أكد أن ما أنجزه الوالد المؤسس من مشروعات وعمران في أبوظبي والدولة تجاوز التوقعات

أحمد خوري: نصيحة الشيـخ زايد قادتني إلى الدكتوراه

صورة

رغم مرور ما يزيد على خمسة عقود من الزمن؛ مازال الباحث في التراث وجامع المقتنيات الأثرية، الدكتور أحمد خوري، يتذكر جيداً نصيحة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، التي كانت سبباً في أن يتخذ طريق التعليم حتى يحصل على درجة الدكتوراه.

رد الجميل

أكد أحمد خوري أنه يشعر بأنه يرد جانباً من جميل الوطن بعرض جانب من المقتنيات الخاصة به في فعاليات ثقافية مختلفة، إذ يسهم في تعريف الآخرين، سواء من الأجيال الجديدة أو السياح والزائرين من جنسيات متعددة، بتاريخ الإمارات، وما فيه من ثراء وغنى، لافتاً إلى أن المخرجة الكازاخستانية آنا باليشيفا، التي تعمل في جامعة نيويورك -أبوظبي، أعدت فيلماً وثائقياً عن مسيرته في جمع المقتنيات التاريخية، مدته تسع دقائق، صورت فيه جانباً من مقتنياته. كما صورته مع أحفاده وأسرته، معتبراً أن الفيلم عبارة عن مشروع أكاديمي متكامل، تطمح المخرجة إلى المشاركة به في مهرجان كان السينمائي، وهو ما يسهم في تعريف العالم بالدولة وتاريخها المتجذر في الزمن.

الإمارات عبر العصور

كشف أحمد خوري أنه يستعدّ لإصدار كتابه «الإمارات عبر العصور»، الذي يتكون من 17 فصلاً، في ما يزيد على 600 صفحة، وهو كتاب أكاديمي باللغة الإنجليزية، يتناول تاريخ الإمارات من حقبة براكة وحضارة أم النار، ثم فترة ما قبل الإسلام، وما بعده، وجلفار، وخلال الحكم العثماني، مروراً بالبرتغاليين والإنجليز. كما يتناول الكتاب العادات والتقاليد والتراث الإماراتي بمفرداته المختلفة، مثل الصيد بالصقور والخيول والإبل وأنواع السلاح والحلي النسائية وغيرها، مدعماً بصور لمقتنيات نادرة من مجموعته الخاصة، لافتاً إلى أن الكتاب من المتوقع أن يصدر بالتزامن مع احتفالات الدولة بـ«اليوم الوطني» لدولة الإمارات في 2 من ديسمبر المقبل، ويكتسب خصوصيته من صدوره في «عام زايد».


أحمد خوري:

- «الشيخ زايد وفّر الفرص أمام أبناء الإمارات لتحصيل العلم».

- «الشيخ زايد أدرك أن بناء الدولة يعتمد، أولاً وقبل كل شيء، على بناء الإنسان».

ووفق ما قاله لـ«الإمارات اليوم»، فقد تلقى نصيحة الشيخ زايد خلال زيارته لمركز التدريب المهني التابع لشركة «أدكو» عام 1967، حيث كان يدرس خوري في ذلك الوقت، بعدما أنهى دراسته الابتدائية في المدرسة الفلاحية في أبوظبي، مؤكداً أن كلمات زايد مازالت محفورة في ذاكرته، وتتردد في أذنه، كأنه يسمعها للمرة الأولى.

وتابع خوري: «كانت أول مقابلة لي مع المغفور له الشيخ زايد عام 1967، عندما زارنا في مركز التدريب المهني، الذي كان يعرف في ذلك الوقت بـ(ADBC)، وهو تابع لشركة (أدكو). كنا 17 شاباً، ندرس في المعهد، وكان عمري وقتها 13 عاماً. وقد تحدّث الشيخ زايد معنا عن أهمية التعليم، وحثنا على أن نواصل دراستنا. وعندما سألني عن اسمي بالكامل، قال لي: (أريدك أن تدرس، ودع التجارة لوقتها)، فقد كان، رحمه الله، يعرف والدي وأعمامي. وأراد أن يوجهني إلى الاستمرار في الدراسة حتى لا أتركها واتجه للعمل في التجارة مع الوالد. ومازلت أتذكر هذه الكلمات كما أتذكر الطريقة التي تحدّث بها الشيخ زايد معي، فقد كان كأنه يعرب عن أمنية يحب أن تتحقق»، موضحاً أن «الشيخ زايد لم يكتفِ بتقديم النصيحة للطلاب، ولكنه أوصى القائمين على المعهد بأن يقدموا لهم التدريب اللازم ويكملوا دراستهم، ولا يرسلوهم للعمل في حقول البترول، كعمال أو فنيين، كما كان يحدث مع من سبقوهم».

