«مكان في القلب» جمع وجوهاً مخضرمة مع العديد من أصحاب المواهب الشابة على شاشة «دبي الأولى» في وقت ذروة المشاهدة. من المصدر

«مكان في القلب».. فرصة «تلفزيونية» لشباب «المسرح»

ليست صداقة عادية تلك التي تربط الفنانين جابر نغموش وسلطان النيادي، فحضورهما سوياً في عمل مشترك أصبح يعني فرصة لمعايشة عمل جماهيري، يستدعي اهتمام المشاهد الإماراتي خصوصاً، نظراً لارتباط انتاجهما بالحس الشعبي، والتفاصيل التراثية، بغض النظر عن طبيعة المسلسل، وهوية الشاشة التي تستقطبه.

ومع غياب تلك الثنائية في رمضان الماضي، افتقد المشاهد إطلالة نغموش، وقلم النيادي، لاسيما بعد اعتزال الأخير التمثيل بشكل نهائي، وتفرغه للكتابة والانتاج، من خلال شركة »ظبيان» للإنتاج الفني، التي يرأسها النيادي، ويشارك نغموش في إدارتها، ليكونا من أوائل الفنانين الذين فكروا في الشأن الإنتاجي بصيغته المعاصرة، التي تعتمد في معظمها على آلية المنتج المنفذ.

وتعد هذه الثنائية على الدوام بمثابة فرصة لإبراز وجوه جديدة، أو ترسيخ حضور طاقات شابة لايزال طريقها غضاً في الدراما التلفزيونية تحديداً، وكأنها بمثابة مصنع لـ«نجوم المستقبل»، من خلال فرصة «تلفزيونية» لتجديد دماء الدراما المحلية، ولكن بمواهب معظمها ارتبطت اطلالتها بخشبة المسرح، وهو ما يظهر بوضوح في «مكان في القلب» الذي قد تكون الفرصة الأهم للعديد من الوجوه الشابة في الفترة الأخيرة.

دورات عملية

ربما لا نستطيع إحصاء عدد الدورات المختلفة التي تدعو لها مؤسسات كثيرة سواء من أجل استكشاف المواهب التمثيلية أو صقل مهارات ممثلين شباب، لا نرى لمعظمهم بعد ذلك تواجداً سواء على شاشات محلية تحرص على استقطاب الأعمال الإماراتية، أو على خشبات المسارح المختلفة.

في المقابل، قد ينجح مسلسل وحيد في إتاحة فرصة حقيقية، تمثل مفترق طرق لدى عدد من المواهب الشابة، وهو ما يعكسه مسلسل «مكان في القلب»، الذي رغم أن البطولة المطلقة فيه للنجم جابر نغموش، إلا أن دائرة الضوء فيه تتسع للعديد من الأسماء الشابة التي أحسنت استثمار فرصة تواجدها مع الكبار، وتمسكت بها.

وبعد «حليس»، العمل الإذاعي الذي ظهر فيه نغموش العام الماضي بدلاً من الإطلالة التلفزيونية، وهو اسم شخصيته في العمل الذي يحمل الاسم ذاته، وتمت اذاعته على اذاعة الشارقة، يجيء هذا العام بدور «بارود»، في «مكان في القلب» على «دبي الأولى»، في وقت ذروة المشاهدة، وهو بعد المغرب، وتحديدأً، عقب بث الجزء الـ11 من مسلسل «شعبية الكرتون».

وبالفعل يجمع العمل الذي يخرجه باسم شعبو، الأسرة الإماراتية على موعد عنوانه كوميديا الموقف، وخفة الظل الفطرية، التي يتمتع بها بطله، الذي رسخ حضوره باعتباره أهم فنان إماراتي كوميدي، لدرجة أن معظم أعماله، أضحت تُكتب خصيصاً له.

وعلى الرغم من أننا لانزال في منتصف حلقات العمل، تقريباً، إلا أننا نستطيع القول إن النيادي ونغموش قدما العديد من الأسماء الشابة، التي وجدت لها مكاناً ومساحة جيدة، في «مكان في القلب»، بل إن بعضها مثل ياسر النيادي، يمثل العمل بالنسبة له مفترق طرق، نظراً لمحورية الدور وحجم المشاهد التي يظهر فيها، قياساً بأعماله السابقة.

واذا كان ياسر النيادي استفاد بوجوده في هذا العمل الذي يجمعه بقامات فنية مخضرمة، مثل نغموش وأحمد الأنصاري، وغيرهم، وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على الممثل الشاب سالم النعيمي، فإن هناك وجوهاً أخرى قدمت تنويعاً في أدوارها الدرامية السابقة، خصوصاً جاسم الخراز، الذي أجاد حتى الآن في دور الشاب الرومانسي مرهف الحس، الذي يعيش قصة حب حالمة، أما موسى البقيش، فحافظ على المسحة الكوميدية التي عُرفت عنه في معظم أدواره، ولكن بشخصية جديدة، وأدوات أكثر نضجأً، من تلك التي ظهر عليها في الأعمال السابقة، خصوصاً، «عجيب غريب»، التي كان دوره فيها يسير على وتيرة واحدة، ودون تنويع أو تطوير في أداء الشخصية.

ويدير سلطان النيادي دفة المحتوى الدرامي «كتابياً»، بذكاء شديد، مازجاً بين الاجتماعي والكوميدي، ليقدم لنا صورة واقعية من مجتمع الثمانينات، وما شهده من تمهيد لطفرة حضارية وعمرانية شاملة، وتأثير ذلك على العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، من خلال أسرة «بارود»، المتزوج من زوجتين، إحداهما مصرية، يعيشان في منزل واحد، لكن على خلاف ما يتبادر للذهن، فإن علاقة ود تربط بين المرأتين، لحد يجعلهما تتحدان أحيانأً ضد الزوح «بارود»، لكن في كل الأحوال لا يبقى هذا المنعطف هو المحرك الحقيقي للأحداث، الذي يجذب المشاهد على نحو ساحر، لمتابعة الأحداث، وكأنها يوميات، يعايش دقائقها.

ويبدو الانسجام بين الممثلين والأطقم الفنية عموماً من جهة، والمخرج باسم شعبو، وايضاً سلطان النيادي، باعتباره مشرفأً عامأً على العمل من جهة أخرى، واضحاً من خلال الأريحية التي يمكن أن تصل المشاهد بسبب الدقة في اختيار مواقع التصوير والديكور، فضلاً عن تلقائية الأداء التمثيلي، وكأن حالة من «الانسجام» المتكامل تسري بين أوصال العناصر المجتمعة في «مكان في القلب»، وهو انسجام ينسحب أيضاً على سائر الممثلين، سواء الإماراتيين مثل هدى الغانم التي تلعب دور الزوجة الإماراتية لبارود، وصوغة ورانيا العلي وسعيد السعدي وعادل عبده حمرا أو المصرية نشوى مصطفى، وهي الزوجة الثانية لبارود، أو السعوديين نيرمين محسن ومحمد الطويان وريماس منصور، والعماني سعود الدرمكي، وغيرهم.

الأكثر مشاركة