«مسار إبراهيم الخليل».. مشي سياحيّ في طرقات فلسطين

بين الأودية والتلال، وعبر السهول والجبال، تنطلق مجموعات من الفلسطينيين والسائحين والنشطاء الأجانب، لقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام في رحلة سياحية واستكشافية، للتعرف إلى الطبيعة في الأراضي الفلسطينية، واستكشاف المعالم الأثرية والتاريخية في المناطق التي يصلون إليها، فضلاً عن الانخراط مع مختلف الفئات في المجتمع المحلي، للتعرف إلى عادات الحياة لديهم من مأكولات ومشغولات تراثية.

هذه الجولات تنظم بشكل دوري شهرياً، ضمن أنشطة مؤسسة «مسار إبراهيم الخليل» في الضفة الغربية، التي تجوب جميع مناطق الضفة في رحلة تمتد على مدار 22 يوماً متواصلاً، انطلاقاً من بيت لحم، مروراً بنابلس وجنين، وصولاً إلى الخليل، متحدين كل أشكال المعاناة التي تواجههم بفعل القيود الإسرائيلية عبر الحواجز، وحدود المستوطنات، وبوابة جدار الفصل العنصري، الذي يمر عبر الأراضي الفلسطينية، ويشتت الأهالي فيها.

ومسار إبراهيم الخليل هو نتاج فكرة ولدت في عام 2013 بين اتحاد ثلاث جمعيات فلسطينية، هي الروزانا، ومركز سيراج للدراسات، وجمعية الحياة البرية، إذ تهدف إلى تطوير السياحة في فلسطين كمشروع سياحي مجتمعي، وبالتحديد في الضفة الغربية المحتلة من أقصى شمالها إلى جنوبها، وهي المناطق التي يستطيع الفلسطينيون التحرك فيها، كون إسرائيل تسيطر على ما تبقى منها.

سياحة مجتمعية

نشطاء أجانب

قالت أميرة جابر، إحدى الموظفات والمشاركين في جولات المسار، إن استقطاب النشطاء الأجانب للمشاركة في جولات المسار يتم من خلال الترويج له دولياً، أثناء المشاركة في معارض ومؤتمرات سياحية، إضافة إلى فتح الفرصة أمام الأجانب الموجودين في الأراضي الفلسطينية.

المشاركون يكتشفون المعالم الحضارية والمأكولات والتراث.

مدير مؤسسة مسار إبراهيم الخليل، جورج ريشماوي، أوضح خلال حديثه لـ«الإمارات اليوم»، أن فكرة أنشطتهم هي عبارة عن مسار ثقافي طويل المسافة، يبلغ طوله 330 كيلومتراً، إذ يمتد من قرية رمانة شمال غرب جنين إلى بيت مرسم جنوب غرب المسجد الإبراهيمي في الخليل.

ويمر المسار، بحسب ريشماوي، عبر 54 مدينة وقرية، حيث يمكن للمتجولين والمشاة والمسافرين تجربة الضيافة الفلسطينية الأصيلة، لينتهي المسار بقرية بيت مرسم، حيث يتم الاحتفال بانتهاء المسار في كل جولة مشي كاملة تصل إلى ثلاثة أسابيع متواصلة.

ويقول مدير مؤسسة مسار إبراهيم الخليل «أنشطتنا هي ضمن السياحة المجتمعية، التي تهدف إلى دعم المجتمع المحلي بشكل عام، والمجتمعات الرّيفية المهمشة بشكل خاص، من خلال دعوة السياح لزيارة هذه المجتمعات، والسير بمجموعات صغيرة في قرى فلسطين لإتاحة الفرصة لاكتشاف الطبيعة الخلابة، والتاريخ، والتراث الثقافي، وكذلك الأكلات الشعبية».

ويشير إلى أن مسار إبراهيم هو أكثر من مجرد مسار مشي لمسافات طويلة، فهو يعد وسيلة للالتقاء وخلق علاقات مع الفلسطينيين والمتجولين من جميع أنحاء العالم، وذلك من خلال استضافة المشاركين دخال منازل المجتمعات المحلية، لإنشاء صداقات دائمة بين الفلسطينيين والأجانب، في إطار تجربة تنوع الثقافات.

