الألعاب الإلكترونية والأطفال.. المطلوب الترشيد وليس المنع
لم ينتهِ الجدل، الذي أحدثته دعوة مجموعة من الأسر الإماراتية إلى منع الألعاب الإلكترونية عن الأطفال، بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، ففي وقت يرى فيه البعض أن الألعاب الإلكترونية باتت مضرة للأطفال نفسياً وجسدياً واجتماعياً وسلوكياً، وقد تسبب الاكتئاب والإدمان وتراجع الذكاء الاجتماعي لديهم، وتعزلهم عن أقرانهم في الحياة الحقيقية، يرى الطرف الآخر إيجابيات أكثر من السلبيات، لدورها في تنمية مدارك الصغار ومواهبهم، مشترطين وجود رقابة أبوية وتقنين ساعات اللعب، لتحقيق المنفعة المرجوة.
وفي وقت تستعد فيه حملة سلامة الطفل، إحدى مبادرات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، إلى الإعلان عن نتائج دراستين ميدانيتين، نفذتهما الحملة حول السلامة الإلكترونية للصغار على مستوى إمارة الشارقة: (الأولى تستهدف قياس وعي الأسر بمفهوم الأمن الإلكتروني، والثانية تستهدف طلاب المدارس أنفسهم)، وتتنامى الحاجة إلى تعزيز وعي الأسر والأطفال بالاستخدام الرشيد للألعاب الإلكترونية، بحيث يتلاءم محتواها مع فئاتهم العمرية، ويتم التحكم في بعض خواصها، مثل غرف الدردشة ومكالمات الفيديو، حتى يكون الأطفال بمنأى عن أي تهديد لخصوصيتهم وبراءتهم.
وفي السياق، قالت هنادي صالح اليافعي، مدير إدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، رئيس اللجنة المنظمة لحملة سلامة الطفل، إن «الجدل حول تأثير الألعاب الإلكترونية في الأطفال مفيد، وسيفضي إلى نتائج إيجابية طالما أن مصلحة أطفالنا وأمنهم هي الغاية. فنحن لسنا ضد التقنيات الحديثة بالمطلق، لكن علينا ترشيد استخدامها لنحظى بفوائدها ونتجنب مضارّها، والجدل حول فوائد ومضار التكنولوجيا ليس دعوة للانعزال عن الحداثة، ولنتذكر منتدى دافوس الأخير، الذي شهد جدلاً واسعاً حول مخاطر الثورة الصناعية الرابعة، ودعوات لضرورة توظيف مخرجاتها بما يخدم البشرية ويحقق مصالحها».
وأضافت اليافعي: «الإمارات تحرص على حماية الجيل الجديد من مخاطر هذا النوع من الألعاب، ففي أبريل الماضي أكدت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات أنها تحجب أي مواقع أو تطبيقات تحرض الأشخاص على ارتكاب جرائم، أو تحرضهم على الانتحار تبعاً لسياسة النفاذ إلى الإنترنت المعمول بها في الدولة، ونحن نثمّن عالياً تلك الجهود وندعمها من خلال حملتنا التوعوية، لترشيد الاستخدام الآمن لغرف الدردشة، حيث يتبادل المستخدمون الأفكار والمفاهيم، التي تروجها بعض الألعاب الإلكترونية».
وفي مارس 2017، أطلقت حملة سلامة الطفل دورتها الثالثة، تحت شعار «صغارنا آمنون إلكترونياً»، بهدف توفير بيئة إلكترونية آمنة للأطفال، وتعزيز الممارسات المثلى للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على ضوء الدراسات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومفادها أن نحو مليون شخص حول العالم يقعون ضحية لجريمة إلكترونية كل يوم، أي 14 ضحية كل ثانية، كما يحدث يومياً ما يصل إلى 80 مليون هجمة قرصنة، وبلاشك فإن الأطفال يشكلون الحلقة الأضعف بين الفئات الأكثر عُرضة لهذا النوع من الجرائم، نظراً إلى صغر سنهم، وقلة تجربتهم وخبرتهم في الحياة.
