خاضت الحياة بحلوها ومرّها رغم الإعاقة
سناء سعيد: جدّتي آمنة صنعت حياتي
يحظى ذوو الإعاقة في الإمارات برعاية خاصة واهتمام كبير، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة، بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، كفئة منتجة تسهم في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وتولي الدولة اهتماماً لذوي الإعاقة من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعد هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف. وقد استطاع عدد كبير من المعاقين في الإمارات تحقيق إنجازات كبيرة على جميع المستويات، واستطاعوا متسلحين بالإرادة والأمل والصبر تحويل الإعاقة إلى سبب ودافع لإنجاز قصص نجاح مهمة ولافتة ومبهرة وملهمة. هذه الصفحة الأسبوعية تسلط الضوء على «إرادة» انتصرت.
بعد ولادة سناء سعيد بشهرين، أصيبت بالحمى التي كانت السبب وراء إعاقتها الحركية، وبعد أن أصبح عمرها أربع سنوات، فقدت والدتها، لتنتقل الى حضن جدتها التي تعتبرها المحفز الأساسي في تحديها للإعاقة، وهي التي صنعت منها سيدة قوية على هذا النحو.
سناء، التي تؤكد أن إعاقتها لم تشكل أي عائق في مسيرتها، خاضت كل معتركات الحياة بحلوها ومرّها، فهي الابنة والحفيدة والعاملة والزوجة والأم، وفي كل مرحلة من مراحل حياتها كانت تدرك أن ثمة قوة كامنة في داخلها، أقوى من شللها، تحفزها نحو التميز والعطاء.
فقدان الحضن
إعاقة سناء سعيد لم تشكل أي عائق في مسيرتها، خاضت كل معتركات الحياة... وفي كل مرحلة من مراحل حياتها كانت تدرك أن ثمة قوة كامنة في داخلها، أقوى من شللها. • «جدّتي لم تشعرني بأنني معاقة يوماً، وأشعرتني بقيمتي منذ الصغر حتى أصبحت أماً». • «تعززت ثقتنا بأنفسنا أكثر، وبتنا نلمس أننا جزء فعال في بناء الوطن الذي نحب». |
«بعد ولادتي بشهرين تقريباً مرضت بالحمى، وبسبب تشخيص خاطئ أصبت بالإعاقة الحركية»، هذا ما قالته سناء عن بداية تعايشها مع إعاقتها، وأضافت «حباني الله بذلك الابتلاء منذ نعومة أظفاري، وابتلائي الثاني كان عندما توفيت أمي وأنا بعمر الأربع سنوات، هذا العمر تحديداً الذي يبدأ الطفل فيه بشكل واعٍ صنع ذكرياته مع أمه»، مؤكدة «تلك الفترة مهمة جداً في حياة كل طفل، فما بالكم بطفل من ذوي الإعاقة، ففقدان الأم بالنسبة لي في تلك الفترة المبكرة من حياتي، كان سيأخذ مجرى مختلفاً لولا وقوف جدتي كالسد المنيع لأي عاصفة قد تؤثر فيّ تحديداً وفي إخوتي، فعشت بكنف أبي الطيب وفِي بيت جدتي أنا وإخوتي، لنبدأ جميعاً فترة انتقال مهمة في حياتنا، كان عمادها جدتي آمنة رحمها الله».
جدتي آمنة
جدة سناء التي لا تعرف الكتابة والقراءة، كانت بالنسبة لها هي المعلم الرئيس في الحياة، ومن الطبيعي، حسب سناء، أن تكون جدتها حاضرة في كل ما ستقوله «فجدتي آمنة لها الدور الأهم والأبرز في تكوين وخلق الإرادة في داخلي كي أتحدى الإعاقة، وكانت تحثني على مواصلة المحاولة والسعي والتغلب على كل الصعاب في الحياة»، موضحة «جدتي كثيراً ما سعت دون كلل أو ملل لعلاجي واعادة الحياة لقدمي، لم تترك باباً من الأمل إلا وطرقته، فقامت بتسفيري للخارج وفعل كل شيء لعلاجي، رغم أنها لا تجيد القراءة والكتابة، ولكنها تحمل ثقافة ومفاهيم مجتمعنا الذي اعتاد على تحدي وكسر الصعاب ومواكبة تطورات الحياة، لتجعل منا جيلاً يحمل الروح والإرادة والمفاهيم نفسها».
وأضافت بعزة وكبرياء «رغم كل شيء سعت جدتي بكل جهد لتخلق مني سيدة بمعنى الكلمة، فلم تشعرني بأنني من ذوي الإعاقة يوماً، وكانت تعلمني فنون إدارة المنزل من كل الجوانب، أشعرتني بقيمتي منذ الصغر حتى أصبحت أماً»، مؤكدة «دخلت المدرسة وبعمر 12 متأخرة عن باقي أقراني، ولكن لأنني أشبه جدتي آمنة قررت التميز والنجاح، رغم كل المعوقات في ذلك الوقت وصعوبة حركتي في المدرسة».
وقالت، وفي صوتها رجفة الحزن: «توفيت جدتي قبل ثلاث سنوات، ومنذ وفاتها وأنا أشعر بالتخبط والضياع، فحين وصلني الخبر كان كالصاعقة، وشعرت وقتها بمرارة الفقدان، فالعمود الذي كنت أرتكز عليه حين لا أقف على قدميّ قد رحل».
بناء الثقة
تكمل سناء تجربتها مع تحدي الإعاقة، وتقول: «عندما أصبح عمري 17 عاماً توفي والدي الطيب جداً»، وأضافت «كانت تلك الفترة من أصعب المراحل التي مرت على حياتي وعلى أيامي، لكن وكعادتها وقفت جدتي الى جانبنا، وشدت من أزرنا، كي نستطيع سوياً تجاوز هذه المحنة».
وقالت: «كانت تلك المرحلة بالنسبة لي هي إعادة بناء الثقة بقدراتي، فقد واصلت جدتي مسيرتها معي ومع إخوتي في تربيتنا، وتحملت الكثير لأجلنا ولأجلي خصوصاً»، مؤكدة «وفي مرحلة العشرينات من عمري كان نادي الثقة لذوي الإعاقة يبدأ في الظهور، وكنت من أوائل المنتسبين اليه، ومارست فيه لعبة تنس الطاولة ورفع الأثقال، لكن في ذلك الوقت لم تكن علاقتنا مع نظرة المجتمع إلينا كما هي في تطورها الذي نلمسه حالياً، لذلك الاهتمام بنا وبرياضاتنا كان محدوداً على عكس ما نشهده حالياً»، مؤكدة «تعززت ثقتنا بأنفسنا أكثر، وبتنا نلمس أننا جزء فعال في بناء الوطن الذي نحب».
سناء الأم
قررت سناء التفرغ بشكل كامل لبناء أسرتها، وتحملت لأجل أبنائها الثلاثة (ولدان وبنت)، كل الصعاب، خصوصاً أنها قامت بتربيتهم وحدها، وقررت أن تمارس هوايتها الأحب الى قلبها، وهي الحياكة اليدوية، «بعد أن جربت العمل في الوظائف الحكومية، حيث إنني عملت في البداية موظفة بدالة بهيئة الجمارك، وتطورت بسعي وجهد لتطوير ذاتي وقدراتي بالعمل حتى وصلت لدرجة عالية»، مؤكدة «من خلال مثابرتي واجتهادي كان الهدف أن أثبت لنفسي أولاً وبعدها للآخرين، أن الإعاقة ليست عائقاً لتطوير الذات والتميز، بل هي مفهوم حقيقي وعملي للإرادة في الحياة والعمل».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news