ويهدف القائمون على «مسار إبراهيم الخليل» إلى فتح باب جديد من أنواع السياحة المجتمعية، الذي يعود بالفائدة على المجتمع الفلسطيني، وتحقيق المنفعة الاقتصادية بكل أشكالها، وليس فقط الاكتفاء ببرنامج السياحة الذي تحدده شروط سلطات الاحتلال، على أساس زيارة أماكن دينية فقط في الضفة الغربية المحتلة.

ويقول ريشماوي «عدد المشاركين في أنشطتنا 10 آلاف مشارك من المجتمع المحلي والنشطاء والأجانب، فالمسار مفتوح للجميع طوال العام، وينطوي على جميع الخدمات من أدلاء محليين، وغيرها من الإرشادات، إضافة إلى أماكن للإقامة، حيث يمكن للمتجولين الاستمتاع بحسن الضيافة الفلسطينية، إذ نجهز كل الإمكانات من تحديد الطريق وتعليمها وتزويدها بإشارات ولوحات معلوماتية، وإصدار الخرائط الخاصة بها، والذي يعد جزءاً من تأسيس البنية التحتية للمسار، ما يسهّل على المتجول ويعطيه الطمأنينة». وفي ما يتعلق بخط المسار الذي يمر بالقرب من حدود المستوطنات، يقول ريمشاوي «يتم إعلام المشاركين قبل البدء بالجولة بأن المسار سيمر بالمناطق التابعة للسيطرة الإسرائيلية، والتي تمثل جزءاً من الأراضي التي يمر بها المسار، بدءاً من الشمال إلى الجنوب، فبعض هذه المناطق توجد فيها مجتمعات بدوية تعكس أنماط الحياة الفلسطينية المختلفة، التي يسلط الضوء عليها من خلال مسار إبراهيم لجلب السياح إلى هذه المناطق».

ويضيف «وجود المسار في هذه المناطق يعطيها الحيوية، بعد ترك أهلها لها بسبب ممارسات وضغوط إسرائيل، لذلك نشجع المشاركين على الوجود والسير فيها، لأنها جزء لا يتجزأ من أراضي فلسطين التاريخية».

مشاركة الأجانب

يشارك في المسارات سائحون أجانب، ومحليون فلسطينيون، إذ تقوم الفكرة العامة لأنشطة المسار على خلط الأجانب مع الناس المحليين، والمبيت في منازلهم، والتناول من طعامهم، كي تخلق الفرصة والمنفعة الاقتصادية للناس.

وللحديث عن ذلك، تقول أميرة جابر، إحدى الموظفين والمشاركين في جولات المسار السياحية لـ«الإمارات اليوم» إنه «فضلاً عن تشجيع السياحة في فلسطين، وتطويرها، يمكن لكل المشاركين في المسار، خصوصاً السائحين الأجانب، أن يلمسوا المعاناة الفلسطينية من خلال زيارة مناطق عدة، والتعرف إلى ما يفرضه الاحتلال الإسرائيلي من معاناة على الفلسطينيين، وقتل الحياة هناك من خلال الحواجز، وجدار الفصل العنصري، والمستوطنات، والطرق الالتفافية، وغيرها من مقومات الحياة الأساسية الفقيرة، بفعل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي».

وتضيف أن «النشطاء الأجانب يستمتعون بهذه الجولات، وبجمال الطبيعة، والتعرف إلى عادات الفلسطينيين، ومشاركتهم لهم في إعداد وتناول المأكولات التراثية، وهذا ما يظهر على انطباعاتهم الشخصية، وملامح وجوههم، وما تعكسه ردودهم وكتابتهم التي تظهر مدى تأثير هذه التجربة على حياتهم، ونظرتهم للشعب الفلسطيني وقضيته». وتشير إلى أن النشطاء الأجانب المشاركين في أنشطة المسار، يدعمون الوجود الفلسطيني بالمشاركة في السير معه في المناطق التي تخضع لسيطرة إسرائيل، ما يسهل مرورهم في الأراضي المجاورة للمستوطنات، وصولاً إلى أراضيهم ومنازلهم، خصوصاً في المناطق البدوية في تلك المناطق.

الأكثر مشاركة