المحيربي: زايد أينـما يَمـشِ يُـعطِ
قال صقر بن سيف المحيربي، الذي كان أحد المرافقين للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إن «الشيخ زايد كان يتمتع بهيبة وذكاء وبُعد نظر، وقدرة نادرة على التأثير في الآخرين وإقناعهم، ولذا كان يتولى دائماً مهام فضّ الخلافات وإنهاء المشكلات التي تقع بين أشخاص أو قبائل أو أطراف مختلفة، وبعد قيام دولة الإمارات كان كثيراً ما يسعى للم الشمل، وإنهاء أي خلاف يحدث بين الدول العربية أو قادتها»، لافتاً إلى أن «شخصية الشيخ زايد تجمع صفات فريدة، مثل الحزم والطيبة والحكمة والشجاعة والتواضع والكرم الشديد، فكان أينما يمشِ يعطِ».
إرادة وعزيمة ذكر صقر بن سيف المحيربي أن «الشيخ زايد، رحمه الله، كان حريصاً على استصلاح الأراضي وتشجيع الزراعة، وكان الخبراء قالوا إنه لا أمل في استصلاح بعض الأراضي، ورغم ذلك أصرّ على التجربة، وعندما ظهر إنتاجها جمعنا حوله وهو يقطع ثمارها ويطعمنا مردداً (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، وأنه لا شيء مستحيلاً مع الإرادة والعزيمة». تواضع قال صقر بن سيف المحيربي إن «الشيخ زايد، رحمه الله، كان شديد التواضع وكان يزور الناس في بيوتهم، ويقبل دعواتهم، وإنه دعاه أكثر من 30 مرة لزيارته في منزله، حيث زاره في أبوظبي وغنتوت وليوا والجرف، وله صور عدة وهو يجلس مع أبنائه وهم أطفال ويضحك معهم». وذكر المحيربي «توجهت مع المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بطراد إلى جزيرة اللولو في أبوظبي، لمتابعة بعض المشروعات هناك، وكان يصحبهما شخص ثالث، لكن الطراد تعطل، فلحقهم أحد الحرس بطراد آخر لكنه أصغر حجماً، وبالكاد وصلنا إلى شاطئ الكورنيش، وتوجهت بعدها لإحضار السيارة الخاصة بالشيخ، لكنني فوجئت بأنه أوقف سيارة تاكسي ببساطة واستقلها ليعود بها إلى قصره». - طفلة صغيرة أهدت الشيخ زايد عقداً من الفل، فأهداها عقداً بـ950 ألف درهم. - اعتاد الشيخ زايد الجلوس مع العائلات في المناطق التي يزورها، صغاراً وكباراً، ويسألهم عن آرائهم في البلد وما يجري فيها. - كان زايد يأمر بتنفيذ مشروع ما، وبعد مرور ثلاثة أيام يذهب لمتابعته على أرض الواقع.
|
وأوضح المحيربي في حواره مع «الإمارات اليوم»: «كنت أول موظف في شرطة أبوظبي، حيث تم تعييني مديراً لها عام 1957، وكان حينها الشيخ سلطان بن شخبوط آل نهيان، قائداً للشرطة، وكنت قد تعلمت الكتابة والقراءة باللغة العربية، وإجراء العمليات الحسابية المختلفة، وتم إرسالي مع الشيخ سلطان للتدرب لمدة أسبوع لدى قوة ساحل عمان في الشارقة، وتولى تدريبنا الشيخ فيصل القاسمي».
وأشار المحيربي، الذي كانت تربطه بالشيخ زايد صلة قرابة، حيث ينتمي إلى قبيلة أبوفلاح، وكان يقيم في قصر الحصن لفترة طويلة، إلى أنه «بعد تركه العمل في شرطة أبوظبي عام 1962، تم تكليفه بإدارة ميناء أبوظبي، واستمر يعمل في الموانئ لمدة 28 سنة، بعدها تم تعيينه وكيلاً لممثل الحاكم في المنطقة الغربية (الظفرة حالياً) إلى أن تقاعد».
وقال إن «عند استلامه إدارة ميناء أبوظبي في عام 1962، كان الميناء من الرمل والإسمنت والخشب، ويعمل به أربعة عمال كسائقين للرافعات، لكن عقب تولي المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد حكم أبوظبي، شهد الميناء تطوراً سريعاً، وتم بناء أرصفة وصل عددها إلى 17 رصيفاً، وكان هذا العدد أكبر من حاجتنا، فأمر الشيخ زايد بأن نبني شبرات، كل واحدة منها مساحتها 150×70 متراً، ونوزعها على التجار المستوردين بإيجار لا يزيد على 2000 درهم في العام، والآن صارت هذه المنطقة كلها مطاعم ومراكب سياحية، وعندما شاهد الشيخ زايد بائعين يضعون بضاعتهم على الأرض أمر ببناء شبرات لهم على حساب الدائرة الخاصة، كما أمر ببناء دكاكين نظامية في منطقة سوق السجاد حالياً، وتوزيعها على التجار بدلاً من وضع بضاعتهم على الأرصفة».
