أشرف على تدريبي بداية الثمانينات.. وزوّدني بكتب صقلت موهبتي

محمد كاظم: حسن شريف أستاذي وصديق العمر

صورة

عبر سنوات من العمل الجاد في الفن المفاهيمي، تمكن الفنان محمد كاظم، من تحقيق مكانة راسخة له بين أبناء جيله، من خلال البحث المستمر في المادة والحركة، وعبر استخدامه للوسائط المتعددة. يتميز أسلوب كاظم الفني في التعمق بالمادة التي يعمل عليها وتجريدها من الشكل المألوف لتأخذ شكلاً جديداً ومختلفاً، بحيث تصبح الأخيرة ذات معنى مبتكر ومتجدد لديه. ويعتبر الفنان محمد كاظم أن «الفضل في المكانة التي حققها في اتخاذ هذا النمط من الفن، يعود إلى الفنان الراحل حسن شريف، الذي تتلمذ على يديه، ودعمه ومكّنه من تكوين ثقافة فنية قادته للوصول إلى هذا المستوى من الفهم العميق للفن، وكذلك الأسلوب الفريد في التقديم».


استعاد محمد كاظم في حديثه مع «الإمارات اليوم»، اللقاء الأول مع حسن شريف، وقال: «كان اللقاء الأول الذي جمعني به في عام 1984، وكان عمري 14 سنة، حينها ذهبت إلى مقر جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة، في يوم السبت، وأذكر أن حسن شريف كان جالساً في مكتبه، وسألني عن سبب زيارتي، وأجبت أنني أريد أن أتعلم الرسم، وطلب مني الانتظار، ومنذ تلك اللحظة بدأت علاقتي به، التي يمكن وصفها بالعلاقة المتينة، وعلى الرغم من ابتعادي عنه في فترات بسبب السفر، فإننا بقينا على تواصل، وبقيت بجانبه حتى يوم وفاته».

• «أدهشني في شريف فكره ودقته في العمل، إلى جانب فلسفته في الفن، فهو لم يغرق في اللوحة التقليدية، كما أنه لا يتكلم عن اللوحة التقليدية بأسلوب كلاسيكي».

• «رغم صغر سني، شعرت بأنه أصيل من داخله، فقد لعب دور المؤسسة بذاته، وكان لديه أسلوب خاص بالتدريس، كما أنه يحترم الموهبة ويأخذها على محمل الجد».

• رغم فارق السن بيني وبينه، الذي يصل إلى 20 سنة، فإن صداقتنا استمرت حتى وفاته، ومازال يحضر في بالي وبشكل يومي.

• لم يكن حسن شريف مؤثراً في البيئة فحسب، بل أيضاً في الناس بالغرب، وهذا التأثير ليس من السهل التخلي عنه.

• 14 عاماً كان عمري عند ذهبت زرت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة وكان حسن شريف جالساً في مكتبه.

• 1984 كان اللقاء الأول الذي جمعني بحسن شريف.

وأضاف كاظم: «أدهشني في شريف فكره ودقته في العمل، إلى جانب فلسفته في الفن، فهو لم يغرق في اللوحة التقليدية، كما أنه لا يتكلم عن اللوحة التقليدية بأسلوب كلاسيكي، وتعلمت منه كل ذلك منذ كنت في سن 14 عاماً». وأشار الى وجود شعراء وكتّاب مهمين أثروا فيه أيضاً، حيث شهدت فترتي السبعينات والثمانينات ثورة شعرية أيضاً، مشيراً إلى أن «هؤلاء الأشخاص المؤثرين لم يؤثروا فيه فقط، بل في تجربة الآخرين أيضاً».

وأكد كاظم أن «حسن شريف أشرف على تدريبه في الدورات الخاصة بالرسم في بداية الثمانينات، كما كان يزوّده بالكتب، وهذه المرحلة تعدّ بداية التعليم»، منوّها بأن «شريف كان يقدم المحاضرات، وكان يعطيه الكتب الموجودة لديه»، موضحاً أنه «أشرف على معرضه الأول الذي أقيم في الثمانينات، وحينها طلب منه الاهتمام بتوثيق الأعمال وجمعها في أرشيف واحد، حيث بدأ يوثق أعماله من خلال كاميرا صغيرة، ومازال يحتفظ بـ(النيجاتيف)، والشرائح الخاصة بالصور إلى اليوم».