ممارسات غير سليمة
اليافعي أضافت «من الطبيعي أن ينجذب الطفل للألعاب الإلكترونية، كونها تتمتع بصفات جذب حسيّة وبصرية، تنسجم مع حبه للاستكشاف وتجربة كل ما هو جديد، خصوصاً في مراحل الطفولة المبكرة، حيث لا يميز الطفل الواقع من الخيال، أما في سن المراهقة فإن هذه الألعاب تحمل تأثيراً نفسياً أكبر، نظراً لأنها تجمع بين الصوت والصورة والحركة، ويعتبرها المراهقون واقعاً يتعايشون معه، وهنا قد تبدأ بعض الممارسات السلبية، التي يمكن أن يقلّدها الطفل وترتبط بزيادة مستوى العنف لديه، مقارنة مع أقرانه».
وأضافت: «المشكلة الرئيسة في الألعاب والتطبيقات الإلكترونية تكمن في أنها تعزل الأطفال عن محيطهم الاجتماعي، في حال ممارستها بصورة غير رشيدة لساعات طويلة، كما أنها تقلّص تجاربهم الحياتية الحقيقية، وتبني خيالاً وذاكرة افتراضية بديلة عن الحياة الواقعية، التي يحتاج الطفل إلى ممارستها بكل تفاصيلها، من أجل بناء شخصيته وتنمية قدراته على مواجهة التحديات». وتابعت: «هناك نوعية من الألعاب الإلكترونية لا تصلح بالمطلق للأطفال، مثل الألعاب التي تدعو إلى العنف والقتل والتحريض على ارتكاب الجرائم، وازدراء الأديان والقيم وإيذاء النفس، فهذه الألعاب تنمي في نفس الطفل التنافس الضار، وتعزز لديه الرغبة في القضاء على الآخر من أجل الفوز، وهذا يختلف تماماً مع رغبتنا كآباء وأمهات في تعزيز المنافسة البناءة القائمة على التعاون مع الآخرين لتحقيق الإنجاز».
وأكدت اليافعي أن «الألعاب الإلكترونية تعزز سطوة الثقافات الغربية على المجتمعات المحلية، وتُدخِل على أطفالنا أخطر ما يمكن أن يكتسبوه، وهو القيم التي قد لا تتناسب مع معتقداتنا وعاداتنا وأخلاقنا، كما أنها تعدّ باباً للإدمان، والهدر الاقتصادي في حال زاد الإنفاق عليها على الحد الطبيعي، لذا يتوجب علينا كأولياء أمور أن نكون يقظين لكل ما يستخدمه أبناؤنا من ألعاب، وأن ندرك الفرق بين الحداثة والتطور من ناحية، وبين السلبيات التي تنتج عن هذه الحداثة من ناحية ثانية».
وشددت اليافعي على أنه يتعين على أولياء الأمور توعية أطفالهم والتحاور معهم وتثقيفهم بما يتناسب مع أعمارهم، وتعزيز الثقة بينهم، إذ إن الوعي هو الحصن الواقي لصغارنا من أي مخاطر أو تهديدات إلكترونية، كما يجب على أولياء الأمور تفعيل أدوارهم الرقابية، ومشاركة أبنائهم في اختيار الألعاب المناسبة لهم.
هنادي اليافعي:
«الجدل حول تأثيرها في الأطفال مفيد، وسيفضي إلى نتائج إيجابية، فأمن أطفالنا هو الغاية».
«لسنا ضد التقنيات الحديثة بالمطلق، لكن علينا ترشيد استخدامها، لنحظى بفوائدها ونتجنب مضارّها».
«مليون شخص حول العالم يقعون ضحية لجريمة إلكترونية كل يوم، والأطفال هم الحلقة الأضعف».