سلوادي.. يجوب فلسطين عـــــلى كرسي متحرك لتوثيق تـراثها

في صباح كل يوم جديد يغادر المصور الفلسطيني أسامة سلوادي منزله بهمة ونشاط على كرسيه المتحرك، ليرسم صورة مشرقة للحياة من حوله، فرغم الجراح التي تنهك جسده منذ 11 عاماً، إلا أنه يحمل كاميراته ويتنقل بين زوايا وطنه بترابه ومائه وسهوله وجباله، ملتقطاً بعدسته صوراً يصعب على الشخص السليم التقاطها.

أسامة سلوادي (44 عاماً - من مدينة رام الله في الضفة الغربية)، يعمل مصوراً صحافياً منذ 28 عاماً، أصيب بالشلل النصفي إثر تلقيه رصاصة طائشة خلال أحداث الفلتان الأمني عام 2006، إلا أنها - رغم أنها جعلته قعيداً - لم تنل من إرادته وعزيمته، فلم يرفع الراية البيضاء، مكملاً مسيرته التي ترعرع على حبها، ليرصد ويوثق صوراً لحضارة شعبه ووطنه، وينقلها إلى العالم، عبر مشروع أطلقه بشكل شخصي، وأصدر من خلاله مجموعة من الكتب المصورة، حملت في ثناياها الكثير عن تراث فلسطين وجمالها.

بداية المشوار

يسرد المصور سلوادي لـ«الإمارات اليوم» بداية مشواره في مهنة التصوير الصحافي، التي استهلها مصوراً هاوياً بإمكانات فردية، مضيفاً: «عندما كنت في سن الـ16 بدأت أميل للعمل في التصوير الفوتوغرافي، وما جذبني لذلك حب الطبيعة والحياة الريفية الجميلة، وتزامن ذلك مع بدء الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، إذ انطلقت لرصد الأحداث والمواجهات بكاميرة صغيرة امتلكتها بمجهود شخصي، وفي البداية واجهت الكثير من الصعوبات والمخاطر التي يتعرض لها كل من يعمل في التصوير الصحافي في مناطق الصراعات‫، لكنني لم أستسلم لها».‬‬

ويضيف: «بعد أربعة أعوام من العمل المتواصل اكتسبت خبرة كافية لأخوض مشوار التصوير المهني، وكان ذلك في عام 1991 عندما عملت مع وكالة الصحافة الفرنسية، وبعد سنوات انتقلت للعمل مع وكالة رويترز العالمية للأنباء، لأواكب خلال ذلك أبرز محطات القضية الفلسطينية بدءاً من انتفاضة الحجارة، وقدوم السلطة الفلسطينية، مروراً بالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، إضافة إلى عمليات اجتياح المدن في الضفة الغربية، وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات».

ويشير سلوادي إلى أنه أسس في عام 2004 وكالة «أبولو»، وكانت أول وكالة تصوير فلسطينية وعربية تدار بأيادٍ عربية، إذ شملت التصوير والتحرير والتوزيع، كما كان هناك اتفاق مع وكالة «جاما» الفرنسية لتوزع صوره في قارتي أوروبا وأميركا الشمالية.

«زينة الكنعانيات»

عن كتاب «زينة الكنعانيات» يقول أسامة سلوادي: «تتضمن صفحات الكتاب البالغة 180 صفحة من القطع الكبير صوراً ملونة لنساء فلسطينيات وهن يرتدين الحلي، وأخرى لمجموعة من الحجب والتعويذات التي استخدمت في القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، واستعنت بمجموعة من الفتيات لتصويرهن وهن يرتدين الحلي، إضافة إلى أنني بحثت عن نساء مازلن يلبسن هذه الحلي والمجوهرات، ملتقطاً صوراً لهن».

• 28 عاماً هي مسيرة أسامة سلوادي مع الكاميرا وعشق تراث بلاده فلسطين.

• 10 كتب مصورة تحمل عناوين وقضايا متنوعة هي حصاد أسامة رغم الآلام.

يوم فارق

في السابع من شهر أكتوبر عام 2006، كان أسامة على موعد مع لحظة فارقة في حياته، فقد أصيب برصاصة طائشة خلال تغطيته لمسيرة في مدينة رام الله تنديداً بحالة الفلتان الأمني، ليصاب بشلل نصفي، ويفقد القدرة على الحركة، إلا أنها في الوقت ذاته غيرت بوصلة مشواره الصحافي بشكل جذري نحو الأفضل، على حد قوله.

ويتابع «بعد الإصابة طرأ تحول كبير على مجريات حياتي الشخصية والمهنية، فعقب خضوعي لتأهيل صحي على مدار شهور، انتقلت مباشرة لطريقة عمل مختلفة، يكون فيها الاعتماد على العقل أكثر من القدرات الجسدية، منتقلاً من ضجيج العمل الإخباري، إلى هدوء التوثيق وروية التفكير في قصص المجتمع، لأجعل من المخزون الذهني بوصلتي لتوثيق تراث فلسطين، وعادات شعبها، وطبيعتها الجميلة».

ويوضح أن إصابته لم تعقه عن تحقيق طموحه ومواصلة إنجازاته، مبيناً أن ثقته بنفسه كانت هي سر انتصاره، وضرورة للتقدم إلى الأمام، والتي من خلالها تجاوز كل المعيقات التي فرضت نفسها أمام طريقه عقب الإصابة التي تعرض لها.

تخصص

بعد عام من الإصابة تخصص أسامة في مجال توثيق التراث الفلسطيني، إذ صدرت له خلال تلك الفترة ضمن مشروع أطلقه لتحقيق هذه الغاية، نحو 10 كتب مصورة تحمل عناوين وقضايا متنوعة للعادات والتقاليد والمعالم الأثرية.

ويقول المصور الفلسطيني: «أصدرت مشروع التوثيق البصري للتراث الفلسطيني، لأن تراثنا هويتنا، ولأنني لاحظت أن الاحتلال بدأ يعبث ويسرق ما يحلو له من تراثنا المتنوع من أزياء ومأكولات وحجارة، لذلك أصدرت مجموعة كتب توثق الحياة اليومية الفلسطينية، وتحافظ على الموروث الحضاري لشعبنا وقضيته».

ويشير إلى أن مشروع توثيق التراث يتضمن 10 أجزاء، منها الأزياء الفلسطينية التقليدية، والتي جمعها في كتاب «ملكات الحرير»، والتراث المعماري الذي أصدره ضمن كتاب «بوح الحجارة»، وكذلك الزهور البرية التي جسدها كتاب «أرض الورد»، إضافة إلى كتاب «فلسطين.. كيف الحال»، و«الحصار».

كما أصدر العديد من المطبوعات عن الحلي والمجوهرات والمأكولات الفلسطينية، والمواسم التراثية، والحرف اليدوية، إلى جانب الطبيعة الفلسطينية، والألعاب الشعبية.

تحد

منح سلوادي قضايا المرأة الفلسطينية اهتماماً خاصاً في مشروع التوثيق البصري، فكتاب «ملكات الحرير» الذي يحتوي على 210 صفحات يجسد المرأة الفلسطينية بأنها ملكة، وهي ترتدي زيها التراثي.

وعن ذلك يقول: «إن المرأة عطاء وإبداع، وقد جعلتها في مشروعي توثيقاً فريداً من نوعه لأتحدى كل من يحاول إزالة كيان المرأة أو الاستهتار بها، أو الاستخفاف من قيمتها، وجعلها مرهونة بمناسبة ما، ولأجل ذلك أعمل حالياً على توثيق قصص وتجارب ناجحة لـ100 شخصية نسوية في مختلف القطاعات الحياتية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهذا يعد تغييراً من أجل الصورة والتصوير الفلسطيني».

ولم يقتصر اهتمام سلوداي بقضايا المرأة على كتاب واحد، فآخر عمل أصدره في إطار توثيق التراث في منتصف شهر أبريل الماضي، وهو كتاب زينة الكنعانيات تضمن أيضاً توثيقاً للحلي والمجوهرات والحجب والتمائم التي ترتديها الفلسطينية.

ويوضح المصور الفلسطيني: «كتاب زينة الكنعانيات أصدرته بعد ست سنوات من البحث والتصوير للحلي والمجوهرات والتعويذات الفلسطينية التقليدية، وزرت العديد من المتاحف الأثرية، للاطلاع على المقتنيات وتاريخها، إضافة إلى زيارة قرى فلسطينية عدة، كما التقيت مجموعة باحثين وأشخاص يحتفظون بمقتنيات قديمة من الحلي والفضيات التي ورثوها عن أجدادهم».

الأكثر مشاركة