أكدوا ضرورة أن تقدم الدراما بضاعة مختلفة عن نشرات الأخبار
مختصون: الإرهابيـــون ليسوا كائنات فضائية
أجمع نقاد ومتخصصون بالفن على أنّ جعل العمل الفني الدرامي أداة للتغيير والتأثير كوظيفة أساسية له، أمر يُحمّل الفن فوق ما يحتمل، وأن الواقع الراهن يصلح أن يكون خلفية لدراما إنسانية قوية، لكن على صنّاع العمل أن يعوا تقديم ما لم يقدمه الإعلام، تحديداً في الموضوع الطاغي هذا العام على الدراما العربية، التي تتناول الإرهاب و«داعش» على وجه الخصوص. واستنكر بعضهم أن يرى مشهد اغتصاب طفل من قبل عنصر من عناصر «داعش» في مسلسل تلفزيوني، فمثل هذا المشهد، حسب رأيه، ينفّر من يراه ويجعله ينتقل إلى قناة أخرى، إضافة إلى الصورة النمطية التي تقدمها الدراما للإرهابيين، وتجسيدهم على أنهم كائنات فضائية، من عيون جاحظة وشعر طويل، وهي صورة غير حقيقية، فهم ليسوا كذلك، بل الخطورة كلها تكمن في أنهم باتوا يشبهون أناساً يعيشون بيننا، ومن الصعب الشك فيهم.
كان هذا موضوع سؤال توجهت به «الإمارات اليوم» لمجموعة من مختصي الدراما، تمحور حول قدرة الدراما العربية في رمضان على الإسهام في التغيير، وهل يجب أن يكون دورها توعوياً وسياسياً على حساب القيمة الفنية بخاصة في حضرة مواضيع يتم تناولها كل لحظة في الإعلام كـ«داعش» والاٍرهاب؟
ظهرت قضية الإرهاب هذا العام بأعمال درامية عديدة، مثل مسلسل «الجماعة»، و«غرابيب سود»، و«لأعلى سعر»، و«كان في كل زمان»، وغيرها، خصوصاً بعد أن بات هذا المصطلح هو المهدد الرئيس لأمن وسلامة العالم أجمع.
- جعلُ العمل الفني الدرامي أداة للتغيير والتأثير كوظيفة أساسية له أمر يُحمّل الفن فوق ما يحتمل «من الممكن تناول خطر الإرهاب بمشهد واحد مصنوع بشكل متكامل، ويكون تأثيره أكبر من عمل كامل قائم على الموضوع نفسه، ويمكن بسهولة أن تكون الدراما مكملة لما يتم تناوله في الإعلام، لكن يجب ألا تكون موجهة بشكل كامل إلى ثيمة مباشرة وفجة». ما تقوم به المسلسلات هو إعادة تدوير للمواد البصرية، التي نشرها «داعش»، مع محاولة إيجاد خلفية مُتخيلة، وتفاصيل لا تخرج في عمومها على الإطلاق عن المعلومات التي تقدمها نشرات الأخبار والتقارير والوثائقيات، ومثل هذه الأعمال لا يمكن وضعها في أي خانة إبداعية، أو تحميلها رسالة مؤثرة في المجتمع. - الصورة النمطية للإرهابيين، وتجسيدهم على أنهم كائنات فضائية، بعيون جاحظة وشعر طويل، صورة غير حقيقية. |
المخرج والكاتب الأردني رفقي عساف، أكد أنه دائماً ضد أن تنطلق الدراما من الموضوع، موضحاً «الواقع الراهن يصلح لأن يكون خلفية لدراما إنسانية قوية، لكن الدراما نفسها والصراعات الإنسانية الخارجية والنفسية الداخلية، يجب أن تكون هي المنطلق الأساسي، ويتم تناول الموضوع من خلالها كمحفز لهذه الدراما، ومحرك لها».
في المقابل، قالت الكاتبة والناقدة الفنية اليمنية هدى جعفر، إنه «من الصعب تحديد الخط الفاصل بين العمل الفني من جهة، والسياسة من جهة»، وأضافت أنّ «جعل العمل الفني أداة للتغيير والتأثير كوظيفة أساسية له، هو أمر يُحمّل الفن فوق ما يحتمل، ويُعلي من شأن معايير القضية السياسية/الاجتماعية على حساب معايير العمل الفني».
