الأطفال بمواجهة آبائهم: «غوغل» لا يكذب
يضحك إسماعيل البارودي ويتذكرعندما وقف ابنه، وعمره تسع سنوات، وقال له: «(غوغل) أذكى منك ويعرف أكثر منك». وقال إسماعيل «بعد أن سمعت ما قاله ابني أدركت أننا كآباء علينا أن نجيب عن كل تساؤلات أبنائنا مهما كانت محرجة، فالأمور تغيرت والتعاطي مع جيل التكنولوجيا ليس بالأمر السهل»، وعن السؤال الذي لم يُجب عنه، أوضح أنه السؤال التقليدي من جميع الأبناء «عن طريقة إنجاب أبنائهم».
هذه حكاية من آلاف القصص المشابهة في علاقة الأطفال مع الأهل الذين أصبحوا اليوم في منافسة حقيقية مع الوسائل التقنية، وتحديداً «غوغل» الذي يجيب عن جميع الاسئلة التي تشغل بال الأطفال.
ميثة (أم علي)، وهي أم لثلاثة أطفال، أكبرهم تسع سنوات وأصغرهم خمس سنوات، تقول: «أعاني كثيراً من الرد على أسئلتهم وأعاني أكثر عندما يقدمون إجاباتهم عن السؤال الذي أعترض عليه من (غوغل)، وكأنهم يتحدونني، ويقولون لي إنهم ليسوا بحاجة إلى أجوبتي».
وتؤكد «يتعلم أبنائي في مدارس أجنبية، وأسئلتهم تكون بالإنجليزية، لذلك الردود عليها عبر محرك البحث (غوغل) يكون عبر مواقع غربية، فيها الكثير مما يخالف عاداتنا وتقاليدنا وطريقة تربيتنا لهم».
ويقول عزت هاشمي من العراق: «أحاول أن أتحدث لأبنائي دائماً عن تاريخ العراق وحضارته، لكن اعتماد أولادي على (غوغل) كمصدر بحث يزرع لديهم الكثير من الأفكار والمعلومات الخاطئة»، موضحاً «عندما يقرر أبنائي البحث عن صور للعراق، على سبيل المثال، فغالبية الصور تعرض فقط الموت والخراب، في الوقت الذي أحاول فيه أنا جاهداً أن أقدم لهم صورة إيجابية عن البلد، وكان من الصعب جداً إقناعهم بأن هذا ليس حقيقياً، لأنه للأسف حقيقي».
وأكد فادي غازي، وهو أب لثلاثة أطفال، أن «التوعية وبناء الثقة بيني وبين ابني الكبير تحديداً، الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات، هي أساس طريقة بحثه عن أية معلومة»، موضحاً «أطلب منه دائماً مراجعتي بأية معلومة قد تسبب تشكيكاً في مبادئنا وقيمنا، ومناقشتها معه».
«أسئلة الأطفال الكثيرة تكون صعبة في بعض الأحيان، وخجلنا من الاجابة بشكل صحيح ومنطقي يعرّضهم للبحث في منافذ أخرى لإثراء فضولهم الذي لا ينتهي»، هذا ما قالته (أم نهلة)، وهي مطلقة وتعيش ابنتها معها «ابنتي عمرها 10 سنوات، ومنذ طلاقي من بضعة اشهر وهي تسألني ما معنى كلمة طلاق؟»، وتضيف «كنت أجيبها إجابات عامة، ولا أذكر الأسباب، إلى أن جاء اليوم الذي وقفت فيه أمامي منهالة عليّ بسيل من الأسئلة، بعد أن بحثت في (غوغل) عن أسباب الطلاق، هل خنتِ أبي، هل أهملتِ بواجباتك الزوجية، وغيرها من الأسئلة المحرجة، ولم أستطع أن أقول لها إن والدك طلّقني بسبب امرأة أخرى سيتزوجها قريباً».
