الشاي المغربي ترحاب وضيافة وكؤوس ملوّنة
«الأتاي».. مع كل رشفة حكاية
على أنغام الموسيقى وبين زوايا أروقة فعالية «المغرب في أبوظبي»، هناك قسم خاص لرواية الحكايات المغربية القديمة، فعلى كرسيه يجلس متربعاً العم راشد عثماني، ليروي لزوار الفعالية حكايات مغربية أصيلة نحتها الزمان في ذاكرته العامرة بالمغامرات، فمع كل كأس من الشاي يصب إليك قصة عاصرها هو أو أحد أجداده المشهورين بصنع الشاي المغربي.
«الأتاي»، كما يسميه المغاربة، هو الشاي الأخضر، ليس مجرد شاي تحتسيه على عجل، فمع كل رشفة تسافر إلى بلد الحكايات والجمال، إلى بلد امتزجت به العراقة والأصالة، لتشكل خليطاً من التراث المعاصر، هكذا قال العم راشد عثماني، وأضاف أن له مكانة خاصة، ليس فقط في موائد الطعام، وإنما في دواوين الشعراء والأدباء، الذين أفرد كثير منهم لهذا المشروب العجيب قصائد شعرية وزجلاً ومتوناً لم تترك صغيرة ولا كبيرة عنه إلا وأبرزتها، فمعه تتجمع العوائل، وتقام المناسبات، ويؤنس المسافر في رحلته. وكشف العم راشد أنه يمكن تمييز الشاي المغربي المعد بشكل جيد من رائحته، كالنعناع أو السالمية، العطرشة، الصوفي، العبدي والشيبة، وغيرها من الأعشاب الطبية والعطرية التي يضيفها المغاربة إلى «حبوب أتاي» كخصوصية محلية دوائية وذوقية، لافتاً إلى أنه حتى بالنعناع نفسه تجد 50 نوعاً بين مدينة وأخرى، لذلك تتنوع خلطات «أتاي» التي يعترف الجميع بجانبها الصحي.
وأوضح أن الشاي المغربي يعتبر رمزاً للترحاب وحسن الضيافة، وأنه أول ما يقدم للضيوف، إذ لا يمكن أن تدخل بيتاً سواء كان أهله فقراء أو أغنياء إلا وسارعوا إلى إحضار صينية الشاي، فيعتبر من قلة الذوق أن يحل بالبيت ضيف ويذهب إلى حال سبيله من دون أن يتناول كأساً من الشاي، لافتاً إلى أنه يشرب ساخناً للدلالة على حرارة الاستقبال ودفء المودة. وتتنوع طرق إعداده من منطقة إلى أخرى، وللشاي طقوس مغربية جميلة، فعند قدوم الضيف يشرع بإعداد الشاي على مهل في جلسة تسامر فيقلب الشاي ويطهى على نار هادئة ويصب في الكؤوس بطريقة فريدة، إذ يرفع صباب الشاي البراد عالياً فيصدر صوتاً أشبه ما يكون بالسمفونية الكلاسيكية في آذاننا كمغاربة، يرفع البراد غاية الحصول على رغوة فوق سطح كوب الشاي تسمى «الرزة» أي العمامة، وهي دليل على أن مشروب الشاي فاخر وناجح، فيسكب للشارب نصف كأس من الشاي، فمن قلة الذوق أن تملأ الكأس عن آخره، لما لذلك من إيحاء من صاحب الدعوة أن الضيف ثقيل أو غير مرحب به فتملأ له الكأس ليشرب ويغادر بسرعة، عكس المرحب به، تسكب له نص كأس تلو كأس تلو كأس دلالة على الاستئناس بوجوده.
وأوضح أن ما يميز الشاي المغربي عن الشاي العادي هو الأواني التي يقدم ويصنع بها الشاي، والتي تعود بشكل رئيس إلى سبب انتشار الشاي في المغرب، فعلى مدى قرنين من الزمن أي منذ القرن الـ19 برع أصحاب المهن في صنع الأدوات المستعملة لتحضيره وتقديمه، كالصينية والبراد المصنوعين من معدن الفضة الخالصة، أو من معدن مشابه له، والخاصية المشتركة بينهما هي اللمعان، كما أن الصينية تكون مزينة بنقوش يدوية، وكذلك الشأن بالنسبة «للبراد»، الذي يتخذ شكلاً فريداً لا نجده في أي بلد آخر، وتعد مدينة فاس المنبع الرئيس لأدوات الشاي، حيث حافظ الحرفيون على هذه الصناعة التقليدية التي تحمل بصمة أندلسية، تدل على البذخ والفخامة. وأضاف «تُرافق الصينية والبراد أدوات أخرى يطلق عليها (الربايع)، وهي ثلاث علب من المعدن نفسه، تكون مخصصة للشاي والسكر والنعناع المقراج، وهو غلاي الماء والبابور أو الكانون، وفي بعض الأحيان الطاس أو المغسل لغسل اليدين».
وبالنسبة لكؤوس الشاي، فتلك حكاية أخرى لا تقل سِحراً وجماليةً، كونها مزخرفة وملونة وتصف فوق الصينية بعدد لا يقل عن خمس كؤوس، حتى وإن كان الضيف شخصاً واحداً، إذ من غير اللائق أن يوضع عدد محدود من الكؤوس في الصينية، موضحاً أن المغاربة يطلقون أسماء معينة على هذه الكؤوس، مثل كأس «حياتي»، وهي كأس صغيرة الحجم من الزجاج الشفاف، للاستعمال اليومي، أما كأس «البلار» فهي كأس ملونة غالية الثمن تستعمل في المناسبات، وهذه ما نستخدمها الآن في فعالية «المغرب في أبوظبي».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news