وتابع المحيربي «كنت شاهداً على أكثر من موقف يبرز موهبة زايد في فض النزاعات والخلافات، منها موقف وقع في جزيرة داس، عندما توقف عمال إماراتيون عن العمل في شركة البترول مطالبين برفع رواتبهم، فأرسل الشيخ شخبوط أخاه الشيخ زايد، الذي كان في ذلك الوقت حاكم العين وممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، والشيخ سلطان بن شخبوط، لإنهاء المشكلة، وبالفعل حضر زايد وجلس مع العمال وممثلي الشركة واستطاع أن ينهي الموقف بموافقة الشركة على زيادة رواتب العمال روبيتين ليصبح راتب كل منهم تسع روبيات هندية، ووقتها ظهرت بوضوح مكانة زايد لدى الجميع واحترامهم له ولرأيه».
وذكر أن «الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان يتمتع بشخصية فريدة تجمع بين الحزم والطيبة والحكمة والشجاعة والتواضع والكرم الشديد، فكان أينما يمشِ يعطِ، كما كان شاعراً ويحفظ أشعار المتنبي»، مضيفاً «ذهبت ذات مرة، خلال شهر رمضان، مع الشيخ زايد إلى كورنيش أبوظبي، حيث كانت تقام فعالية تجمع عدداً كبيراً من الناس، وعندما شاهدوه بينهم وقفوا، فأشار إليهم بأن يجلسوا باعتباره واحداً منهم، وعندما جلس اقتربت منه طفلة صغيرة، ووضعت عقداً من الفل كانت تحمله حول رقبته، فأمرني أن أذهب إلى سيارته وأحضر عقداً موجوداً بها، وعندما ذهبت للسيارة وجدت أن العقد بقيمة 950 ألف درهم، فأعطيته له فوضعه حول رقبة الطفلة».
موقف آخر يعكس كرم زايد وحبه لشعبه، يذكره المحيربي قائلاًَ: «توجهت مع الشيخ زايد إلى منطقة غياثي، وأمرني زايد بأن أذهب إلى البنك وأحضر أموالاً من هناك، فتوجهت إلى البنك في الرويس، وسألت مديره عن حجم المبلغ المتوافر لديه، فأجاب أنه 18 مليون درهم، فأخذت منها 16 مليوناً على أن يستردها البنك من القصر عند عودة الشيخ زايد إليه، وعندما عدت للشيخ وأخبرته بما جرى فقال لي: خذ 10 ملايين درهم من المبلغ ووزعها على بيوت المواطنين في شعبية غياثي، بواقع 50 ألف درهم لكل بيت، وبالفعل وزعت الأموال، وتبقت ثلاثة ملايين درهم، فأمرني الشيخ زايد بأن احتفظ بها حتى المساء، حيث سيقام حفل في المساء بحضوره، وخلال الحفل أمر الشيخ زايد بتوزيع مبالغ مالية متفاوتة على فرق الفنون الشعبية التي أحيت الحفل، والنعاشات من الفتيات الصغيرات، وأخذ الجميع ولم يتبقَّ من المبلغ سوى 75 ألف درهم»، لافتاً إلى أن «الشيخ زايد، رحمه الله، كان عندما يزور المناطق المختلفة أو يخرج في رحلات قنص، يجتمع في المساء مع العائلات المقيمة في المنطقة صغاراً وكباراً، ويسألهم عن آرائهم في البلد وما يجري فيه وآرائهم في المسؤولين، وإذا كان لدى أحد منهم شكوى يحلها حتى لو كانت على مسؤول كبير».
وعن سياسة المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في العمل، أشار المحيربي إلى أن «المغفور له، بإذن الله تعالى، كان حريصاً على متابعة العمل بنفسه، فكان يأمر بتنفيذ مشروع ما اليوم، وبعد مرور ثلاثة أيام يذهب لمتابعة ما يجري على أرض الواقع، ويتردد على الموقع يومياً حتى لا يكون هناك تهاون في التنفيذ».
وأضاف أن «الشيخ زايد عندما يخرج في رحلات قنص كان يعامل الجميع مثل أولاده، وكان يصطحب معه أبناءه في تلك الرحلات ليعتادوا حياة الصحراء والاعتماد على النفس»، موضحاً أن «مركبة الشيخ زايد كانت في بعض الأحيان تغرز في رمال الصحراء وكان، رحمه الله، يعمد إلى أن يطلب من أبنائه إخراجها»، وأضاف: «خلال وجود الشيخ زايد في مجلسه بين الناس كان، رحمه الله، إذا أراد القيام بشيء ألاحظ أنه يطلبه من أحد أبنائه وليس من الخدم، وأذكر أنني أحضرت رطباً إلى مجلسه، وكان فيه ما يقرب من 200 شخص، فكان يغرف من الرطب بيديه ويضعه في أطباق، ثم يأمر أبناءه بتوزيعها على الحضور».
موقف آخر يذكره المحيربي، قائلاً «عندما حضر عدد كبير من الأعيان لزيارة الشيخ زايد في أحد الأعياد، وجاء وقت الغذاء، عزم عليهم للجلوس في صدر المكان لتناول الطعام، وأشار لنا باسماً بأن نتأخر للخلف لنترك المجال لهم، لأنهم ضيوف، ونحن عياله».