خليفة السويدي: 3 أنواع من الآباء.. وأنا من الثالث
الصنف الأول: الذين يقررون تجاهل السؤال هروباً من الاجابة، خصوصاً اذا كانت محرجة أو لعدم امتلاكهم المعلومات الوافية، واذا أراد الطفل أن يكرر سؤاله، وهذا يحدث غالباً، يتخذ الآباء أسلوب وضع القيود، مثل «لا تسأل هذا السؤال مرة ثانية»، واذا ما تكرر فضول الطفل تكون العقوبة حاضرة، والنتيجة أن الطفل سيبحث عن الاجابات من مصادر أخرى، مؤكداً أن هذا الصنف هم النسبة الأكبر في مجتمعاتنا العربية، لأنهم لا يريدون أن يظهروا أنهم جاهلون في المعلومة أو محرجون منها. وينصح السويدي هذه الفئة من الآباء باستخدام جمل محببة وفيها عاطفة، مثل أنا مشغول حالياً سأجيبك لاحقاً، وتكون هذه المدة كافية لإعطاء الأب أو الأم فرصة للبحث عن أجوبة لأسئلة أطفالهم، من خلال بحثهم الخاص أو استشارة مختصين، وما الى ذلك، كي يجيبوا الطفل الذي يلعب الفضول لديه العامل الأساسي في تكوين أسئلته، خصوصاً أن جيل الأطفال الحالي هم جيل التكنولوجيا. وانتقل السويدي للصنف الثاني من الآباء الذين وصفهم بالأكثر خطورة، موضحاً «هذا الصنف الذي لا يقبل أن يظهر بشكل غير العارف، وليس لديه مانع أن يجيب أطفاله بمعلومات خاطئة، فهو يريد أن يظل قدوة لهم، لذلك يكون التخبط بالنسبة للطفل الذي عادة يكون ملماً بالإجابة بشكلها البسيط ويريد توسعاً فيها، لذلك يكشف جهل والديه، ويلجأ الى مصادر أخرى، ما يؤدي الى زعزعة ثقته بكل معلومة تصدر من والديه». ونصح السويدي هذا النوع من الآباء «ابتعدوا عن الارتجالية، وكونوا الى جانب أبنائكم في البحث عن الأجوبة، بأن تفتحوا حواراً معهم، على سبيل المثال، كي تعرفوا المعلومات التي لديهم، وتناقشوها بحكمة».
وختم السويدي حديثه بوصف الصنف الثالث من الآباء «هم نوع الآباء الذين يدركون أن الأبناء في هذه الفترة سيطرحون الكثير من الأسئلة، لذلك يتعاملون مع المسألة بالمبادرة من قبلهم»، موضحاً «يجذبون أبناءهم الى حديث يراد منه بناء شخصيتهم، وبث ما يعتقدون أنه مناسب لتربيتهم، من خلال حكايات وقصص، لذلك سيجد الطفل نفسه محاطاً بمعلومات كثيرة لا يحتاج الى البحث عنها من مصادر أخرى، واذا ما تعارضت يوماً ما المعلومة التي أراد الآباء ايصالها الى ابنائهم مع معلومة وجدوها مصادفة في موقع ما، لن تكون العاقبة مثل عاقبة الصنفين السابقين، لأن الطفل سيدرك أن والديه يريدان أن يتربى على قيم ومبادئ وحقائق محددة تتماشى مع دينهم ومجتمعهم». وعن تجربته الخاصة مع أبنائه، أكد السويدي «أعتقد أنني من الصنف الثالث، فقد كنت حريصاً على بث المعلومات بشكل مهني وموضوعي لأبنائي، لذلك لم أواجه مشكلة تساؤلاتهم، لأنني كنت دائماً المبادر بضخ المعلومة عن طريق آيات قرآنية، وقصص الأوائل، أو أشعار وقصائد أو روايات، آخذ منها الأجمل والذي يحمل حكمة تزيد الابن قوة وإقداماً على مواجهة الحياة».