«مسارات إبداعية».. 25 فناناً يحتفون بالتفاعل الإنساني
تجسيداً لمفهوم الفن العابر للثقافات، وحدود المكان والزمان، وتأثير مصادر الإلهام المشتركة بين فنانين من جنسيات وبلدان مختلفة، يأتي المعرض الثاني لمقتنيات جوجنهايم أبوظبي الفنية، الذي يفتتح مساء اليوم، تحت عنوان «تفاعل، تشكيل، تواجد: مسارات إبداعية»، في منارة السعديات بأبوظبي، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبتنظيم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ليجمع 25 فناناً معاصراً من مختلف الجنسيات والفترات الزمنية، يشتركون معاً في استخدامهم التفاعل والتشكيل والوجود البشري في أعمالهم الفنية، بما يلقي الضوء على العلاقات المتداخلة بين الفنانين الذين يعملون في أماكن مختلفة من العالم منذ ستينات القرن الـ20.
يركز المعرض الذي يستمر حتى 29 يوليو المقبل، على ثلاث ثيمات رئيسة، هي: التفاعل، والتشكيل، والتواجد، ليبدأ بالأعمال التي تندرج تحت ثيمة التفاعل، وهي أعمال تنتمي إلى أشكال عدة تعكس الزمان والمكان، وتعمل كوثائقيات وسجلات لتلك الأماكن والفترات الزمنية، أو كوسيلة لإيجاد أشكال منفصلة، وتعطي هذه الأعمال أمثلة على الممارسات الحية التي يتكون منها العمل الفني، والتي تبرز من خلال الرسومات واللوحات والمنحوتات وأعمال الفيديو والصور الفوتوغرافية، وكان لفناني الإمارات نصيب بارز من معروضات ثيمة «التفاعل»، فتضمن المعرض أعمالاً للفنان حسن شريف، منها صور فوتوغرافية توثق مسيرته وأعماله التي أبدعها ما بين دبي ولندن خلال فترة الثمانينات، مثل سلسلة «أعمال الأداء»، وسلسلة «الأشياء»، التي تتكون من مواد جاهزة وصناعية مثل جوز الهند، والأقمشة، والأسلاك، والورق المقوى، والحقائب البلاستيكية، حيث ينسج شريف هذه الأشياء ويحولها إلى أشكال ثلاثية الأبعاد، ليزيل عن عمد جميع الرموز المتعلقة بهذه الأشكال، معتبراً أن لتحويلها إلى قطعة فنية، لابد من إلغاء وظيفتها الأساسية. ويوجد الفنان محمد كاظم في المعرض من خلال عمله «اتجاهات 2002»، الذي انتقل فيه إلى إمارة الفجيرة، لموقعها المطل على بحر العرب، وقام بتحميل ألواح خشبية تضم إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي، والتاريخ والوقت «جي بي إس» على متن قارب، وبعد أن ابتعد عن الشاطئ مسافة كافية، ألقى الألواح الخشبية في المياه، ويتكون العمل النهائي من مقطع فيديو قصير وستة ألواح، وأربع صور للفنان وهو يلقي الألواح في المياه، ويوثقها وهي تطفو. وتضمن المعرض عمل «سيرة ذاتية» للفنانة ابتسام عبدالعزيز.
أما محور «التشكيل» فيضم عدداً من الأعمال، من أبرزها عمل «وطني الأحمر – 2003» للفنان الهندي أنيش كابور، وهو عمل تشكيلي يتكون من نحو 25 طناً من الشمع الأحمر، وترتبط به ذراع آلية تدور على السطح عبر المجسم، ويمثل اللون مصدر إلهام للفنان في أعماله بشكل عام، حيث يحمل الكثير من الرموز التي ترتبط بالجسد والعادات والتقاليد والشعائر الدينية، حيث يعد من الألوان المقدسة في بعض الديانات. كما يضم هذا القسم أعمالاً للفنانين رشيد أرايين، وخوليو لو بارك، ونيكي دي سانت فال، وجين تنغويلي، وجونثير أوكير، وجاك فيلجلي، والتي تستكشف صناعة المواد المستخدمة يومياً، واستخدام الفنيات الأدائية.