المعالجة
الكاتب والسيناريست محمد عبدالمعطي، مؤلف مسلسل «أرض جو»، الذي يعرض حالياً على قنوات عدة، قال إن «الدراما العربية قادرة على أن تسهم في التغيير، لكن على أن يكون ذلك بشكل غير مباشر»، موضحاً أن «طريقة معالجة القضايا درامياً هي التي تجذب وتنفر المتابعين، خصوصاً في الموضوعات الراهنة وعلى رأسها (داعش) والإرهاب»، وقال «يمكن بسهولة أن تكون الدراما مكملة لما يتم تناوله في الإعلام، لكن يجب ألا تكون موجهة بشكل كامل على ثيمة الموضوع نفسه، لأن في ذلك تنفيراً للمشاهد»، موضحاً مرة أخرى «من الممكن تناول خطر الإرهاب بمشهد واحد مصنوع بشكل متكامل، ويكون تأثيره أكبر من عمل كامل قائم على الموضوع نفسه». في المقابل، قالت جعفر «لقد سبق أن تمت معالجة قضايا الإرهاب في عدد من الأعمال السينمائية والدرامية في العالم العربي، وهي تجربة في مجملها، من وجهة نظري، غير ناجحة تحديداً بالنسبة لموضوع ما يُسمى بدولة الخلافة الإسلامية أو ما يُعرف بـ(داعش)، فالأمر يزداد صعوبة وفشلاً في آن»، موضحة «أنّ ما تقوم به المسلسلات هو إعادة تدوير للمواد البصرية التي نشرتها /تنشرها (داعش)، مع محاولة خلق خلفية مُتخيلة وتفاصيل لا تخرج في عمومها على الإطلاق عن المعلومات التي تقدمها نشرات الأخبار والتقارير والوثائقيات». بدوره قال الناقد الفني الإماراتي حمد الريامي، بانياً رأيه على مسلسل «غرابيب سود»، على سبيل المثال لا الحصر، «نحن نكره (الدواعش)، ونعرف أنهم قمة الإجرام، لكن كمسلسل ولأتابعه لمدة 30 يوماً، يجب أن تكون المعالجة أكثر ذكاء»، موضحاً «الشعور بأن (الدواعش) أناس مزروعون على الأرض، وليسوا جزءاً من المكون الاجتماعي بتصدير صورتهم على الشكل الذي بات سائداً، هذا شيء مرفوض، لأنه يغيّب الحقيقة، لأنهم ليسوا بهذا الشكل، بل الخطورة، إنهم باتوا يشبهون أي شخص نمر به في الطريق»، وقال «على الكاتب والمخرج أن يقدما القضية على الطاولة، دون إقحام لرأيهما الخاص، بل عدم المباشرة في إيصال رسالة هي الأكثر تأثيراً، لأن المشاهد المخيفة في المسلسل من الممكن أن تقلب المعادلة، وببساطة سيتم تغيير القناة».
لا جديد
عن الأسباب التي تقف خلف التخبط في إيصال الحكاية درامياً وتلامس العقل قبل القلب لتحفزه على التفكير، قالت جعفر «هي حداثة نشأة ما يُسمى بدولة الخلافة الإسلامية، أي لا يوجد أي تراكم زمنيّ يُتيح لصُنّاع المسلسل تحليل الظاهرة بما يليق بعالميتها وجسامتها»، وأضافت «هناك عدد من الأخطاء الفنية والإخراجية والمعلوماتية أيضاً، بجانب طبعاً عدم الوقوف على الأسباب الحقيقية لنشوء داعش، لأنّ ذلك يعني بصراحة مواجهة مباشرة مع عدد من الأفكار، وبالتالي انتفاء الهدف من صناعة هذه المسلسلات، فلا أسوأ من عدم تناول الظواهر الإرهابية إلا تناولها بخفة وسطحية».
واقترب من رأيها عساف، الذي قال «يجب التأكيد على أن يتم تناول الموضوع من خلال القضايا كمحفز لهذه الدراما ومحرك لها.. أما أن يكون الموضوع نفسه هو المنطلق والغاية، فالأولى برأيي صنع برنامج توعوي أو عمل وثائقي، بدلاً من عمل درامي ضخم لن يقدم جديداً».
فالمسلسلات، على حد تعبيره، «عبارة عن رسالة مفتوحة، والتوجيه بالغصب عن طريقة المشاهد القاسية لا يعطي الفرصة للتفكير، وإذا كان النص مباشراً فالبناء الدرامي له سيكون متخبطاً».
القدرة على التغيير
قال الفنان والناقد، الريامي «أنا كمشاهد إذا لم أر شيئاً مختلفاً عن ما أتابعه في الصحف أو على نشرات الأخبار، فلن أشعر بقدرة الدراما على التغيير»، وتابع «يجب أن يتم إظهار (الدواعش) على أنهم بشر من لحم ودم، بينهم الصلب وبينهم الضعيف، وبينهم حتى الكوميدي، ليعي المتلقي الخطورة ويوظف أدوات تنبهه»، مؤكداً «معالجة قضية الإرهاب في جل الأعمال الدرامية لم تحقق مبتغاها، لأن طريقة تقديمها فجة، ولا تعطي مساحة للعقل بأن يفكر، خصوصاً أن غالبية المشاهدين من العاطفيين الذي لن يتحمّلوا مشاهد عنيفة تكون أنيستهم في شهر رمضان المبارك».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news