حول الطريقة التي كان يقدم فيها شريف الفن، أكد كاظم أنه «كان يعمل بجد على إلقاء المحاضرات عن الفن المفاهيمي، إلى جانب الدراسات، علماً بأن المجتمع الإماراتي كان رافضاً لهذا الفن في وقتها، وكان يواجه بهجوم عنيف، ولكنه كان صارماً». وأردف قائلاً: «شعرت بالمعاناة التي يعانيها، ولكن رغم صغر سني، شعرت بأنه أصيل من داخله، فقد لعب دور المؤسسة بذاته، إذ كان لديه أسلوب خاص بالتدريس، كما أنه يحترم الموهبة ويأخذها على محمل الجد، لدرجة أنه حين شعر باهتمامي بلوحة من لوحاته منحني العمل، إلى جانب الملف الكبير الذي كان بحوزته، الذي سلمني إياه في فترة لاحقة، فلم يكن مهيمناً، أو يطالب بأسلوب معين». وأكد كاظم أن «اهتمام شريف بالتوثيق، كان يطال كل الصعد، إذ كان يدوّن النقاش اليومي، ويوثق كلام الجلسات الخاصة، وهذا النوع من التدريس هو دراسة روحية ووجدانية، وهناك توجد حوارات وأمور كثيرة يتم تطبيقها، وكلها تترك أثرها بلا شك في العمل الفني».

رأى كاظم أن «شريف لم يكن فناناً عادياً، بل شبّهه بالفيلسوف»، مشيراً إلى أنه «عندما كان يطرح أي فكرة كان يرشده لمراجعتها، وهذا النوع من الإرشاد غير التقليدي، هو الذي يقود إلى التميز». ولفت إلى أنه «بعد سنوات من الصداقة والعمل، سلمه في عام 1999 المرسم كي يشرف عليه، وبعدها كان يخبره عن التجارب ذات الأهمية، حتى يسلط الضوء عليها في كتاباته ويقدم لها الدعم». وشدد كاظم على أنه «على الرغم من كون فرق العمر بينه وبين شريف يصل إلى 20 سنة، فإنه لا يمكن الحديث عن فروقات، فهو شخص نوعي جداً، وجمعتهما صداقة نوعية ومميزة استمرت حتى وفاته، حيث كانا يتحدثان عن الموسيقى، والفن»، معتبراً أن «الشخص الداعم تكون له أهمية قصوى في حياة الفنان، وكيف حينما يكون هذا الشخص كشريف، الذي تنازل عن كثير من الأمور في حياته من أجل الفن، ومواكبة الجديد».

على الرغم من رحيله يرى كاظم أن «الحضور الروحي لشريف مازال موجوداً، وفي كل الأمكنة، فهناك كثير من المؤسسات الإعلامية التي تهتم اليوم بتوثيق أعمال حسن شريف، ودوره الاجتماعي بشكل أساسي، إذ كان هذا المرسم الشغل الشاغل له، وكان ينتظرنا كل يوم كي ننجز أعمالنا، فالتعليم كان غائباً، وعمل شريف بمساندة بعض الفنانين على سد الفجوة».

على الصعيد الشخصي، شدد كاظم على أن «الصداقة التي جمعته بحسن شريف، كانت تتداخل مع العمل الفني والتعليم، فهو كان قريباً جداً منه، وصورته مازالت موجودة في خياله بشكل يومي، ولن تغيب، لكنها قد تخفت مع الوقت بعد رحيله». وأوضح أن «تأثيره الشخصي والمعنوي كان كبيراً أيضاً، فكان دائماً يقول لكل فنان (ثق بتجربتك)، لأنه يرى أنه من الضروري الدفاع عن النفس، علماً أنه تركني أدافع عن نفسي في بعض الأحيان، فهو لم يكن مؤثراً في البيئة فحسب، بل أيضاً في الناس بالغرب، وهذا التأثير ليس سهلاً التخلي عنه، فأحياناً يتأثر المرء بعائلته، ولكن هذا التأثر ليس اختياراً، بينما حين يختار المرء من يؤثر فيه، تكون أهمية الشخص كبيرة، لاسيما أن حسن شريف كانت رؤيته بعيدة المدى وشديدة العمق، وكان لديه إشكالية الفجوة حتى مع الفنان الآخر».

تويتر