«رمّان» معرض افتراضي للتشكيل الفلسطيني

أطلق غاليري «بيت مريم» الفلسطيني في مدينة رام الله، في الذكرى الـ68 للنكبة، بالتعاون مع مجلة «فُسْحَة» الثقافية الفلسطينية، حملة استمرت أربعة أيام، داعياً من خلالها الفنانين الفلسطينيين في الوطن والشتات إلى نشر صور أعمال فنية لهم، تتناول الوطن والقضية الفلسطينية، وذلك عبر موقع التواصل الاجتماعيّ «فيس بوك»، موسومة بوسم «#الذاكرة_البصرية_الفلسطينية».

شهدت الحملة مشاركة واسعة وفعالة من الفنانين من مختلف الأجيال، ومن مختلف مناطق الوطن والشتات، وقد جاءت لتحقق أهدافاً عدة، أهمها ضرورة البحث والتأمل في الذاكرة البصرية للفنان الفلسطيني، التي اختزلت العديد من الصور والتصورات حول مأساة لا يمكن القول إنها تاريخ مضى فحسب، بل هي مستمرة باستمرار مظاهرها من تهجير واستلاب الأرض وحصار الإنسان والمكان، والاعتداء على الوجود الفلسطيني، الجسدي والهوياتي.

إرث بصري

يقدم المعرض الافتراضي «رمان»، مادة بصرية غنية وذات أهمية، ليس فقط للمتأملين ولمتذوقي الفن والباحثين في الفنون فحسب، بل للإرث البصري أيضاً، وللثقافة الفلسطينية التي ما زالت، كما يعتبرها إدوارد سعيد، شكلاً من أشكال المقاومة، وذاكرة حية تكافح احتمالات الاندثار والنسيان بالعناد والإصرار.

أجيال

يشارك في معرض «رمان» الافتراضي فنانون من أجيال متعددة، من بينهم أسامة سعيد، أسد عزّي، أمجد غنّام، تيسير شرف، دينا مطر، سليمان منصور، جهينة حبيبي، جواد إبراهيم، رائد عيسى، عبدالرّحمن المزين، عبد عابدي، عدنان يحيى، لطيفة يوسف، محمد جحا، محمد الحواجري، محمد لبّد، معين حسّونة، ميسرة بارود، ناتاشا المعاني، نبيل عناني، هاني زعرب.

قدم 78 فناناً وفنّانة عبر وسم «#الذاكرة_البصرية_الفلسطينية» صوراً لمئات الأعمال الفنية، وقد اختير من بين هذه الأعمال 134 عملاً فنياً، لتُعرض تحت عنوان «رمّان»، في مجلة «فسحة» الثقافية الفلسطينية، ضمن أربعة فضاءات بصرية إلكترونية، ابتداءً من الأول من يونيو الجاري، وبواقع فضاء واحد أسبوعياً حتى نهاية الشهر.

عنوان

قالت مديرة «بيت مريم»، الباحثة في الفن التشكيلي، الدكتورة مليحة مسلماني، إن «عنوان المعرض الافتراضي (رمان)، جاء لما يحيل إليه هذا اللفظ من طبيعة فلسطينية، ولما يتضمنه من دلالات تتمثل في اختزال هذه الفاكهة لحلاوة المذاق المغطاة بالقشر الصلب والمر، في ترادف مع الهوية الفلسطينية الحديثة التي تقوم على التضاد بين قسوة واقعها وجماليات عناصرها التي تشكل فسيفساءها. كما أن اصطفاف حبات الرمان يرادف التفاف الذاكرة البصريّة الفلسطينية حول المأساة والحق الفلسطيني».

يذكر أن رمان عنوان لوحة للفنان رائد عيسى أيضاً، وتشارك اللوحة في المعرض؛ ويحمل الفتى في اللوحة فاكهة الرمان الحمراء التي تبدو كأنها جمر أو قنابل، وقودها الحب والغضب والألم والدّم.

أعمال «رُمّان»، وإن تنوعت في مضامينها البصرية وأساليبها التقنية، إلا أنها تلتف حول المأساة الفلسطينية، وتشرّح بصرياً وفلسفياً مسائل وعناصر مثل التهجير، والمنفى، والبيت، والوطن، والخيمة، والمخيم، والقرية، والمرأة التي مازالت تُصوَّر في أعمال الفنانين الفلسطينيين وطناً مسلوباً وثورة محتملة وحتمية.

رواد وشباب

يحضر رواد الفن الفلسطيني بأعمالهم التي وثقت وعالجت مظاهر النكبة وآثارها، وراكمت ثقافة بصرية فلسطينية تعد وثيقة تاريخية للذاكرة الفلسطينية حول الحدث، والمكان، وتداعيات الزمان.

وأضافت مسلماني أن «الكثيرين من الفنانين الشباب مازالوا يستلهمون رموز وعناصر التراث الفلسطيني، الشعبي والوطني والثقافي والديني والعربي، وهي العناصر ذاتها التي ألهمت من سبقوهم من الرواد»، فتحضر في أعمال الفنانين الشباب عناصر مثل: الفلاحة الجميلة والقوية الباقية في أرضها، والقرية الهادئة على التلال، والمخيم وطناً مؤقتاً ينتظر الخلاص، والشيخ الذي يحتفظ بالحنين إلى الوطن المسلوب وقراه المهجرة. هذا التناول الكلاسيكي للمأساة الفلسطينية، والمباشرة في طرح الرموز الوطنية والثقافيّة، يشكل مادة تستحق الدراسة والتـأمل لتبيان ما له وما عليه في التجربة البصرية الفلسطينية.

وأردفت «ليس استباقاً للنتائج، لكن يمكن القول إن الرموز مازالت، على ما يبدو، تفرض نفسها بقوة على الفنان الفلسطيني الذي لا يستطيع الانفكاك، بصرياً، منها، غير أن السعي إلى التجديد في كيفية الطرح والتناول، ضرورة لابد منها، من أجل التطور الضروري في الحراك التشكيلي الفلسطيني، وفي فسيفساء الذاكرة البصرية الفلسطينية».

ذاكرة حية

بين جيلي الرواد والشباب، جيل من الفنانين بدأوا بممارسة الفن منذ التسعينات، منهم من يقيم في الوطن ومنهم من يقيم في الشتات، غير أن ما يميز أعمالهم انفتاحها الكبير على التجديد والتنوع البصريين، في معالجة المأساة الفلسطينيّة وما يتعلّق بها من مسائل، مثل الحرب والحصار والقتل والاعتقال، وغيرها من تعقيدات المشهد الفلسطيني برمته. بعض الأعمال تعتمد الاختزال والتكثيف نهجاً لتركيز العين والذائقة حول جانب إنساني ثقافي فلسطيني، وبعضها يعتمد الكثافة والغنى البصريين، نهجاً وأسلوباً، وبعضها يستلهم من أدوات الفن المعاصر أسلوبه في تصوير المأساة.

الأكثر مشاركة