قناة دبي المائية..الحكاية أكبر مـن شريان فيروزي

دبي - مزيج السعادة والماء والعمارة والخير - على موعد اليوم مع شريان فيروزي جديد، يصل الأمس باليوم، والأزرق الشاسع (خليجنا العربي) بالأزرق الصغير (الخور)، وكأن المدينة تقول إن في كل حيز جزء من بحرنا وتراثنا وأصالتنا وبصمتنا للمستقبل التي لا تشبه سواها.

ابن جميرا وأم سقيم: القلوب المحبة دائماً مائية

ابن جميرا، وربيب أم سقيم في دبي، القاص إبراهيم مبارك، يتغنّى دوماً بالأزرق، وبالموج، والماء: «منذ الأزل وهذا الماء يعطي الخير والسعادة والحب». يرى في كتابه «سواحل البحر» الماء إرث «الآباء والأجداد ومسيرة طويلة سجل تاريخها الرمل والبحر. أهلنا المحبون الأوائل علمونا كيف نخلص للماء وكائناته».

ويضيف مبارك: «القلوب المحبة دائماً مائية، شفافة هي الألوان الجميلة. سكان الشواطئ المائية من بحر ونهر يعلمهم هذا العظيم الإبحار عميقاً خلف الدرر والمجهول»، معتبراً البحر سيد الكلمات: «نحن مصلوبون على شيء يُسمى الماء، فهو حياتنا وإرثنا ومستقبلنا، لذلك فإننا ننظر إلى هذا البحر من خلال ذلك الشراع الأبيض، الذي يقطن عباب الماء، أو من خلال مجداف يغازل الموج. هذه هي الرئة التي نتنفس بها، وهو الحب الكبير لنا، من خلاله نشعر أن الماء يحرسنا، وأن المستقبل يسكن خلف الموج الكبير، وهو الكنز الذي لا يتغير».

عن «نهر دبي»

عما يعتبره «نهر دبي» وبشره، تدور حكايا كتاب «خور دبي»، لمحمد سلطان العويس، الذي ينبش في الذاكرة عن وجوه مرتبطة بالخور، حيث كان دكان الوالد والعم، وأرشيف غني بالصور التي توثق فصلاً من الماضي، حيث الأسواق العتيقة، ورائحة زعانف سمك القرش المجففة، وغيرها كثير. لكن البطل هو الخور.

- القناة احتفاء بذلك «الأزرق»، وحنين للتاريخ والسواحل، فمحطة البدايات هي جميرا شهدت على انطلاق الآباء والأجداد إلى مغاصات اللؤلؤ، وكذلك على حكايا الصيد والمالح.

- محطات وكيلومترات جديدة، تراهن على مزيد من السعادة (الثلاثية الأبعاد ربما)، وكذلك البهجة والجمال والألق الفيروزي بمجداف عصري، ينتمي إلى شجر الماضي العريق.

تتخطى القناة المائية، دور الزينة أو الديكور المتدفق بين ضفتين، فللماء دلالات بلا حصر، ومتعة تتجاوز الحواس.. دهشة تضرب بعيداً في الروح، فالكآبة لا تطال القريبين من الماء.

ليس منصفاً اختصار حكاية القناة المائية في مجرد تحدٍ ومشروع سياحي، فدبي لا تنقصها الوجهات، ولا الاستراحات الجمالية، ولا متنزهات بكل الأطياف.. بل ثمة مدينة تجدّد قصتها مع الماء، إذ إن فصولاً من سيرة دبي مكتوبة على الماء، وقناتها الجديدة إعادة سرد.. واحتفاء جديد بذلك الأزرق، وحنين للتاريخ والسواحل، فمحطة البدايات هي جميرا، التي شهدت على انطلاقة الآباء والأجداد إلى مغاصات اللؤلؤ، وكذلك على حكايا الصيد والمالح.. ومحطة الختام هي الخور، والضفاف التي تحتضن هي الأخرى الجذور: برّدبي والشندغة وديرة.. العَبرات والبوم والسفن التقليدية المحمّلة ببشر وبضائع من هنا وهناك.. وما بين «المنبع» و«المصب» في القناة المائية الجديدة، ثمة محطات وكيلومترات، تراهن على مزيد من السعادة (الثلاثية الأبعاد ربما)، وكذلك البهجة والجمال والألق الفيروزي بمجداف عصري، ينتمي إلى شجر الماضي العريق.

تيار الماء المتدفق في القناة الجديدة يخط فصلاً جديداً من سيرة المدينة، تتحدث فيها دبي عن ماضيها وحاضرها، وعينها التي ترنو إلى المستقبل السعيد، تتذكر نهمات الأجداد الذين غاصوا بحثاً عن اللؤلؤ وخيرات البحر والرزق.