وأشار خوري، الذي عمل لسنوات طويلة في «أدنوك البرية»، إلى أن الشيخ زايد لم يكتفِ بذلك، بل وفر لهم الظروف كافة التي تساعدهم على تحقيق نصيحته.

وقال: «بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً في عام 1972، أرسلتني الشركة مع زملائي لإكمال دراستنا في بريطانيا، وقد زارنا المغفور له الشيخ زايد هناك، وعندما دخلنا للسلام عليه، رأيت على وجهه، رحمه الله، ابتسامة لا يمكن نسيانها، كانت ابتسامة مشرقة، تنطق بالفخر، وتعكس سعادته بأن أبناءه نجحوا في أن يحققوا وصيته ويأخذوا بنصيحته».

اهتمام بالتعليم

وأوضح أحمد خوري أن الموقفين السابقين مع الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، يعكسان بوضوح مدى اهتمامه بالتعليم، وحرصه على أن يحث الشباب بنفسه على التفوق، ساعياً بذلك إلى تكوين جيل متعلم ومثقف يستطيع أن يحقق الخطط الطموحة التي كان يحلم بتحقيقها في دولة الإمارات، حيث أدرك أن بناء الدولة يعتمد، أولاً وقبل كل شيء، على بناء الإنسان، وإعداد كوادر بشرية تتولى القيادة في مختلف المجالات في ما بعد.

وذكر أن الشيخ زايد، منذ بداية حكمه لإمارة أبوظبي، بدأ يشجع الأسر على إرسال أطفالها للمدارس، وخصص لهم رواتب شهرية، ولم يكتفِ بذلك، بل أحضر المدارس إلى المناطق النائية والبعيدة، وافتتح مدارس قريبة من مناطق السكن، حتى يقبل المواطنون بإرسال أبنائهم للدراسة، كما بذل مجهوداً كبيراً لحث الأسر على إرسال بناتهم للدراسة، ثم العمل.

وأضاف: «عمل الشيخ زايد على توفير كل الفرص أمام أبناء الإمارات لتحصيل العلم والحصول على أعلى الدرجات العلمية، وهو ما حدث معي بالفعل، فقد وفرت لي الدولة فرصة الدراسة في بريطانيا حتى حصلت على درجة البكالوريوس، ثم تقدمت لدراسة الماجستير. كما عملت في بريطانيا في أربع شركات كبرى تعمل في مجال النفط والمعدات، إلى أن قررت العودة إلى الإمارات، حيث عملت في شركة أدنوك، ثم قررت استكمال دراستي والحصول على درجة الدكتوراه، وهو ما تحقق في عام 2005، وخلال كل هذه المراحل كنت أجد مساندة ودعماً من الدولة. وفي المقابل؛ عملت بكل جهد لإفادة بلدي من العلم الذي حصلته»، مشيراً إلى أن «البعثات الدراسية لم تكن تقتصر على أبناء الإمارات، فهناك كثير من الطلبة من جنسيات مختلفة حصلوا على منح دراسية في مختلف الدول».

بابا زايد

ويستذكر خوري موقفاً آخر يعبّر عن مكانة المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، في قلوب الصغار والكبار، حيث كان يقود سيارته في بداية الثمانينات تقريباً، متوجهاً إلى منطقة كاسر الأمواج على كورنيش أبوظبي، وبرفقته زوجته وابنته التي لم يكن عمرها يتجاوز ثلاث سنوات وقتها، فأوقفه شخص من التشريفات، مشيراً إلى أن الطريق مغلق، وفي الوقت نفسه مرت سيارة الشيخ زايد إلى جانب سيارتهم، وبمجرد أن لمحتها ابنته صاحت: «بابا... بابا زايد في السيارة»، فابتسم الشخص الذي أوقفهم، ونظر بحنان للطفلة، وسمح له بالمرور بسيارته، لافتاً إلى أن «هذا الموقف يدلّ على المحبة الكبيرة التي يكنّها الجميع للشيخ زايد، وهي محبة لا تقتصر على الكبار، بحكم أنهم يعرفون ما حققه من إنجازات ضخمة غيرت شكل الحياة في المنطقة، فالصغار أيضاً يكنّون القدر نفسه من المحبة له، رحمه الله، لأنهم نشأوا على سيرته الطيبة».

