«الظاهرة الرحبانية»: عاصي ومنصور عاشا حياة تشرّد بائسة
تتكشف فصول جديدة عن حياة الأخوين رحباني في كتاب «الظاهرة الرحبانية.. مسيرة ونهضة»، للكاتب اللبناني هاشم قاسم، الذي يستعرض فيه سمات التجربة الرحبانية وموقعها على مدى نصف قرن.
فيروز: • «بيتنا بيت صعب وأولاد هذا البيت تعذبوا كثيراً، عائلتنا مثل التراجيديا الإغريقية، الأساس فيها الحزن والألم.. فرحنا المؤقت كان الحلم، الحزن كان الحقيقة». • «سألوني في مصر عن شعوري بالغناء أمام أبوالهول قلت أبوالهول صاحبي من زمان وأنا من أقربائه، أحبه لأنه صامت». |
وعلى الرغم من أن حياة الثنائي عاصي ومنصور الرحباني أصبحت على كل لسان، فإن الكاتب يدخل إلى زوايا جديدة لم يتطرق إليها الباحثون من قبل.
ففي معرض مروره على منزل عاصي ومنصور في بلدة أنطلياس الواقعة بمحافظة جبل لبنان، يقول الكاتب إن والدهما حنا الرحباني كان أحد قبضايات المنطقة ومطارداً من قبل السلطة العثمانية، وقد استأجر المقهى المعروف بفوار أنطلياس وكان يعزف على آلة البزق بين أصحابه وأفراد عائلته، ومن بينهم طفلاه عاصي ومنصور.
ويضيف الكاتب «وُلد الرحبانيان في بيت قديم كانت تملكه أمهما سعدى، لكن العائلة بسبب ظروفها الصعبة عاشت تتنقل من بيت إلى آخر، ويعلّق منصور على ذلك بالقول: تشرّدنا في منازل البؤس كثيراً، سكنّا بيوتاً ليست ببيوت، هذه طفولتنا أخوتي وأنا».
وحسب الكاتب فإن عاصي كان ناجحاً في دروسه، أمّا منصور فقد كان فاشلاً في المدرسة وكان يدفع ثمن فشله بأن يبقيه المعلم داخل الغرفة ويغلق عليه الباب لساعات عدة.
ومع اشتداد الحرب العالمية الثانية انتقلت العائلة الرحبانية إلى منطقة ظهور الشوير، وهناك كان عاصي ومنصور يقتربان من الطبيعة أكثر ويمتزجان بأحراشها وحيواناتها وصخورها، ويشتمّان رائحة البارود المختلطة برائحة الزهر.
ويقول منصور حسب ما ينقل عنه الكاتب «كنا نجلس عند التخوم والمنعطفات والجلول ونتجول سيراً على الأقدام، وهناك تعرفنا على أسماء كثيرة وملامح شخصيات سبع ومخول التي عرفها جمهور الخمسينات والستينات».
ويضيف «أمّا النزاعات بين أهالي المنطقة فهي من العوامل التي أثّرت في تكوين شخصيتنا الفنية، وكانت تتحول النزاعات أحياناً إلى مشادات ومعارك بالأيدي والمعاول في إطار الخلاف على اقتسام المياه بين المزارعين، وهو ما ظهر في شخصية شيخ المشايخ بين أهالي القاطع المختلفين على توزيع المياه في مسرحية جسر القمر».
ويروي الكاتب أن الوالد حنا كان أمياً، إلا أنه «كان يروي في فوار أنطلياس قصائد كاملة لعنترة بن شداد، حتى أنه باع طنجرة من المقهى ليشتري بثمنها ديوان عنترة».
وبعد وفاة الوالد أصدر الرحبانيان مجموعتهما الشعرية الأولى بعنوان «سمراء مها» قبل أن يدخلا الإذاعة اللبنانية ويتعاونا ويتعرف عاصي إلى الصبية الخجولة نهاد حداد، التي أصبحت في ما بعد المطربة الشهيرة فيروز.
ويدخل الكاتب هاشم قاسم إلى منزل فيروز المتواضع في زقاق البلاط في بيروت ليصف للقارئ أسلوب حياة فتاة «مترددة ترتدي البلوزة والتنورة وتعيش غريبة عن أحلام الصبايا إذ كانت رغباتها وأمنياتها تتجمد عند عتبة المنزل، ولم يكن متاحاً لها فرص الخروج إلى المجتمع سوى تلك الزيارات الطويلة إلى منزل جدتها ليزا البستاني في بلدة الدبية،
ولأن قلقها كان يتركز على إبعاد الفقر عن عائلتها الصغيرة، فقد أقدمت على العمل في سن مبكرة واشتركت في الـ14 في برامج الأخوين فليفل الإذاعية».
أثمر زواج فيروز من عاصي الرحباني العديد من الأعمال الفنية التي كانت حبيسة الحكاية لدى الأخوين رحباني، لكن الكاتب يربط روعة هذه الأعمال بمزاج فيروز ويقول نقلاً عن عاصي «بقدر ما تكون نفسيتها مرتاحة يكون أداؤها أبهى، أما إذا كانت مشوشة وأعصابها متعبة فيتعذر العمل معها».
وعن الأعمال الفنية والزواج والعائلة يقول قاسم ناقلاً عن فيروز في مراحل سابقة «الزواج صعب بين البسطاء والعاديين فكيف بيننا. بيتنا بيت صعب وأولاد هذا البيت تعذبوا كثيراً، عائلتنا مثل التراجيديا الإغريقية، الفرح فيها وقتي، الأساس فيها الحزن والألم.. فرحنا المؤقت كان الحلم، الحزن كان الحقيقة».
ويستعرض الكاتب المراحل العائلية العصيبة التي مرت بها فيروز، إذ إن ابنها «هالي» يعاني مرض اليرقان الحبشي الذي أفقده الحركة، ووالدتها توفيت في سن الـ42، وزوجها عاصي أصيب بالجلطة الدماغية قبل وفاته، فيما توفيت ابنتها ليال جراء المرض نفسه.
وينقل الكاتب عن فيروز كلاماً تشير فيه إلى تجاربها ومعاناتها على مر السنين قائلة «قيل فيها الكثير إلا الحقيقة.. أنا من أصدقاء الصمت، سألوني في مصر عن شعوري بالغناء أمام أبوالهول قلت أبوالهول صاحبي من زمان وأنا من أقربائه، أحبه لأنه صامت».
يقع الكتاب في 384 صفحة من القطع الوسط، وهو صادر عن دار بيسان وعرض في معرض بيروت الدولي للكتاب في وقت سابق من ديسمبر في بيروت.