نقاد: أزمة دراما رمضان سببها النجم الواحد والبحث عن الإعلانات
في الدراما العربية، تعتبر المصرية منها هي التي تمنح المؤشر العام لنجاح الأعمال التي يتم انتاجها في شهر رمضان من فشلها، بسبب كثافة الإنتاج، وانتشار تلك الأعمال على محطات عربية متنوعة، بالإضافة الى أن المنافس القوي بالنسبة للدراما المصرية لم يعد كما كان، وهنا نتحدث عن الدراما السورية، التي انخفض إنتاجها بسبب الظروف السياسية، واتجاه غالبية فنانيها للعمل في دراما عربية مختلفة، أما بالنسبة للدراما الخليجية، فلاتزال غالبيتها لا ترتقي لمستوى المنافسة، باستثناء أعمال لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وهو بالتأكيد ما يجعلها خارجة عن سرب المنافسة العربية، مثلها مثل المسلسلات الآتية من المغرب العربي، والتي لا يشاهدها إلا الجمهور المغاربي بشكل عام.
فايزة هنداوي: «هناك أعمال يتم الانتهاء من تصوير حلقاتها قبل عرضها بساعات قليلة». أندرو محسن: «معظم مسلسلات هذا العام اتجهت للأكشن والتشويق دون تفكير في تغيير أو تجديد». محمد عاطف: «هناك أسباب فشل تخص الظرف العام للصناعة، وأسباب تخص المسلسلات نفسها». طارق الشناوي: «المخرج بات يهتم بالكادر الجمالي على حساب مستوى الصوت والصورة وأداء الممثلين». |
مع كل هذا ثمة مآخذ كثيرة، حسب استطلاع أجرته «الإمارات اليوم» مع نقاد ومتخصصين، على إنتاج المسلسلات المصرية لهذا العام، إذ وضع النقاد أعمالاً درامية في قفص المحاكمة، ورأوا أن أسباب الأزمة تتأرجح بين قرارات الرقابة على المنتج التلفزيوني من جهة، وعلى اعتماد صناع الأعمال التلفزيونية على الرهان على النجم على حساب باقي فريق العمل، ومن جهة أخرى التعجل في التنفيذ، ما أنتج أخطاء كبيرة أصبحت تسلية للمتابعين في رصدها، إضافة الى غياب أسماء مهمة لصناع الدراما لهذا العام.
الصورة اختلفت
الكاتب والناقد الفني طارق الشناوي قال: «هناك حالة استسهال الى درجة الاستهبال»، موضحاً «أخطاء كبيرة في الراكورات، والذي يعطي إحساساً أن التنفيذ كان على عجالة»، وأضاف «الصورة اختلفت عن الماضي، فالمخرج بات يهتم بشكل الكادر الجمالي على حساب مستوى الصوت والصورة وأداء الممثلين»، فيما اعتبر الشناوي مسلسل «ليالي أوجيني» للمخرج هاني خليفة، من أجمل المسلسلات صناعة لهذا العام، وأشاد الشناوي بالممثل يحيى الفخراني الذي قال عنه: «مازال لدى هذا الفنان القدرة على العطاء، وعنصر إبهار الجمهور لديه مازال حاضراً».
في المقابل، قال الناقد محمد عاطف: «هناك أسباب فشل تخص الظرف العام للصناعة، وأسباب تخص المسلسلات نفسها»، معللاً «يأتي على رأس قائمة أزمة الدراما التلفزيونية الحالية: زيادة مركزية النجم على حساب أهمية المحتوى؛ وهي ظاهرة تفشت بسبب هجرة نجوم السينما إلى الدراما التلفزيونية، فخلقت تلك الهجرة شكلاً جديداً للمحتوى يخدم النجم، ذلك الشكل لم يعتده المشاهد، وكثيراً ما لا يقبله»، موضحاً «هنا تجدر الإشارة إلى أن الممثل القدير يحيى الفخراني ومسلسل (بالحجم العائلي) توافر على الحد الأدنى من الجودة الفنية، فالفخراني يعي جيداً أنماط مشاهدي الدراما التلفزيونية، لذلك دائماً ما يختار موضوعات ذات طابع اجتماعي»، وقال عاطف: «من جهة أخرى، برغم نجاح مسلسلات كانت موضوعاتها بعيدة عن نوعية الدراما الاجتماعية السائدة منذ زمن طويل، لكن يظل ولاء مشاهد التلفزيون للدراما الاجتماعية، ما أدى لانصرافه عن أكثر مسلسلات العام، والتي ينتمي أغلبها إلى الأكشن والتشويق وحتى الكوميديا المبتذلة غير المقبولة للمشاهد العادي المحافظ»، ويرى عاطف أن مسلسلات العام أزمتها الأساسية تكمن في تشابه موضوعاتها إلى درجة التطابق، «فأغلبها يدور من أحداث الحلقات في السجن، وتتناول تيمات محدودة على رأسها تيمة الانتقام، يضاف على ذلك المسلسلات التي تركز على الطابع الدعائي مع إغفال وجود أحداث درامية ملموسة، أو أدنى اهتمام بالجودة الفنية، وهناك أيضاً جزئية كارثية جاءت نتيجة لمشكلة ظلت تتراكم حتى أدت إلى اختلاط الأمور وضياع بوصلة التقييم الصحيح، حيث دأبت شركات الانتاج عاماً تلو الآخر على تخصيص جزء من ميزانيتها إلى الدعاية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وليس من خلال الاعلانات، بل من خلال كتائب إلكترونية تكيل المدح للمسلسلات ونجومها، بغرض خلق حالة جمعية من الاعجاب بمسلسل ما، وقد تجلت الأزمة هذا العام لدرجة أن المنتجين والنجوم أصبحوا يحتفون بتلك البروباجاندا ويقدمونها كدفوع أمام أي انتقادات أو نقد يوجه لهم، أي بالمعنى الدارج (كدبوا الكدبة وصدقوها)».
