يمني: دمج الإيقاع الخليجي مع «الجاز» مغامرة محسوبة
للوهلة الأولى؛ يبدو الدمج بين موسيقى الجاز من جهة والإيقاعات الخليجية من جهة أخرى مغامرة غير مأمونة؛ لكنها بالنسبة للملحن وعازف البيانو، طارق يمني، فكرة ليست غريبة، بل هي مشروع استطاع بالفعل العمل عليه لينجز «لوحات من الإيقاعات الخليجية والجاز»؛ وهو عنوان العمل الفني الذي أنجزه بتكليف حصري من «مهرجان أبوظبي» ضمن مبادرة «منبر التأليف والتوثيق الموسيقي»، ومن المقرر أن يقدم العرض الموسيقي الأول للعمل ضمن «سلسلة حفـلات مهرجان أبوظبي للعزف المنفرد» خلال الشهر الجاري.
سيرة موسيقية حظي طارق يمني، الذي ولد ونشأ في العاصمة اللبنانية بيروت، ثم انتقل للعيش في نيويورك عام 2011، بإشادة واسعة من النقاد لموسيقاه المفعمة بالشعر والصوفية، حيث يسعى من خلال فرقته «أفرو طرب» إلى إلغاء الحدود الفاصلة بين ثقافتين وإرثين موسيقيين مختلفين. وبعد فوزه بجائزة «ثيلونيوس مونك» عام 2010، تمت دعوة يمني للمشاركة في حفل افتتاح «اليوم العالمي للجاز» الذي أقيم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك عام 2012، وشهد إعلان موسيقى الجاز لغةً عالمية من قبل منظمة اليونسكو والموسيقار هيربي هانكوك. وكان يمني قد بدأ مسيرته المهنية مع فرقة الهيب هوب اللبنانية «عكس السير»، إلى جانب تأليف مقطوعات للعروض المسرحية الموسيقية مع كل من المخرجة السويدية الشهيرة إيفا بيرغمان والمخرج اللبناني عمر راجح. وانخرط يمني في أنماط موسيقية متنوعة. - الجمهور العربي متعطش لسماع موسيقى جديدة، بعد أن شعر بالملل من الركاكة. - يجب أن يلعب منظمو الفعاليات والمهرجانات الفنية دوراً في تقديم ألوان جديدة من الموسيقى والفنون. |
طارق يمني قال لـ«الإمارات اليوم» إن فكرة الدمج بين الإيقاعات الخليجية وموسيقى الجاز ليست غريبة نظرياً، ولكنها لا تخطر على البال بسهولة، وتعتبر مغامرة محسوبة، فالموسيقى بشكل عام هي لغة واحدة، ودائماً هناك نقاط التقاء بينها، لافتاً إلى أن نقطة الالتقاء بين الاثنتين هي العنصر الإفريقي؛ فموسيقى الجاز، مثل أنواع أخرى من الموسيقى التي تعرف بـ«الإفرو-أميركية»، مثل البلوز والسامبا والديسكو، كلها ذات جذور إفريقية، كذلك تأثرت موسيقى منطقة الخليج بأنواع أخرى من الموسيقى كالهندية والإيرانية، ولكنها كانت أكثر تأثراً بالإيقاعات الإفريقية نتيجة للتواصل بين أهل شبه الجزيرة والساحل الإفريقي عبر البحر الأحمر، ومع الوقت صار هناك اختلاط ودمج بين الموسيقى الإفريقية والخليجية.
وقال يمني إن مشروع الدمج بين الإيقاعات العربية والجاز يراوده هو وصديقه العازف خالد ياسين منذ ما يقرب من أربع سنوات، واحتاج إلى وقت حتى يرى النور، لأنه مشروع كبير ومتشعب يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة، كما كان غياب الدعم عاملاً أساسياً في تأجيل تنفيذه، حتى وفرت له مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون الدعم اللازم ليقدم هذا العمل.
