ليلى سلمان.. دور استثنائي في «العاصوف»
الدراما جزء أساسي من اليوميات الرمضانية التي يعيشها الوطن العربي، تخلق معها علاقة قبول ورفض ونقد، وكذلك الممثلون النجوم الذين يظهرون بأدوارهم المتنوّعة يصبحون أيضاً جزءاً من حكايات الناس بالتعبير عنهم وعن قوتهم أو ضعفهم في ما يقدمونه من شخصيات. تتغير الشخصيات ويظل اسم الممثل ثابتاً، قادراً على أن يُنجح العمل أو يُفشله.
تبث ليلى سلمان (يسار) مشاعر وأحاسيس فريدة بأداء يعتبر الأهم في مسيرتها الفنية. |
المسلسل السعودي العاصوف، للمخرج مثنى الصبح، يعتبر نقلة نوعية في صناعة الدراما الخليجية، ليس بسبب قصته الجدلية، التي أثارت ما أثارته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل لأنه يعتبر من الأعمال الرمضانية النادرة في هذا العام تحديداً، التي تستحق وصف التكامل، وهنا نتحدث عن العناصر الفنية التي اجتمعت في العمل الواحد، من سيناريو وحوار، وبناء درامي، وإخراج، وإضاءة وصوت وتمثيل لكل اسم ظهر على شارة المسلسل، استطاع أن يترك بصمته وقدرته على أن يكون على قدر هذا المستوى.
بين أروقة كوادر العمل، ثمة مكان تظهر فيه الممثلة السعودية ليلى سلمان في شخصية «هيلة»، هذا المكان الذي لا تبرحه إلا نادراً، هو أقرب إلى المجلس، تتربع وسطه، تستقبل الأحباء فيه، تبث كل مشاعرها من فرح وحزن وغضب، بأداء يعتبر الأهم في مسيرتها الفنية.
سنتحدث عن هيلة أم محمد، الذي أدى دوره عبدالعزيز السكيرين، ومحسن الذي أدى دوره عبدالإله السناني، وخالد الذي أدى دوره بطل العمل ناصر القصبي، وسارة التي أدت دورها زارا البلوشي، وبحضرة هيلة تدرك معنى الأسرة، ومعنى الأمومة، ومعنى الحكمة في كل قرار يتعلق بأبنائها، وهذا بديهي استطاعت ليلى سلمان أن تقدم هذه الشخصية بكل ما أوتيت من مشاعر.
لكن عندما تريد أن تجدها في حال مختلفة، لها علاقة بماضٍ خاص، وتفاصيل حياة، التقطها وهي بين أشقائها التي تجمعها معهم أجمل المشاهد من شدة طبيعيتها في الأداء، وردات الفعل على وجهها، عندما تضحك، خصوصاً في وجود شقيقها أبويعيش، الذي أدى دوره عبدالله الميزيني، وهو عملياً نكهة المسلسل إذا صح التعبير، فعندما يكون في مجلس هيلة، وحوله الأبناء والأحفاد، يبدأ بنسج قصص الخيال من رأسه، كفارس لا يهتز له سيف ولا رمح، تجد الضحكة المكبوتة في وجه واهتزاز جسد هيلة التي تكشف زيف حديثه، وتساندها شقيقتها طرفة التي أدت دورها بإتقان الممثلة السعودية ريماس منصور، فقد استطاع مجلس هيلة أن يكون من المشاهد المنتظرة، وهو الذي لا يمكن أن تمر حلقة من دونه. تدرك هيلة أنها الحلقة الأقوى، التي تجمع كل الاختلاف الذي يعيش حولها، والمتجسد عملياً في شخصيات أبنائها الذكور، تدرك أنها الوحيدة القادرة على أن تلملم هذا التشتت، وهي التي لا يمكن رد كلمة تقولها أو أمر توجهه، هي البسيطة القوية، الحنونة القاسية، المحبة النافرة، التي من خلال دورها تعرف كل يوم معنى الوطن، نعم هيلة من خلال دورها في العمل تشبه الوطن بعلاقة الجميع باختلافهم نحوه.
السعادة بادية على الممثلة ليلى سلمان وهي تؤدي شخصية هيلة، وهي سعادة من السهل لمسها لصدقية الأداء، والجهد الذي تبذله بحب كي تقدم نموذجاً، هي عاشت تفاصيله الحقيقية يوماً ما، خصوصاً أن العمل تناول السعودية في فترة ما بين 1970 إلى 1975، لذلك ثمة مشاعر تستشعرها في لقطات محددة، في المنزل القديم، واللون المائل إلى التراب، والسكينة وصوت أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبده يصدح من مكان ما، في ظل كل هذا عندما تمر الكاميرا على وجهها تتأكد أنها جزء من حكاية عاشت تفاصيلها يوماً ما، من خلال لمعة عينها التي لم تبرحها أبداً في كل مشهد ظهرت فيه.