«المطعم المتنقل».. فرصة شقيقين لقهر أزمات الحصار
بهمة ونشاط، يسارع الشقيقان محمود ومعاذ الحسنات صاحبا البشرة السمراء، لتوفير كل الاحتياجات والإمكانيات اللازمة لمطعمهما، وبعد إنجاز المهمة ينطلقان ليتجولا في شوارع وأزقة مدينة غزة، لإعداد الوجبات المختلفة، وفقاً لطلبات الزبائن، وما يشتهونه من أطعمة.
فلأول مرة تشهد مدينة غزة مطعماً متنقلاً، يوصل وجبات الطعام إلى المواطنين، في مناطق إقامتهم ووظائفهم، وفي أي مكان يوجدون فيه، بدلاً من الذهاب لتناولها وإحضارها بأنفسهم.
«قرموشتي» اسم المطعم المتنقل، وهو عبارة عن سيارة نقل صغيرة (توك توك)، جهزها الشقيقان الحسنات بإمكانيات بسيطة، وبمواصفات تلبي احتياجات سكان المدينة المعزولة عن العالم، ليتجاوزا جدار العوز والبطالة، حيث وفر لهما هذا المطعم مصدر دخل دائماً، بعد أن أفنيا عمرهما في البحث عن فرصة عمل مناسبة لشهادتهما الجامعية.
يعد المطعم بديلاً فريداً من نوعه للمطاعم والمشروعات الكبيرة في غزة، التي تحتاج إلى تكاليف باهظة، وتعتمد على مواد البناء والمستلزمات التي يندر وجودها، وتمنع من الدخول، بفعل سيطرة الاحتلال على معابر القطاع التجارية.
«الإمارات اليوم» التقت صاحبي مطعم «قرموشتي»، في حي الرمال وسط مدينة غزة، في وقت متأخر من الليل، حيث حضرا إلى تلك المنطقة ليوصلا الطلبات للمواطنين القادمين للسهر والتنزه في حديقة الجندي المجهول، فالتف حولهما عدد من الزبائن من كلا الجنسين، ليتذوقا الوجبات التي تعد داخل أصغر وأول مطعم متنقل في القطاع.
معاذ هو الذي يتلقى الاتصالات من الزبائن ويسجل طلباتهم، فيما يطهو محمود الوجبات المختلفة، وما إن يصلا إلى الزبائن في أماكن وجودهم، يكون الطعام جاهزاً، ليصل ساخناً إلى أصحابه.
يقول محمود صاحب فكرة المطعم، وهو يعد وجبات الدجاج بالجبنة والبروستد: «إن اللجوء لإنشاء مطعم (قرموشتي) المتنقل، كان بعد صراع مرير مع دوامة البحث عن وظيفة، فبعد أن خذلتنا المؤسسات المختلفة، وأساءت معاملتنا كخريجي جامعات، قررنا ألا ننتظر الشفقة من أحد، ونصنع مستقبلنا بأيدينا، حتى لو بأقل الإمكانيات وأبسطها«.
ويضيف «بعد اتخاذ قرار الاعتماد على الذات، بحثنا عن فكرة جديدة ومتقبلة لدى سكان غزة، ومشروع بسيط لا يتطلب تكاليف باهظة، لنهتدي في نهاية المطاف إلى إنشاء مطعم متنقل، كان شكله واسمه لافتين ومألوفين بين الناس».
واستوحى الشقيقان الحسنات فكرة المطعم من الأفلام الوثائقية، التي تحدثت عن انتشار المطاعم المتنقلة في معظم بلدان العالم، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية، ليكون هذا الأمر المحفز الأول لهما لإنجاز مشروعهما، بالإضافة إلى تشجيع الأهل والأصدقاء.
ويعبر اسم «قرمشوتي»، بحسب الشاب محمود، عن الخفة والسرعة في إعداد وجبات الطعام، التي تعتمد بالأساس على صدور الدجاج، فيما تتميز الوجبات التي يعدها المطعم المتنقل بأسعار تناسب كل شرائح المجتمع في غزة، حيث تراوح أسعار الوجبة الواحدة بين خمسة وثمانية شيكلات، أي بثمن أقل من سندويتش شاورما تعده المطاعم الكبيرة.
ويقول معاذ الحسنات، بابتسامة هادئة طبعت على وجهه: «إن أسعار الوجبات التي نعدها كانت بمثابة تحد كبير بالنسبة لنا، فقد قررنا أن يكون ثمن الوجبة الواحدة مناسباً للجميع، وهذا الأمر ذاته كان الدافع الأبرز لإقبال الزبائن على مطعمنا».