ويبرز قسم «تواجد» تأثير الوجود الإنساني في العمل الفني، عبر مجموعة من الأعمال، تبرز تأثيرات الفنانين أو أشخاص آخرين، والآثار المرئية للممارسات الفعلية التي تشكل لهم مصادر للإلهام. ويتجسد هذا المفهوم في لوحات لفنانين أعضاء في جمعية غوتاي الفنية (1954-1972)، ومن معروضات هذا القسم أعمال مجموعة «غوتاي الفنية» اليابانية، التي عمدت إلى استكشاف نماذج فنية جديدة تجمع بين الأداء والرسم والبيئات التفاعلية، واعتمد فنانوها في رسم لوحاتهم على أساليب مختلفة، مثل صب الألوان على اللوحة، أو تمزيق قماش (الكانفاس)، أو ضغط الجسم على السطح، ما يكشف عن العمل الإبداعي الإيمائي، ويشير إلى الوجود المادي في العمل، ومن أعمال فناني «غوتاي» ضم المعرض لوحة لشيراجا كازو، بعنوان «أنثى نمر مجسدة من نجم ترابي الظل»، و«الأخضر الأحمر» لموتوناجا سداماسا، إضافة إلى عمل آخر لتاناكو اتسكو. كما يندرج تحت هذا القسم عمل الفنانة الإماراتية ابتسام عبدالعزيز «سيرة ذاتية»، الذي يتكون من 40 صورة فوتوغرافية وفيديو، تعكس ممارساتها في الفضاءات الفنية في الشارقة، وتختبر العلاقات الأكثر تعقيداً بين الهويات المجتمعية والشخصية، إضافة إلى أعمال الفيديو التي قدمتها كل من الفنانة سوزان حيفونة، التي تتخذ من فنون الأداء والموسيقى مصدر إلهام لها.
وتحت عنوان «يوم سعيد آخر 2016-2017» يأخذ الفنانون حسام رحمانيان ورامين حائري زاده وركني حائري زاده، زوار المعرض في رحلة من الأداء الفني والمسرحي والإبداعي، ويحفزون المشاهد على التفاعل مع الأعمال الفنية، ضمن العمل التركيبي الذي كلفتهم به هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في إطار التزام متحف جوجنهايم أبوظبي بدعم إبداعات الفنانين المعاصرين. كذلك الأمر بالنسبة لعمل الفنان طارق الغصين، الذي تم تكليفه في 2010 بالتقاط سلسلة من الصور الفوتوغرافية لمتحف جوجنهايم أبوظبي، تركز على موقع المتحف وعمليات البناء، ويضم المعرض مجموعة صور فوتوغرافية للفنان، تقدم مقاربات بين الماضي والحاضر والمستقبل في عصرنا. وأوضح مدير عام هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، سعيد سيف غباش، في المؤتمر الصحافي الذي عقد صباح أمس، وأعقبته جولة لوسائل الإعلام في المعرض، أن «مسارات إبداعية» يقدم رؤية عابرة للثقافات، تعيد إبراز العديد من ملامح الفن المعاصر، عبر ربط التداخلات المشتركة لإبداعات الفنانين من مختلف أرجاء العالم منذ ستينات القرن الماضي. وتكشف الأعمال المعروضة مصادر الإلهام المشتركة، والإسهامات الفنية الاستثنائية، والممارسات الفريدة في تاريخ الفن المعاصر. لافتاً إلى أن المعرض يقدم أيضاً عملين من أعمال التكليف التي تؤكد التزام جوجنهايم أبوظبي بدعم الإبداعات الجديدة للفنانين المعاصرين، وبذلك فهو لا يعرض فقط أعمالاً تعكس أفكار المقتنيات الدائمة للمتحف، وإنما يسهم في وضع الأساسات الراسخة لمؤسسة ثقافية تقدم مجموعة متكاملة من الأدوات التي تساعد أجيال المستقبل على تطوير مجتمع من الفنانين قادر على الوصول إلى مختلف أشكال التعبير الفني.
وأوضح مدير متحف مؤسسة «سولومون آر جوجنهايم» ريتشارد أرمسترونغ، أن المعرض يسلط الضوء على التداخلات الفنية التي تربط مختلف أوجه الفنون بقوة الإبداعات الإنسانية، كما يعكس المعرض المفاهيم المشتركة للضروريات الأساسية المطلوبة لإحداث التغيير العالمي، الأمر الذي يعتبر في موقع القلب من مشروع متحف جوجنهايم أبوظبي.
رحلة بين الموسيقى والصورة
الموسيقى أيضاً كانت مصدر إلهام عمل الفنان الألباني أنري سالا، الذي يعد من الأعمال اللافتة في المعرض، وتم تخصيص قاعة منفردة له، ويحمل عنوان «Ravel Ravel Unravel»، وهو فيديو مكون من ثلاثة أجزاء، يستخدم الرؤية والصوت لتقديم موضوعات تتعلق بالتبادل والازدواجية والتفسير والإيضاح، ويستخدم الفنان فيه مفهوم التورية من خلال الدمج بين كلمتي «غموض» وإيضاح، والحل والالتباس والتشابك، إضافة إلى هذه المعاني، يشير العنوان أيضاً إلى اسم المؤلف موريس رافيل، ويخلق العمل حالة من الغموض وهو يتابع فيديو ليدين تعزفان وكأنهما تتسابقان، والحقيقة أنها اليد اليسرى للعازف، واضطر إلى أن يعزف اللحن مرتين بيده اليسرى، نظراً لأنه فقد اليمنى في الحرب العالمية الثانية.