عبدالله الظهوري.. قاطف الشهد من «الأعالي»
من بوابة الهواية، لا التجارة، بدأ جني العسل البري من الأعالي، حيث رؤوس الجبال والكهوف البعيدة، حتى اكتسب في المجتمع تسمية النحال أو العسال عبدالله أحمد سعيد الظهوري.
وقال عبدالله الظهوري (48 عاماً)، إن «خروجي من منزلي باتجاه الجبال بحثاً عن خلايا النحل كان في وقت مبكر من العمر هواية، وليس لتحقيق مكاسب مالية؛ فالعسل الأصلي الذي كنت أحصل عليه يكون لسد حاجة أسرتي، ونصيب منه للأقارب والأصدقاء، وما يزيد على ذلك يمكن عرضه للبيع».
رحلة
حقوق متعارف عليها من بين التقاليد المتعارف عليها في مهنة النحال؛ الحرص على حقوق الآخرين في الخلايا البرية. ويوضح الظهوري أنه «إذا عثر أحد النحالين على خلية، وأخذ ما فيها من العسل، فإنه يضع علامة عليها، ليفهم النحالون الآخرون أنها محجوزة، وبالتالي لا يقتربون منها مطلقاً، بينما يتردد صاحب الخلية عليها من حين إلى آخر لتفقدها، وعندما يحين وقت قطافها». |
وبحسب عبدالله الذي يسكن منطقة الظهوريين في إمارة رأس الخيمة، فإن رحلة البحث عن العسل تكون وفق مسار معين، إذ يخرج النحال قاصداً كهوف الجبال قبل شروق الشمس؛ لأن الطقس وقتئذ يكون بارداً والنحل هادئاً في خليته، مشيراً إلى أن الأدوات التي يحملها النحال معه لتساعده على جني العسل تتكون من عصا جريد النخل، ووعاء يضع فيه الخلية وسكين ومقص، وأحياناً مدخنة لطرد النحل من الخلايا، وأثناء الاقتراب من الخلية لبدء عملية جني العسل ينبغي على النحال أخذ الحيطة والحذر في مواجهة النحل الذي ما من شك في أنه يمتاز بشراسة الدفاع عن خليته؛ لذا من الضروري ارتداء الملابس التي تغطي الجسم ولف الوجه بالغترة لتجنب لسعات النحل التي تنطوي على عواقب صحية سيئة.
وأضاف الظهوري لـ«الإمارات اليوم» عن رحلة جني النحل من أعالي الجبال: «نظراً لأن النحل يتخذ من الكهوف ورؤوس الجبال مقراً آمناً له، فإن الطريق الذي يسلكه النحال إلى الخلية يكون وعراً ومرهقاً؛ بيد أن تلك المشقة سرعان ما تكون راحة عند رؤية الخلية التي تعد الهدف المهم في رحلة البحث عن العسل؛ لذا ينبغي التعامل مع الخلية بكل هدوء تجنباً لإثارة النحل الذي بداخلها، وأثناء ذلك نشرع في تفحص الخلية جيداً بهدف التأكد من جاهزيتها للقطف، ويتم ذلك عبر مشاهدة فتحات الخلية التي نسميها (القفير) بالعسل». وتابع: «خلال عملية الجني نضع عصا من جريد النخل وسط الخلية لتكون فاصلاً بين الجزء العلوي للخلية، وهو الذي يحوي العسل، وبين الجزء الأسفل الذي فيه النحل، ومن ثم نفصل الخلية بواسطة السكين إلى نصفين؛ فنأخذ الجزء العلوي، وهو المهم بالنسبة إلينا؛ لأن فيه العسل، ونضعه في الاناء، بينما نترك النصف الآخر من الخلية مع عصا النخيل، وهو يحوي نسبة من العسل ليكون غذاء للنحل، سواء في الكهف أو نقوم بتعليقه في أحد أفرع الأشجار بالنحو الذي يمكن النحل من العودة إليه وبناء خلية جديدة نستفيد منها في الموسم الجديد».
بين السدر والسمر
ويصنف العسل البري الذي يصنعه النحل من شجر السدر والأعشاب واحداً من أفضل الأنواع، وفق الظهوري، ويباع العسل البري في الأسواق بأسعار مرتفعة تصل أحياناً إلى 1000 درهم للزجاجة، وإن بدت بعض الأصناف غير متوافرة الآن نتيجة للظروف المناخية السائدة في السنوات الأخيرة، إذ تبدو الأمطار شحيحة؛ ما أفقد البيئة السدر والأعشاب، بينما لاتزال أشجار السمر متوافرة في الساحة الجبلية، وتشكل الملاذ الأبرز للنحل، إذ تلجأ إليها للحصول على الغذاء وبناء خلاياها «ولذلك، فان أغلب عبوات العسل التي نراها في الأسواق حالياً هي من السمر، وإن حاول البعض أن يجعلها من السدر».
وأكد الظهوري أن ممارسة جني العسل من البيئة من صميم تراثنا الأصيل، ومن العادات والتقاليد العريقة التي تناقلها الأهالي وتوارثوها، والتزموا بالمحافظة عليها ولاتزال باقية، وإن ابتعد جيل الشباب عن مهنة البحث عن العسل البري بسبب انشغال كثيرين بالوظائف؛ ما يتعارض مع مهنة النحال التي تتطلب التفرغ وتحمل صعاب البحث عن الخلايا حتى يتمكن المرء من تحقيق المكاسب التي يطمح إليها؛ فهو قد يقضي يوماً كاملاً من أجل الحصول على خلية نحل واحدة.
ممارسات دخيلة
ونبه الظهوري إلى أن تجارة العسل، تسربت إليها ممارسات الغش والتدليس نتيجة دخول عناصر غير أمينة عليها، داعياً إلى معرفة طرق فحص العسل الطبيعي لتحديد جودته من المغشوش، وهي طرق بسيطة وسهلة، على حد تعبيره، موضحاً أنه «يمكن الاستدلال على جودة العسل الطبيعي من خلال اللون والمظهر والرائحة والطعم والخطوط الباهتة لقلم بعد غمسه في العسل وإشعال عود ثقاب غمس في العسل، وأيضاً من علامات العسل النقي تكوره عندما يوضع على ورق الترشيح أو قطعة القماش، وعدم تجمده عند وضعه في فريزر الثلاجة والانسياب لمدة طويلة دون انقطاع في حال دلقه من العبوة».