336 صفحة تروي تاريخ الحلاقة في غزة

مازالت معالم الحياة القديمة على مر العصور والأزمنة الماضية باقية في مدينة غزة إلى يومنا هذا، فيما يحتفظ كبار السن في ذاكرتهم بحكايات توثقها عبر شهادات حية لشخصيات عاصروا الحقب الزمنية، ليشتم كل من يسمعها ويقرأ سطورها عبق التاريخ وأصالته.

آلات قديمة

تطرق الكتاب إلى الأدوات التي كان الحلاقون يستخدمونها قديماً، مثل «الموس»، و«الآلة اليدوية»، وحقيبة التطهير الخاصة بالختان.

ومن بين الصور التي عرضها كتاب الموسوعة التاريخية لمهنة الحلاقة في غزة، صور لموس الحلاقة القديم، والآلة اليدوية المصنوعة من المعدن، التي استمر العمل بها حتى عام 1985، إلى حين البدء باستخدام الآلات الكهربائية.

ويوضح بكير أن «الموس» كان يتكون من شفرة حادة ثابتة، يتم سنها بواسطة قشاط خاص.

وتوقف الحلاقون عن استخدام هذا الموس، الذي يشكّل خطراً على الصحة، لإمكانية نقل العدوى من خلاله، عام 1980، واستبدلوه بموس يتيح تغيير الشفرات لكل زبون.

ولا تقتصر تلك الحكايات والذكريات على تاريخ الحضارات، والمعالم الأثرية، بل تشمل المهن القديمة المتوارثة بواسطة الأجيال المتلاحقة، حيث يروي كتاب صدر حديثاً في غزة تاريخ مهنة الحلاقة في غزة عبر حقب بعيدة.

ويحتوي الكتاب الذي أعده الحلاق محمد بكير على معلومات وصور توثق تاريخ مهنة الحلاقة وأصلها، كما يتطرق إلى مراحل وأشكال تطورها. ويتكون كتاب «الموسوعة التاريخية لمهنة الحلاقة وحلاقي مدينة غزة» من 336 صفحة، ويضم نحو 700 صورة، بعضها يرجع لبدايات القرن الماضي، حيث تعرض صوراً لحلاقي مدينة غزة القديمة، بالإضافة إلى المعدات التي كانوا يستخدمونها سابقاً. ويقول بكير صاحب صالون حلاقة وسط مدينة غزة لـ«الإمارات اليوم»: «إن كتاب الموسوعة التاريخية هو أول إصدار من نوعه، يتطرق إلى مهنة الحلاقة، وبفعل تجذرها في مجتمعنا، وعراقتها، فقد أعددت جزءاً أولاً للكتاب، وأشرف الآن على إصدار الثاني، ليكون كتاباً متكاملاً يفي المهنة وحلاقيها حقهم، حيث يوثق بين صفحاته أسماء كبار الحلاقين القدامى والحاليين».

ويوضح بكير في كتابه، أن مجال عمل الحلاق في بداية القرن الماضي، كان واسعاً، ولم يقتصر فقط على تزيين الرجال، بل كان يقدم خدمات صحية، كختان الأطفال الذكور، وخلع الأسنان، بالإضافة إلى تقديم الوصفات الطبية التقليدية، وتطهير الجروح، وتجبير الكسور.

ويقول الكاتب الحلاق، إن الحلاقين، في بداية القرن الماضي، لم يكونوا ينتشرون داخل الأحياء، ولا يمتلكون صالونات خاصة بهم، بل يتجمعون في مناطق حيوية وسط مدينة غزة، كما كانت معداتهم تقتصر على «كرسي»، ومرآة، وحقيبة الحلاقة. ويضيف «كان على الزبائن من مختلف مناطق المدينة، التوجه إلى (شارع فهمي بك) التاريخي، والمناطق القريبة منه، بغرض قضاء حاجاتهم من التزيين أو التطبب».

ويشير بكير إلى إن أجرة الحلاقين في بداية القرن الماضي، لم تكن نقوداً، بل بضائع بسيطة، مثل البيض أو البرتقال أو الطعام المصنوع في المنازل، قبل أن يتطور الأمر ويصبح الدفع نقدياً.

وأورد الكتاب أعداد الحلاقين في غزة، التي لم تتجاوز الـ 45 حلاقاً قبل عام 1945، حينما كان عدد السكان 32 ألف نسمة.

وارتفع عدد الحلاقين في غزة عقب نكبة عام 1948، بفعل موجات اللاجئين الذين قدموا إلى غزة، والذين بلغت أعدادهم أضعاف سكان القطاع الأصليين.

ويوثق كتاب مهنة الحلاقة في غزة شهادات 10 من كبار الحلاقين، الذين مازالوا على قيد الحياة، وسبق أن عملوا في هذه المهنة، ببدايات ومنتصف القرن الماضي.

وسلط الضوء في كتابه على مراحل تطور مهنة الحلاقة، الذي بدأت تشهده مدينة غزة بعد عام 1975، حيث افتتح بعض الحلاقين صالونات جديدة، ومع مرور الوقت بدأ انتشار الحلاقين في الأحياء، بعد أن كانوا يتمركزون في مناطق وسط المدينة.

وبعد عام 1987 اتسع تطور مهنة الحلاقة في غزة بشكل كبير تزامناً مع اندلاع الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية (1987-1994)، وذلك بسبب منع الاحتلال للشباب بالعمل داخلها، وارتفاع نسبة البطالة، فلجأ البعض إلى تعلم هذه المهنة، وفتح صالونات خاصة في أحيائهم وحاراتهم، لكسب الرزق.

الأكثر مشاركة