الزواج قديماً.. طقـــــــوس تنبض بالفرح والحياة
بساطة الحياة في منطقة الخليج، وفي إمارات الساحل المتصالح قديماً، انعكست في شكل الحياة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وكذلك في طبيعة الناس والعادات والتقاليد المتبعة في المجتمع، وكذلك في المناسبات المختلفة التي كان سكان المنطقة يحتفلون بها وفق طقوس وعادات معينة. وتمثل الأعراس إحدى المناسبات المهمة التي ارتبطت بمظاهر وطقوس خاصة في المجتمع الإماراتي، بداية من الخطبة ثم الاستعدادات للزواج، وتجهيز منزل الزوجية ومستلزمات العروس، إلى العرس نفسه والاحتفالات التي تقام فيه.
التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.
إعداد مبكر
كان إعداد الفتاة للزواج قديماً يتم منذ الصغر، فالأم دائماً تحرص على تعليم ابنتها كل الأعمال المنزلية منذ الصغر، وكانت الفتيات يتسابقن لإثبات جدارتهن في هذه الميادين، إضافة إلى إجادة الطبخ. وإاذا بلغت الفتاة عمر 12 سنة، ارتدت البرقع، وهو غطاء يخفي معظم معالم الوجه، ويصنع من قماش هندي يشبه الورق. اختيار الزوج
كان اختيار الزوج مختصاً برب الأسرة، سواء كان الأب أو من يحل محله في ذلك، ولو كان أصغر من الفتاة ذاتها، بحسب ما يذكر كتاب «زايد والمرأة» الصادر عن الأرشيف الوطني، ورأيه في الزواج هو النافذ وليس للمرأة حق الرفض أو القبول. طقوس العناية بالعروس
قبل الزفاف كانت العروس تختفي عن الناس 40 يوماً، وفي هذه الفترة ترتدي الثياب المصبوغة بخلطة الورس والياسمين والهيل والصرة، ويدهن جسمها بالنيل والورس، كما يبدأ أهلها في إعداد الحنة ويحنونها غمسة كل أسبوع، أي وضع الحنة في باطن الكف وخارجها، ويدهن شعرها بالعنبر والياسمين، ويجدل بالورد والياس والمحلب، وتتولى صديقاتها إحضار وجبات يومية لها مشاركة منهن لفرحتها. «زهبة» العروس
تتكون زهبة العروس بشكل رئيس من مجموعة من العطورات النسائية المعروفة قديماً، كالعود والمسك والعنبر التي تجلب بشكل رئيس من الهند، وكذلك الحناء والصندل والزعفران والبخور وخلطات متقنة من الدخون من بعض أنواع العطور والورد والصمغ وطحين العود. كما تضم الزهبة ثياباً تقليدية مزركشة ومزينة بخيوط حرير، فضلاً عن بعض الأقمشة ومجموعة أدوات للزينة ومواد تجميل. إلى جانب قطع من المشغولات الذهبية تتمثل في الطاسة ذات السلاسل الذهبية وتوضع على الرأس، والشغاب وهي قرط للأذن، والحيول وهي أساور ليد العروس، أما الكف فهو سوار تتدلى منه سلاسل ذهبية تنتهي أطرافها بخواتم خمسة، والمرتعشة هي عقد تتدلى منه سلاسل الذهب ويوضع في جيد العروس. |
الاحتفال بالأعراس له مواسم يكثر فيها، فكان يكثر الزواج في البادية بفصل الشتاء، بحسب ما تذكر الشيخة صبحة محمد جابر الخييلي، في كتابها «وين الطروش»، موضحة أن «الزواج بين العيدين لم يكن محبباً لدى البدو (عيد الفطر وعيد الأضحى)، لاعتقادهم أن الزواج بين العيدين يحمل فألاً سيئاً للعروسين، وهذه العادة لا تقتصر على البدو وحدهم، بل إنها سمة غالبة عند معظم سكان الإمارات في بيئاتهم المختلفة، ويفضل البدوي الزواج يوم الخميس أكثر من الأيام الأخرى، حيث يتبارك به وبيوم الجمعة الذي يعقبه».
وتُطلب الفتاة للزواج بعد سن البلوغ، بينما يتزوج الشاب من بداية الـ18 إلى منتصف العشرينات، وليس قبل ذلك بسبب ظروف الحياة، ونظراً لقلة عدد النساء في البادية مقارنة بالرجال، وكانت المطلقات تتزوج مباشرة عقب انتهاء مدة عدتها من الزواج الأول.
وللزواج في البادية أنظمة وأحكام، بحسب ما يذكره «وين الطروش»، فلا يتزوج الشاب البدوي إلا ابنة عمه، وهو عُرف سائد بين القبائل البدوية، فإن تعذّر ذلك اختيرت فتاة أخرى من بنات (الفريج)، وقد تكون تلك الفتاة من أقرباء الشاب أو جيرانه. وعند الخطبة يذهب والد (المعرس) إلى بيت والد الفتاة لخطبتها لابنه، ويمكن أن يرافقه مجموعة من الرجال الذين لهم مكانتهم عند أفراد المجتمع المحلي، فيخطبون البنت، ويتركون لوالدها الفرصة لمشاورة أمها، ثم يصلهم الرد بعد ذلك.
ومن الصفات التي يجب أن تتوافر في الشاب، الذي يتقدم لخطبة فتاة من الفريج، أن يكون ذا سمعة طيبة، كريم اليد والسجايا فإن تحققت تلك الشروط وكان ثرياً ويمتلك الحلال والمال، أو كان تاجراً مشهوداً له بالأمانة، أو شاعراً يشار إليه بالبنان، فيكون عندها (كامل الأوصاف).
