أحمد عز.. عندما يحترم الممثل جمهوره
الدراما جزء أساسي من اليوميات الرمضانية التي يعيشها الوطن العربي، تخلق معها علاقة قبول ورفض ونقد، وكذلك الممثلون النجوم الذين يظهرون بأدوارهم المتنوّعة يصبحون أيضاً جزءاً من حكايات الناس بالتعبير عنهم وعن قوتهم أو ضعفهم في ما يقدمونه من شخصيات. تتغير الشخصيات ويظل اسم الممثل ثابتاً، قادراً على أن يُنجح العمل أو يُفشله.
يكاد يكون مسلسل «أبوعمر المصري»، للمخرج أحمد خالد موسى، هو العمل الدرامي الوحيد الذي يتناول شكل الشخصية الإرهابية وآلية تطوّرها بطريقة تستحق المتابعة والتمعن، بعيداً عن التكرار، والصراخ الذي اعتمدته صناعة هذه الشخصية في كثير من الأعمال الدرامية، الموجود عدد كبير منها في السباق الرمضاني.
يتناول شكل الشخصية الإرهابية وآلية تطوّرها بطريقة تستحق المتابعة والتمعن، بعيداً عن التكرار والصراخ. |
هذا العمل الخاص المصنوع بطريقة متماسكة تم بناؤه على رؤية درامية وسيناريو وحوار، مريم نعوم، المأخوذة عن روايتي «مقتل فخرالدين» و«أبوعمر المصري» للكاتب عز الدين شكري، ويكون البطل فيها الممثل أحمد عز في شخصية «فخر أبوعمر المصري»، الذي أثبت في أدائه أنه يحترم جمهوره، وأنه قادر على تنفيذ البناء الدرامي للشخصية المركبة والمعقدة بطريقة تستحق الاحترام والتقدير على هذا المجهود الواضحة تفاصيله في أداء الممثل.
أحمد عز في شخصية (فخر) يشبه كثيراً الشباب الحالم والطموح بتحقيق العدالة.. هكذا كانت بدايته، وهي النقطة الأساسية التي تناقش كيف لمثل هذه الشخصية أن تتحوّل إلى إرهابي، فأنت ستكون شاهداً على هذا التحوّل وخطورته، وستعي قدرة هذا التنظيم على استقطاب اليائسين الحالمين، الذين لا يعرفون معنى التطرف، إلا حين يصبحون ضمن مجموعات مكسوة بالسواد، وتفسر الدين على هواها، أنت ستكون شاهداً على (فخر) المحامي، الذي رأى أن يقف ضد الظلم وينصف المظلومين، وعندما سدت كل أبواب مكاتب المحاماة في وجهه بسبب نقاء قلبه، يقرر أن يؤلف مجموعة من أشباه الخريجين، ليدافعوا عن الحق، لكن هذه المجموعة أصبحت تهدد الفاسد والوصولي وأصحاب الضمائر الميتة، لتتحوّل هذه الخطوة النبيلة إلى نقطة تلاحقها الأجهزة الأمنية.
هذه أول صفعة لأحلامه، أما الصفعة الثانية كانت لقلبه الذي عشق وأحب وضحى، ليكون الرد في انتصار لغة المال مرة أخرى، بخطف حبيبته التي تتزوج من شخصية مرموقة.
إذاً أنت أمام نموذج لشاب حي يعيش بيننا، حتى عندما اضطر إلى الهرب إلى فرنسا، واعتقد أنه وجد الحب مرة أخرى، إلا أن حبيبته السابقة تظهر، ويبني علاقة معها لينجب طفله (عمر) دون زواج، إذاً أنت تدرك أن هذه الشخصية ليست متزمتة دينياً، بل كل الأمر أنها شخصية يائسة لم تجد من يحتضنها ويطبطب عليها.
خطورة هذا العمل أنك ستعتقد أنه يبرر للإرهابي ما يفعله، لكن الحقيقة أنه يجعلك تفكر وتتحمّل مسؤولية ما يدور من حولك، فـ(فخر) شخص حالم، رومانسي، عادل جداً، ونقي، لكن لحظات الانكسار المتتالية جعلته فريسة سهلة لتنظيم إرهابي، أعطته فرصة الانتقام، توجد مشاهد بعينها من الجميل ذكرها، كما حدث عندما وصلت رسالة إلى (فخر) من صديقه «لم أكن أخاف عليك من شيء بقدر الأمل، أخبرتك مراراً أن الأمل شيء لعين، وأنه لابد أن تترك مسافة بينك وبين الواقع تأمن معها ألا ينكسر قلبك، لكنك أبداً لم تسمع، كنت وفي كل مرة وبحماقة تحسد عليها يا أعز الأصدقاء تقفز على تلك المسافة، تأمل وتجبر من حولك أن يأملوا»، هذا هو (فخر) الذي أصبح إرهابياً ولقبه (أبوعمر المصري)، وبعد أن استيقظ فجأة قرر أن ينقذ ابنه (عمر) الذي أصبح هو الآخر من طلائع الإرهابيين الصغار.
اليقظة في شخصية (فخر) محطة جديدة سيعيشها المشاهد إلى حين انتهاء حلقات المسلسل، ويدرك معها أنه أمام ممثل احترمه كمتلقي، واستطاع ببساطة أن يجعلك تدرك معنى ما يدور حولك، من خلال تطور الشخصية الدرامي المكتوبة بعناية فائقة تشكر عليها الكاتبة مريم نعوم.