أشعة الشمس، بهدف تجفيفها، وأثناء ذلك تبدأ عملية دباغة الجلد، مستخدماً ثمار القرض أو شجرة الألقة، التي كنت أجمعها من البيئة المحلية، وأخلطها مع الملح الذائب في الماء، وبعد بسط الجلد أنقعه في المحلول، وفي غضون يوم واحد تقريباً يزول الشعر منه تماماً، وبعد تجفيفه عن طريق تعريضه لحرارة الشمس والهواء يتم تثبيته على الإناء الخشبي».

ويضيف زويد «من المهم جداً مراعاة سمك جسم الطبل من الداخل، فلا يكون ثقيلاً أو رقيقاً جداً، لأن الثقيل يؤثر سلباً في الطبل إذ يضعف الصوت الصادر عنه، ومثل هذا الطبل يكون غير مرغوب فيه، ويعد عيباً في الصناعة، ويفضل الناس ما يسمى الطبل الطارق»، مشيراً إلى أنه كان يفضل استخدام جلد سخل الماعز، لأنه يعطي عند القرع صوتاً قوياً.

ويقول زويد، وهو ممسك بالطبل: «حينما يقرع الطبل ينتظم أعضاء فرقة الرقص الشعبي، ويقفون في صف واحد، وفي أياديهم عصيهم النحيلة يهزونها ويتمايلون معها على قرع الطبل، ويرددون الأنغام بألحان شجية كحال من يستعد لمعركة، بيد أن معركتهم هي في ساحة الفرح، الذي يؤدون فيه رقصات من قبيل العيالة، الحربية، الرزفة، الليوا، واليولة، وغير ذلك».

الأكثر مشاركة