غياب أسماء مهمة
الناقد أندرو محسن قسم أسباب التراجع الى أسباب عدة، وأكد أنه لا يوجد نوع من الرهان على الأسهل، فالأكشن والتشويق حققا نسب مشاهدة مرتفعة الأعوام الماضية، وبالتالي معظم المسلسلات هذا العام اتجهت لهما لضمان النجاح دون تفكير في تغيير أو تجديد»، ومن الأسباب أيضاً، يضيف محسن، «الرهان على النجم، والزج به في أي دور، مثل محمد رمضان وتقديم أي محتوى للمسلسل، إذ إن الجمهور يقبل على الممثل نفسه فلم يعد الصنّاع يهتمون بالمحتوى، إضافة الى أن قرارات لجنة الدراما ومحاولة إرضائها قيدت صناع الدراما»، ويضيف الناقد المصري «أنا لا أجزم أن غياب مخرجين مثل تامر محسن ومحمد ياسين كان بسبب قرارات اللجنة، لأنهما أصلاً لا يقدمان أعمالاً كل عام»، ورأى محسن أن أفضل عمل لهذا العام هو مسلسل (أبوعمر المصري)، مضيفاً أن «فيه استغلالاً جيداً جداً لرواية عزالدين شكري فشير، التي تحمل عنوان العمل نفسه، بحيث تقدم أحداثاً جيدة في كل حلقة، والإخراج لأحمد خالد موسى شديد التميز، سواء في حركة الممثلين أو في شكل المسلسل عموماً، فلم يهتم بمشاهد المطاردات والأكشن على حساب العمل نفسه».
أخطاء ساذجة
في المقابل، قالت الناقدة فايزة هنداوي إنها تعتبر أن مسلسل «ليالي أوجيني» للمخرج هاني خليفة هو الأفضل «وإن كان يعيبه بطء الايقاع، ولكنه يناقش علاقات انسانية ويدخل في أعماق الشخصيات دون صخب وافتعال»، مؤكدة أن أسباب التدني في مستوى الإنتاج لهذا العام تعود الى شروط الانتاج التي تفرض هذا النمط التجاري من الأعمال بحثاً عن الاعلانات ونسبة المشاهدة، بعيداً عن الاهتمام بالنواحي الفنية، الأمر الذي غيَّب مخرجين مهمين مثل محمد ياسين وتامر محسن وغلَّب الاستسهال على الأعمال، ما أوجد اخطاء ساذجة نتيجة التسرع وعدم التحضير الجيد، مؤكدة «حتى أن هناك أعمالاً يتم الانتهاء من تصوير كل حلقة قبل عرضها بساعات قليلة، ذلك بالطبع إضافة للقيود المفروضة على صُنّاع الدراما من قبل الرقابة ولجنة الإعلام، وأخيراً لجنة الدراما».
وهو ما أشارت اليه أيضاً الكاتبة والناقدة صفاء الليثي من أن «المستوى المتدني قد يكون أحد أسبابه اتباع توصيات المجلس الأعلى للإعلام، ومحاولة إظهار السلطة (البوليس والقضاء) بشكل مثالي، إضافة الى قلة خبرة مخرجين جدد تفوتهم السيطرة على كل العناصر».
جبهات على «التواصل»
اعتمد بعض الفنانين على الوقوف الى جانب أدوارهم في المسلسلات، والترويج لها عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم يفتحون جبهة ضد كل من يحاول أن يتحدث عن تلك الأعمال بسوء، وهذا العام، حسب متابعين متخصصين، استغل فنانون عرب كثر وسائل التواصل الاجتماعي وعمدوا إلى التواصل مع مشاهدين عبر حساباتهم، ما خلق جبهة معادية لنقاد متخصصين إذا ما كتبوا عن عمل بشكل صريح وواضح لم يعجب صنّاع الدراما، وهم كثر في هذا العام تحديداً.