ومن عادات الخطبة في الإمارات، وهو الأمر الذي يتعارف علىه البدو كذلك، وفق ما تذكره الشيخة صبحة، أن والد الفتاة لا يضع مطالب معينة، ولا يشترط شيئاً إطلاقاً، ويتم في هذه الحالة تطبيق ما هو متعارف عليه من حيث المهر الذي يُسمى (صباحه)، وغيره من المتطلبات الأخرى، وعادة ما يكون مهر العروس في البادية ناقة يأخذها والدها، ويتم تحديد «المتأخر»، ويُسمى (مالاً) ويكون أيضاً ناقة إسوة بالمهر.
وبعد أن يتم تحديد موعد العرس أو الزفاف ينطلق الداعي على ناقته، ليدعو أهل «الفريج» و«القصير»، أي الجيران الأبعد عن الفريج، لحضور العرس ومشاركة الجميع أفراحهم. وتستعد العروس ليوم زفافها بالاعتناء بنفسها، كما تقوم أمها على رعايتها وتغذيتها بأثمن ما عندها، وهو حليب «البوش»، الذي يحتوي على كثير من الفوائد لها وللإنسان عامة، كما يغذونها بالسمن البلدي الذي يساعد على تفتيح البشرة، ويملأ قوامها بشكل مناسب، إذ إن من صفات الجمال آنذاك أن يكون قوام المرأة ممتلئاً، ولكن بالشكل الذي لا يشوه حسن العروس أو يعيبه. وقبل الزفاف بأسبوع يتم البدء في تجميل العروس وإعدادها، كما يقدم «العريس» للعروس «الزهبة»، وهي كل ما تحتاج إليه من مستلزمات شخصية كالملابس والعطور، وتقدم في صندوق يضم قطع قماش وعطوراً وعوداً و«طبقة» (براقع)، و«شدتين إبر»، (إبر لحياكة الملابس)، فتقوم والدة العروس، يساعدها جيرانها، بحياكة ملابس العروس وتطريزها بالتلي، وتخضب العروس بالحناء وتتزين وتتجمل. وفي يوم العرس وقت الظهيرة تحضر الوليمة التي يقيمها المعرس، ويعدها أهل العروس، إذ تذبح ناقة جزور، وتطهى وتقدم مع «العيش» (الأرز) على مائدة الغداء. وفي الليل «يشبون»، (يشعلون)، النار في وسط الفريج ويصطف الرجال ويؤدون «الحربية»، كما تشارك الفتيات من عمر 12 - 15 سنة في الاحتفال بالنعيش، وهو مشاركة نسائية تتمثل في حركة أدائية، تحرك خلالها الفتيات شعورهن يمنة ويسرة، إذ تدور الفتاة حول النار وهي تنعش، بينما يمشي أحد الشباب وراءها ويزفها (يحرك الخنجر)، ويستعرض الشباب مهاراتهم في المبارزة، فيتلألأ ضوء النار على الخنجر وينعكس على وجه الفتاة فيمنحها جمالاً، ومع انتهاء الدوران حول النار يتغير «الزفينة»، أي الذين يستعرضون قوتهم وفتوتهم وهكذا. وهذه الحركة الأدائية معروفة في البادية، حيث يتم إشعال النار لتساعد على إضاءة المكان في الليل عند بدء الحربية، فيتمكن الرجال من التحرك بسهولة وأمان عند تأديتهم لها.
وبعد تناول الرجال وليمة العشاء التي أعدت للعرس في «الحظيرة»، يزف المعرس إلي بيت العروس الذي أعد مسبقاً لاستقبال العروسين، إذ يخصص جزء من البيت يُسمى «القطع» يفصل «بالساحة»، وهي قطعة سميكة من القماش مصنوعة من القطن الملون بالأحمر والأسود، ويفرش البيت بالسدو و«المطارح»، وهو غطاء مصنوع من القماش محشو بالقطن يتم شراؤه من الهند، وأفضل أنواعه يُسمى «مطرح مدواس».
وفي اليوم الثاني من أيام الزفاف يُدعى أهل الفريج على «الريوق» (الإفطار)، وينظمون سباقاً للهجن ويضعون «شارة» بسيطة للفائز للتشجيع على المشاركة. ويتم الاحتفال بالجمل الفائز بتوشيته بالزعفران. ومع نهاية اليوم تذهب العروس مع زوجها إلى بيتهما، فإن كان قريباً، ساروا إليه راجلين على الأقدام، وإن كان بعيداً ذهبوا إليه راحلين على ناقة تهيأ لهم، وغالباً لا تزور العروس التي تقيم بعيداً عن الفريج أهلها لمدة تقارب العام، حتى يحين موعد وضعها.
أحداث وأرقام
16 كان الزواج المبكر من خصائص المجتمع قديماً، فكان يتم بين عمر 16 و18 سنة، وأحياناً قبل ذلك للمرأة.
40 كانت العروس تختفي عن الأنظار 40 يوماً ولا يراها إلا المقربون منها، خصوصاً الرجال.
2 عادة ما يطلب أهل العروس مهلة للاستعداد للزواج والعرس قد تكون شهرين.
15 كانت الفتيات من عمر 12 - 15 سنة تشارك في الاحتفال بالنعيش، في حفلات العرس.