فاطمة والمهنة رقم واحد.. هناك لا في مجتمعات «البرستيج»
جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.
نبيلة، سامية، إنسانية، جليلة، وعظيمة.. صفات قد تلحق بالعديد من المهن التي تتطلب قدرات خاصة، لكنّ ثمة واحدة تستحق كل تلك النعوت مجتمعة، بالإضافة إلى تعبير غير مجازي بالمرة، وهو: ملائكة الرحمة، من أصحاب - أو صاحبات - المعاطف البيضاء غير المرئيين إلى حد ما، لأن الأنظار منصرفة إلى آخرين - من ذوي المعاطف البيضاء أيضاً - وهم الأطباء، وحَمَلة رتب «الدال»، بينما لا يلتفت كثيرون إلى المهمشين، بل إن البعض يرفض أن يعمل أبناؤه في ذلك الميدان، وكأنه «وصمة عار مجتمعية» لاسيما للفتيات في أوساط يتحكم فيها «البرستيج». من داخل عنابر المستشفيات، تحاول الكاتبة السعودية، وابنة المهنة، فاطمة حسين المرزوق، أن تسلط الضوء على قيمة عملها النبيل، ولا تدّعي أن تلك كانت قناعاتها منذ بداية التحاقها بالتمريض، حيث ضغوط بلا حصر من الخارج والداخل، من نظرة البعض إلى شابة سعودية تلتحق بذلك المجال، بالإضافة إلى أحلام تبخرت «كبقية البشر المغسولة أدمغتهم بقناعة اجتماعية زائفة ترى الطب هو كل شيء، وترى أنه إن لم تكن ترتدي المعطف الأبيض، وحرف الدال يسبق اسمك بأبهى حلة، فأنت لا شيء! كنت أكتسي بسذاجة الأطفال التي جعلتني أحلم بذلك اليوم الذي أصبح فيه طبيبة، فلذلك لم أكلف نفسي عناء الالتفات إليه، ولو لوهلة. عندما تم قبولي فيه لدراسته مسيّرة لا مخيّرة كغيري كرهته بكل ما يسكن بداخلي».
ضغوط
لكن كيف تغيّرت القناعات، وكيف تغلبت فاطمة على ضغوط الذات والآخر؟ هذا ما ترويه صاحبة تلك الحكاية في كتابها: «ممرضة على السطر» الذي تفصّل فيه حكايتها، لاسيما بعدما تحوّلت من النظرية إلى التطبيق، من الدراسة المجردة، إلى الامتياز والجانب العملي، متنقلة بين أسرّة أصحاب المرض، والأرواح الضعيفة التي أؤتمنت عليها: أطفالاً بعمر الزهور وعجائز على وشك الوداع، وأصحاب علل بسيطة، وآخرين بآلام تفوق طاقة البشر.. ولكنْ ثمة أمل رغم ذلك.
يحفل «ممرضة على السطر»، الذي صدر عن دار دريم بوك للنشر والتوزيع الكويتية في 232 صفحة، بقصص وفيرة، حصاد عام واحد بدل حياة المؤلفة، ومنحها الكثير من العطايا - على حد تعبير فاطمة في الإهداء.
ميدان لا يليق بها
تستهلّ فاطمة الحكاية من مغالبة الذات، إن صح التعبير، محاولة الانتصار على غول التهميش الذي تعاني منه المهنة، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية لدى فئة ما على الأقل، تلك التي تجعل فتاة مثلها تستشعر أن الدنيا انتهت حينما تلتحق بكلية التمريض، وأنه قد حكم عليها بالعمل في ميدان لا يليق بها، وحينما تتحاور فاطمة مع زميلة بريطانية تخبرها بأنها المهنة رقم (1) لديهم هناك، وتتعجب الشابة السعودية، متسائلة: «أما لدينا فلا أدري في أي تصنيف رميت مهنتي». من وسط أقسام عدة بالمستشفيات، تسرد فاطمة المشاهد المحفورة بداخلها، تحوّر قليلاً في الأسماء، كي لا تؤذي أطراف الحكايا الواقعية، الذين التقتهم بداية من وحدة العناية المشددة للأطفال، ومروراً بقسم جراحة اليوم الواحد والمناظير، وتمريض النساء، وصولاً إلى قسم المليون مرض، كما تسميه. تحفل قصص الكتاب بالكثير، بمتطلبات المهنة، من الدقة اللامتناهية، إلى الصبر بلا حدود، وتحمُّل المرضى (وأسرهم قبلهم)، وغير ذلك من التفاصيل التي لا ينتبه لها كثيرون، ومن بينها رفع أذى أناس غائبين بسبب جلطات أو حوادث، مشلولي الحركة، لا يستطيعون قضاء أبسط الاحتياجات، ولذلك قصص مؤثرة في الكتاب، تفصّلها فاطمة المرزوق، كما تروي ما حدث في يومها الأخير بتلك السنة العملية، وما تلقته من اتصال من جامعة الدمام غيّر مجرى حياتها، ووسع الدائرة ربما.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.