مشاركون من 34 دولة التقوا في الشارقة لإعادة الاعتبار للحكاية الشعبية
حكّاءات عربيات: الأجهزة اللوحية سرقت الأطفال من «الخراريف»
«الحكواتي» في بلاد الشام، «القوّال» في مصر، «الحَجّاي» في السودان، «الحَلاَيقي» في الجزائر والمغرب، «الفداوي» و«الخرّاف» في تونس.. تتعدد التسميات التي تطلق على رواة الحكاية الشعبية، الذين التقوا تحت سماء الشارقة، ومثل فرسان الخرافات والأساطير، جاؤوا من 34 دولة من أنحاء العالم، ليشاركوا في ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته الـ18.
«الإمارات اليوم» تجولت بين الرواة لتستمع إلى حكاياهم بلهجاتهم ولغاتهم وأدائهم المميز، محاولين أن يعيدوا للحكاية الشعبية اعتبارها، كونها من أهم العناصر التي تنطق بلسان التراث في كل دولة، وتحفظ تاريخ الآباء والأجداد.
الحكاؤون طالبوا عبر «الإمارات اليوم» بإنشاء رابطة دولية تجمع الرواة من أنحاء العالم تحت مظلتها، طامحين إلى أن يكون هناك أكاديميات متخصصة لإعداد جيل جديد منهم، بشكل يناسب طبيعة العصر الذي يعيش فيه الإنسان اليوم، ما يسهم في المحافظة على هذا الفن الشفاهي الذي تربَّت عليه أجيال قاومت اندثاره.
كما دعوا إلى دعم الحكواتي، كونه المنقذ الذي يعيد الأطفال إلى الواقع والتاريخ، بعد أن سيطر الخيال الإلكتروني على عقولهم.
الجدة حكواتي البيت
عن مهنة الحكواتية وتأثيرها في أجيال كاملة تقول الراوية الإماراتية موزة راشد لـ«الإمارات اليوم»: «قضيت تسع سنوات في عالم سرد الحكايات وصناعة الدمى القطنية التي لم يكن يخلو منها بيت إماراتي، فمازالت كلمات وحكايات جدتي ووالدتي الممزوجة بصوتهما الحاني أسمعها وأحاول أن أرددها لأطفال اليوم ممن أقابلهم في المناسبات الوطنية والتراثية، فالأم هي الحكواتي الأول في حياة طفلها، وخرافة قبل النوم كانت جسر التواصل بينهما بعد عنائها في أعمال البيت طوال النهار».
وتوضح راشد: «مهنة الحكواتي تضرب بجذورها من مئات السنوات، فقديماً لم يكن هناك إذاعة أوتلفزيون، وكان الحكواتي أشبه ما يكون بهما، فالناس تعمل من أول النهار وتجتمع في المجالس بعد المغرب، ويكون هناك جلسة مخصصة يتقدمها الحكواتي ويسرد القصص القديمة وسير أبطال الماضي عنترة بن شداد أو قيس وعبلة، وغيرها من القصص التاريخية التي تخرج بالعبر والموعظة، كما كانت الجدة هي الحكواتي لصغار العائلة، فمشهد جلوسها وهي تتوسط الساحات الفارغة في المنزل ويلتف حولها الأحفاد كان معتاداً في كل البيوت العربية، وهي ليست دخيلة إنما هي تراث وثقافة تنتقل بين الناس». وتكمل الراوية الإماراتية: «يتميز الحكواتي بقدرته على مسرحة القصة عبر تمثيل بعض أحداثها ورفع صوته وخفضه باختلاف المواقف والفرح في موقف الفرح والحزن عند موقف الحزن، وعندما يأتي وقت الذروة في القصة يقف ويقول نكمل غداً، فالحكاية الشعبية هي مروية نسجها الخيال الشعبي، وتداولها الناس جيلاً بعد جيل مضيفين اليها بعض التفاصيل، كلٌّ حسب بيئته وعرفه وتقاليده ودينه، فهي كانث بمثابة وسيلة للمعرفة والموعظة والتثقيف والتسلية لأجيال كاملة».
الحكواتي بطريقة معاصرة
أما الراوية الإماراتية أم عزان، فترى أن «ملتقيات الرواة التي تتبناها الشارقة بمثابة الناقوس الذي يدق ليلفت الانتباه إلى الحكواتية، وتعود الحكاية الشعبية الى مكانتها من جديد لتصنع لها نجوماً وجمهوراً، وتسلط الضوء على فن قديم سجل عودته إلى الحياة من جديد». وتتابع: «لكي يستطيع الحكواتي أن يسترد مكانته في القلوب وجب أن يكون للراوي شكل جديد يتماشى مع طبيعة العصر ومتغيراته التكنولوجية، كي يستطيع أن يحجز لنفسه مكاناً مميزاً بين وسائل التعليم والتربية القائمة على التسلية والترفيه، فالثورة الالكترونية جعلت الاطفال أسرى للحواسيب والالواح الذكية، لذلك يمكننا جذب جمهور الصغار من خلال الدمج بين عالم الصورة والضوء والالون والحكاية الشيقة والكلمة التي تلمس القلوب وتخاطب العقول، من خلال شاشات عرض كبيرة تكون خلف الرواي تبين الأحداث وهو يمزجها بصوته الذي يتلون ويمتزج تارة بالفرح وتارة بالحماس».
حكاية قبل النوم
الراوية المصرية الدكتورة لمياء توفيق، ترى أن «الحكواتي هو الوسيلة التي تعيد الابناء من جديد الى عالم الأحلام، والبعد عن العالم الافتراضي، خصوصاً في الدقائق القليلة قبل النعاس، حيث (حكاية قبل النوم) هي سبيلنا حتى لا نترك أبناءنا فريسة سهلة لمخالب التكنولوجيا التي سيطرت على عقول أطفالنا».
وتتمنى توفيق ألا يكون نشاط الحكائين مقتصراً على الفعاليات والملتقيات السنوية، مشيرة الى أن «عمل الرواي قديماً كان يتواصل على مدار السنة كلها، لكن خصوصيته المميزة كانت في شهر رمضان المبارك، فكانت جلسات الحكواتي هي الملاذ بعد صلاة التراويح كل يوم».
مقومات الراوي
تحدد الراوية التونسية آمال أبوطبة مجموعة مقومات للحكواتي ليكون ناجحاً ومتميزاً وقادراً على القيام بمهمته في مختلف الازمان والعصور، والتي أهمها «الخبرة ومهارة سرد الروايات، والتوقف عند نقطة حساسة في القصة يؤجلها من باب التشويق إلى اليوم التالي»، مضيفة أن «هذا ما يجعل الجمهور شغوفاً ومتشوقاً لمعرفة التفاصيل وبقية الحبكة بلهفة، بجانب ضرورة تمتعه بفنون الإلقاء والسرد والصوت الجهوري، كما عليه أن يختار حكايات عمادها القيم والفضائل والشجاعة التي كانت تتسم بها الشخصيات والملاحم».
وتضيف بوطبة «نحن الرواة المعاصرين نسعى إلى أن تكون الحكاية الشعبية الوسيلة الامثل للتأهيل والإعداد لدمج الفرد الصالح في المجتمع، من خلال إحياء فن الراوي وإدخال بعض العناصر الجاذبة له مثل خيال الظل، والدمى، ومسرح الجسد، والأقنعة، كما يقع على عاتقنا جميعاً نفض الغبار عن تراثنا، أي إخراج التراث من الحالة المتحفية إلى المستقبل، فالتراث قادر على مد الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news