وأضاف «تربيت على الموسيقى العربية بمختلف أنواعها، ومن بينها الخليجية، وعندما تعرفت الى موسيقى الجاز كان تأثيرها عليّ أكبر، وقررت أن اترك كل شيء وأدرسها، وبعد ان تعمقت في الجاز وإيقاعاته، وجدت لديّ الفضول لاعادة استكشاف التراث الكلاسيكي العريق للموسيقى العربية من خلال مواءمتها مع ألحان وإيقاعات موسيقى الجاز».
ويوضح يمني أنه انتهى من تسجيل عمل «لوحات من الإيقاعات الخليجية والجاز»، ويحضر حالياً لطباعة الألبوم الذي سيضم ثماني مقطوعات، ويحمل عنوان «بينني سولار»، لافتاً إلى أن مرحلة البحث والدراسة كانت هي الأطول بين مراحل تجهيز العمل، فاستغرقت سنة ونصف السنة تقريباً، وتنقّل خلالها لبحث الموسيقى الخليجية في منطقة شبه الجزيرة العربية، خصوصاً السعودية واليمن، إلى أن تم اختيار ثمانية إيقاعات وجدها مناسبة للدمج. أما المرحلة الثانية فتمثلت في تأليف الألحان التي سيتضمنها الألبوم، وبعدها تم التسجيل. كما أشار إلى ان الألبوم يضم أغنية واحدة هي «القرب نسنس» وهي من التراث اليمني من تأليف أبوبكر العيدروس، وهو متصوف عاش في القرن السادس عشر وتوفي عام 1508م، وهي من أكثر الأغاني التي أثرت فيه، موضحاً أن الفنان عادل عبدالله سيقوم بغنائها في الألبوم.
وحول تعاونه مع مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومهرجان أبوظبي؛ أشار يمني إلى أن إدارة المهرجان اختارته ضمن برنامج التكليف الحصري، وتناقشت معه حول العمل الذي يمكن ان يقدمه، فوجد في هذا التعاون فرصة مناسبة وتوقيتاً مثالياً لتنفيذ مشروع إعادة استكشاف الإيقاعات الخليجية ومواءمتها مع الجاز، والذي يأتي ضمن مشروع أشمل باستكشاف منابع الموسيقى العربية عموماً وعلاقتها بالجاز، وهو مشروع غني جداً، وما تم تقديمه يمثل فقط بداية بسيطة، مشيراً إلى ان مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون تتميز بأن لديها رؤية طويلة الأمد، والبحث الدائم عن الاستثمار الفني في المستقبل، وليس الحاضر فقط. وقال طارق يمني إن الموسيقى التي يقدمها ليس لها جمهور معين، فهي تناسب مختلف الأعمار، على عكس أنواع أخرى.
وعن صعوبة الوصول للجمهور في ظل سيطرة الأغاني التجارية؛ عبر عن إيمانه بأن هناك دائماً مجالاً لتقديم أعمال مختلفة بفضل اختلاف الأذواق. ورغم أن هناك لوناً معيناً، رائجاً ومنتشراً، إلا أنه ليس هناك مجال للسيطرة الكاملة في الفن، معتبراً ان الجمهور العربي متعطش لسماع موسيقى جديدة، بعد ان شعر بالملل من الركاكة ومن الموسيقى العادية التي اعتاد عليها، وصار يبحث عن بديل لها، لكن المشكلة في عدم قدرة أصحاب المشروعات الفنية المختلفة من توصيل أعمالهم للجمهور ليجد فيها البديل الذي يبحث عنه. وأضاف: «المشكلة تكمن في الوصول إلى الناس، وهي ليست مسؤولية الفنان، لكن يجب ان يلعب منظمو الفعاليات والمهرجانات الفنية دوراً في تقديم ألوان جديدة من الموسيقى والفنون بشكل عام للجمهور، دون الخوف من المغامرة».