دلالات

تتخطى القناة المائية، دور الزينة أو الديكور المتدفق بين ضفتين، فللماء دلالات بلا حصر، ومتعة تتجاوز الحواس.. دهشة تضرب بعيداً في الروح، وقديماً نصحوا المؤرّق بالنظر إلى الماء الجاري، و«إلقاء همومه في البحر»، وقالوا إن الكآبة لا تطال القريبين من الماء.

ويحفل كتاب «لغز الماء في الأندلس» بدلالات الماء وثقافته، مصدر الحياة على الأرض كلها، وزينة ذلك «الفردوس»، وكذلك هندسته التي «ملأت الأندلس بقصور كأحلام الخيال، بعيدة نوعاً ما عن المفهوم الأصلي».

يتحدث مؤلف الكتاب الإسباني - المغربي شريف عبدالرحمن جاه، عن أفكار جمالية وشاعرية، وحتى ساعات مائية تباهى بها الأندلسيون، و«نحو سنة 1204م، ألّف مهندس مسلم كتاب معرفة الحيل الهندسية، هذا العالم يُسمى بديع الزمان إسماعيل بن الرزاز الجزري، وفي كتابه الذي عرف بعض الانتشار، يصف ساعة ضخمة تعمل بالزئبق، تقترن باسطرلاب لتشير إلى الـ24 ساعة في اليوم. بل على ما يبدو، كانت هناك حتى آليات بمكملات شعرية، فعندما تصل الساعة إلى التمام، كانت تخرج من الجهاز قطعة شعرية تقرأ أمام القصر المبتهج تشير مجازاً إلى الساعة التي تحددها». ففي رحاب الماء تولد الاختراعات الكبرى، وتسير نهضة في جميع المجالات.

الجمال الجاري

ينطلق الكتاب الذي صدر عن مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي، ونقلته إلى العربية المترجمة المغربية زينب بنياية، من الوظيفة الاجتماعية والحياتية للماء ليصل إلى الجمال الجاري، وما يعكسه بشكل خاص في الأندلس، فثمة أنهار وقناطر وقنوات وشبكات مياه في كل حيز، حتى استحالت الفضاءات جميعها إلى رياض وجنان على الأرض.

ويصل المؤلف إلى ما نتغياه هنا؛ وهو «جمالية البعد الرابع»، وما وراء انطباع الحواس، ما يمنحه الماء جمالياً للأبصار، لوحات رقراقة مترامية، وكذلك موسيقى يعزفها تيار ممتد يتهادى بين بعض المعالم المتفرّدة.

ويعدّد شريف عبدالرحمن جاه بعض جماليات الماء، في ما يخص الحالة الأندلسية: «مشاهدة الماء في الطبيعة أو بين جدران منزل كان يعني ذكراً دائماً لله، الذي وهب هذه النعمة الثمينة للبشر. إذ ليس هناك ما هو أكثر مدعاة للأسف من بركة فارغة أو نبع جاف. إن الماء ليس فقط - كما كان دائماً ومازال - السائل الضروري لحياة الكائن البشري، بل سيصبح في الزخرفة الإسلامية عنصراً تزيينياً متعدد الأغراض. عنصر أساسي لخلق فضاءات متوهمة، يعكس الفضاء إلى أبعد مما هو تماماً ثلاثي البعد - يدرج الطبيعة الحية والمتحركة داخل الأطر المعمارية المغلقة التي ستتحوّل إلى حدائق - على غرار جسم سماوي غير مضيء بذاته يساعد على إضاءة العالم الصغير الذي يندرج فيه، بعكس الضوء الذي يستقبله وتسليطه على المحيط بأكمله. إيقاعه الصوتي الذي لا يضاهيه أي صوت آخر، ينقل تلك الموسيقى إلى كل المحيط، مع انطباع مريح وهادئ. انكسار وانعكاس أشعة الشمس عندما تقطع ذلك الجسم السائل، التي تعكس من خلال قوس الألوان السبعة للطيف المضيء كاستباق عابر للجنة، يظهر قوس السماء أو قوس قزح».

لا تنتهي الجماليات، فثمة إضافات أخرى للماء بحسب أشكاله وتصاميمه: «فتارة يكون شلالاً مندفعاً، وتارة أخرى ماء منبجساً يرتفع بقوة نحو السماء ليسقط مرة أخرى، على شكل قطع.. وفي معظم الأحيان يكون سطحاً أملس وشفافاً لا تكدره إلا دوائر موجاته المتراكزة عندما تحركها الريح أو حين تضطرب إثر السقوط».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة