بدأت رحلته في دبي على يد مدرب إماراتي

خليل الجديلي.. أول غواص فلسطيني مبتور الساقين

صورة

لا يوجد شخص في غزة يمكنه نسيان ما خلّفته الحروب الإسرائيلية المتتالية التي استهدفت كل مكونات الحياة فيها، ولا يمكن لأي مصاب إخفاء ما ألمّ به من إصابات جسدية، لذلك فإن حال من يعيش بلا ساقين أو أطراف هي حال لا يحتملها سوى من أراد تحقيق ذاته، وقهر إعاقته.

تلك هي قصة الشاب الفلسطيني خليل الجديلي الذي خرج عن المألوف، مجسداً مقولة «لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة».

في مشهد أقرب للخيال منه للحقيقة، يخلع خليل ساقيه الاصطناعيتين مع ساقَي سرواله، يضعهما على حافة البحر أو بركة السباحة، ثم يغوص في الماء بلا ساقين. وذلك ما صنع منه روحاً قوية وخلّاقة بتحديه للإعاقة وغوصه في أعماق البحار بحرية مطلقة، على الرغم من أنه مبتور الساقين، حتى غدا شخصية مشهورة على صفحات التواصل الاجتماعي، وداخل وطنه.

خليل الجديلي (24 عاماً) تخطى مصاعب الحياة بقوته وإرادته بعد فقده ساقيه، نتيجة تعرّض منزله للقصف الإسرائيلي خلال الحرب الإسرائيلية الأولى في السادس عشر من يناير عام 2009، ليصبح أول غواص مبتور القدمين في فلسطين والوطن العربي.

الجديلي، الذي يقطن في منزل بسيط في مخيم البريج وسط القطاع، وجد في رياضة الغوص ضالته، بعد أن استغل رحلة علاجه في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، لتكون أولى محطات الانطلاق نحو عالم التحدي.

ويقول الجديلي لـ«الإمارات اليوم» بنبرة الواثق من نفسه: «في عام 2010 توجهت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتلقي العلاج، وقد كانت تلك الفترة هي المرحلة الفاصلة في حياتي، فبعد أن تلقيت العلاج الكامل داخل مستشفيات الإمارات التي أقدم لقيادتها وشيوخها وحكومتها وشعبها جزيل الشكر، رافقت أحد الغواصين في إمارة دبي، وقد اقترح عليّ خوض غمار هذه التجربة، فوافقت على هذا العرض المغري بالنسبة لي».

ويضيف «توجهت أنا والغواص إلى قرية الغواصين في إمارة دبي، للاستفسار عن إمكانية ممارستي الغوص، وبعد تفهّمهم لوضعي الصحي، والتحقق من عدم وجود مشكلات في القلب، وافقوا على خوضي التمارين، وتسلّم تدريبي عدد من المدربين الأجانب لتعليمي المهارات، وكيفية التواصل تحت الماء بالإشارة، والحركات اللازمة».

بعد خوض تجربة الغوص فوجئ الجديلي بالعالم الثاني الموجود تحت الماء، واستطاع تدريجياً التنقل بين أعماق مختلفة من ستة إلى 10 أمتار، مستخدماً أدوات الغطس.

ورغم أن الشاب الجريح لم يكن يجيد السباحة في بداية المشوار، إلا أن تحفيز رفاقه في الإمارات شكّل دافعاً له لخوض المغامرة، ومع ارتدائه بدلة الغوص ووضعه جرَّة الأوكسجين على ظهره انتابه شعور لا يوصف دفعه إلى التغلب على ظروفه الصحية، وزيادة الإصرار على إتقان هذه الرياضة.

ويوضح الجديلي «ما يميز رياضة الغوص أنه لا فرق بين ذوي الإعاقة والأصحاء تحت الماء»، لافتاً إلى أنه استطاع من خلال ممارسته تلك الرياضة إيصال رسالة لذوي الإعاقة بأن لا يستسلموا لظروفهم، ويعيشوا الحياة كما يريدون، ولا يجعلوا الآخرين يُملون عليهم ما لا رغبة لهم فيه.

ويقول الغواص الغزي: «أحببت الغوص كثيراً، فقررت عدم الانقطاع عن ممارسة هذه الرياضة، فقد وجدت فيها المتعة والترفيه عن النفس، ورأيت أسرار المياه من الداخل، كما أصبحت أهوى هذه الرياضة بشدة، فبعد عودتي إلى قطاع غزة قرأت عشرات الكتب، بالإضافة إلى خوض تدريبات في برك السباحة بمساعدة أصدقائي، حتى اكتسبت مهارات كبيرة جعلتني على استعداد لمنافسة غيري من الغواصين الأصحاء».

ويضيف متحسراً «على الرغم من ممارستي رياضة الغوص بلا ساقين، إلا أنني لن أستطيع الغوص بأعماق البحار لعدم توافر الأدوات اللازمة للغوص، نتيجة منعها من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، خوفاً من استخدامها لأغراض عسكرية، لذلك أضطر الى الذهاب إلى برك السباحة لممارسة الرياضة التي أحببتها لدرجة العشق».

ويجالس الشاب العشريني شاطئ بحر غزة بشكل يومي، وبنظرات ملؤها الأمل يتمنى الاهتمام أكثر برياضة الغوص في غزة من قبل المسؤولين، وأن يمتلك نادياً يدرب من خلاله الجرحى وذوي الإعاقات الخاصة، وكذلك الأصحاء، على رياضة الغوص، والوصول إلى الأعماق، كما يأمل بأن تتوافر أدوات الغوص في غزة، وأن يتمكن من امتلاكها.

وكان الجديلي، عقب رجوعه من دولة الإمارات، قد واصل حياته بشكل طبيعي متغلباً على كل المعوقات التي تعترض طريقه، خصوصاً نظرات المحيطين به، التي أحبطته قبل السفر، حيث تزوج وأنجب طفلين، وقد ساعدته زوجته في تخطي صعوبات حياته، وتقف بجانبه لتحقيق طموحاته الحالية والمستقبلية.

تويتر