ويتطرق خوري إلى موقف آخر جمعه بالمغفور له الشيخ زايد، عقب غزو العراق للكويت، وفتح باب التطوع في دولة الإمارات، قائلاً: «كنت من أوائل المتطوعين، حيث التحقت في أغسطس 1991 بمركز التدريب في سويحان لتلقّي تدريب لمدة ستة أسابيع تقريباً، وخلال تلك الفترة زار الشيخ زايد المركز. كان مشهد استقباله مهيباً، فقد كان المتطوعون يحملون السلاح دون طلقات، ورغم ذلك كان صوت ضرب الزناد واضحاً في المكان، إذ كان الجميع يضرب بسرعة فائقة تعبيراً عن سعادتهم بزيارة زايد، وحماسهم للدفاع عن أرض الوطن بأرواحهم. وقتها أدركت أن حب الوطن ليس مجرد كلمات، وكذلك حبنا للوالد الشيخ زايد، رحمه الله».

رؤية طموحة

وأوضح خوري أن ما أنجزه الشيخ زايد من مشروعات وعمران في أبوظبي منذ توليه حكم الإمارة، ثم في بقية الإمارات، بعد قيام الدولة، تجاوز التوقعات، وهي إنجازات نتجت عن رؤية طموحة امتلكها زايد، وأخذت منه وقتاً وصبراً طويلاً، مستذكراً ملامح الحياة قديماً في أبوظبي، حيث كانت المدرسة الفلاحية التي درس فيها حتى الصف الخامس في عام 1963 المدرسة الوحيدة في أبوظبي، ولم يكن بها أية مرافق أو خدمات، مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي وغيرها. وكان الصف يضم خمسة طلاب فقط، يتشاركون في كتاب واحد للمادة، وسهّل عليهم المذاكرة أنهم كانوا يقيمون في منطقة واحدة.

ويذكر خوري أن الشيخ زايد، بعد قيام الاتحاد، وزّع أراضي على المواطنين، كان بعضها في شارع المرور، وهو شارع حيوي في أبوظبي حالياً، وكان الناس يستغربون من ذلك، معتبرين أن الشارع بعيد عن العمران، لكن الشيخ زايد طالبهم بالصبر وانتظار الآتي.

وأضاف خوري: «أذكر أن أول سينما في أبوظبي كانت سينما الشعب، وكان خالي شريكاً فيها مع سعيد وعتيق، ابنَي خلف المزروعي، وكانت تستخدم أفلام 16ملم، ثم أعطاهم الشيخ زايد سينما المارية. وبعد ذلك بفترة سمعوا أن هناك سينما جديدة ستقام في أبوظبي، هي سينما (الدورادو)، فذهبوا إلى الشيخ زايد وقالوا له إن أبوظبي لا تحتمل دارين للعرض السينمائي، وإن افتتاح سينما جديدة سيسبب خسائر مادية كبيرة لهم، فقال: (لا تستعجلون، الخير جاي)».

كان زايد يؤمن بأن المستقبل أفضل، وكان يعمل بجد لبناء دولة متطورة.

وعن هواية جمع المقتنيات النادرة التي لازمته منذ بدايات الشباب، إذ جمع العديد من القطع النادرة من مختلف العصور التاريخية، خصوصاً القطع التي ترتبط بتاريخ المنطقة، اعتبر خوري أن هذه الهواية وسيلة للتعبير عن حبه لبلده، وولعه بتاريخه وتراثه، إذ مكنته من الإبحار في التاريخ والتعرف إلى فترات زمنية مختلفة.

وأوضح أنه عرف، من خلال اهتمامه بجمع المقتنيات والقطع الأثرية والتاريخية، أن تاريخ الإمارات يمتدّ موغلاً في التاريخ بدليل القطع الأثرية الفخارية والمعدنية التي عُثر عليها في مناطق مختلفة من الإمارات، وتعكس وجود حياة متقدمة، بمقاييس تلك الفترة.

تويتر