عفراء المنصوري.. 50 عاماً في تربية الإبل وصداقة النوق
بين النوق والإبل تقضي أيامها، وعلى أصوات هديرها تعلمت فنون الصبر، شعارها الذي جعلها عاشقة لـ«الحلال» أن «الإبل إذا حلبت روت، وإذا نحرت أشبعت، وإذا حملت أثقلت، وإذا عشقت أوفت».
هي المواطنة الخمسينية، عفراء محمد خلفان المنصوري، أول إماراتية في الوثبة بأبوظبي تملك الإبل وترعاها وتشرف على تربيتها بنفسها، وتذهب بها إلى الأسواق لبيعها، أو للمشاركة بها في المهرجانات الشعبية التي تشهدها الدولة سنوياً.
صديقة وفيّة
تقول عفراء المنصوري لـ«الإمارات اليوم»: «أنا من أولى النساء المتخصصات في رعاية الإبل بالدولة، وعشقي لتربيتها لم يأتِ من فراغ، إذ نشأت في عائلة تهتم بالإبل وتربيها، لذلك أنا قريبة منها، قضيت سنوات طفولتي وشبابي بينها، وتعلمت أصول تربيتها وأسرارها على يد والدي».
تضيف المنصوري «في جوف الليل البارد أبدأ يومي، حيث أناجي صديقتي (مريحة) وأفضفض لـ(عطية) بهمومي، وتعلمني (واضحة) الصبر وتحمل الشدائد، (مريحة) و(عطية) و(واضحة) هي أسماء النوق التي أمتلكها وأقوم برعايتها بنفسي طيلة اليوم، اخترتها واعتبرتها رفيقة الدرب وصديقة وفية أسرد لها أسراري ومشكلاتي وتسمعني من دون كلل أو ملل».
وتكمل «منذ اليوم الأول الذي اخترت أن تكون تربية الإبل عالمي، أدركت أن دربي غير ممهد بالورود، فالمنافسة شرسة والمشوار طويل، في مجال طالما كان حكراً على الرجال، ولكن منذ أن طرقت هذا الباب حرصت على تعلم كل كبيرة وصغيرة في فنون وأسرار اقتناء وبيع الإبل، وأصبحت من أولى الإماراتيات اللائي اقتحمن مزاين الجِمال».
وتروي عفراء «في الساعة الثالثة فجراً أبدأ رحلتي مع (البوش) بالاطمئنان عليها، ثم ترويضها في الصحراء لبعض الوقت، وهذا أمر ضروري للحفاظ على صحة الإبل وسلامتها، وعقب ذلك أقدّم لها الطعام، وأنظفها وأغسلها بيدي، وأقدم لها الماء، وأُلبسها وأضع عليها علم الدولة، حلمي الوحيد أن أنجح في مهمتي التي وهبت لها حياتي، لأمثل دولة الإمارات محلياً ودولياً في عالم سباقات ورعاية الإبل». وتضيف بفخر: «أنا ابنة الصحراء، أعشق رمالها وترابها، لذلك جعلت من مزرعتي قِبلة لمحبي الإبل، ولاستقبال السياح والضيوف، حيث أحاول أن أقدم الموروث الإماراتي مع أطباق العيوش والمكبوس والبرياني، وكل رشفة حليب، لأعرف ضيوفنا على عاداتنا المحلية في حسن الاستقبال وكرم الضيافة».
رفيقة الدرب
تشير عفراء إلى أن «للإبل فوائد أخرى غير تلك التي نتباهى بها في المسابقات، فحليبها يستخدم في معالجة عدد من الأمراض، ولذلك أحبها أهلنا وعشقوها، لأنها كانت رفيقة الدرب لهم، ومعينهم في الحياة القديمة، فهي وسيلة نقل ورفيق درب في الصحراء الموحشة، ومصدر للحم واللبن والوبر، ودواؤهم في مرضهم».
وعن أهم التحديات التي واجهتها، كونها امرأة تغزو مجالاً ظل لسنوات طويلة حكراً على الرجال، تجيب المنصوري «أعشق هذه المهنة، ولا أشعر بأن هناك فارقاً بين الرجل والمرأة في هذا المجال، ففي بداية الطريق كنت لا أجد من يساعدني في بعض أمور الرعاية أو أثناء تجولي بناقاتي خارج المزرعة في الصحراء».
أما بخصوص نظرات الرفض لوجودها في عالم اقتناء وبيع الإبل، فتقول المنصوري «لا أنكر أن تلك النظرات السلبية الممزوجة بالدهشة والرفض موجودة أحياناً، عندما يراني بعض الرجال أتجول بالبوش في الأسواق أو أشارك بها في الفعاليات الوطنية والفلكلورية، ولكني أفخر بما أقدمت عليه وأتمسك بمهنتي التي اجيد كل فنونها، ولذلك كان زوجي، رحمة الله عليه، يحرص على مرافقتي في كل جولاتي، ولكن بعد وفاته عزمت على ألا أسمح لتلك النظرات بأن تعيق مسيرتي في مجال أعشق كل تفاصيله».
دروس من العِشرة
وحول الصفات التي اكتسبتها من الإبل، تضيف المنصوري «الصبر والجلد، والمثابرة والكتمان، والحكمة والاعتماد على النفس، فنون يكتسبها من يتعامل مع الجِمال، واجهت الكثير من الأزمات التي يمكن أن تهدّ الجبال، بدأت بفقدان زوجي ورب أسرتي، ثم حادث مرير مر به اثنان من أبنائي، ولكن عشرتي مع النوق جعلتني لا أعترف بالنهايات، بل أتمسك بأن أبدأ من جديد». وتتابع «لا أنسى تلك الليلة التي قصدت فيها مزرعتي لأفضفض لناقتي (عزيل) همي، لتحتضنني وتمدني بطاقة إيجابية جعلتني أواصل طريقي بكل عزم وقوة وثبات لأتمكن من إكمال دراستي الجامعية، وكذلك الحصول على درجة الماجستير والدكتوراه في تكنولوجيا العلوم وتطوير المناهج، وأكمل مهمتي كأمّ، حتى تمكنت من تربية تسعة من الأبناء أكملوا دراساتهم الجامعية، ويعملون الآن في مناصب قيادية بالدولة، وأتم الخالق علي نعمته وكرمه بأن رزقني بستة أحفاد ينيرون حياتي بالأمل والتفاؤل». أما عن أحلامها وطموحاتها المستقبلية التي تسعى لتحقيقها خلال الفترة المقبلة، فتقول المنصوري: «أطمح أن أدخل عالم تدريب الإبل وتأهيلها للسباقات الدولية، وأتمنى أن أكون نجحت خلال تجربتي في عالم اقتناء وبيع الإبل في نقل رسالة مهمة للجميع، بأن نساء الإمارات قادرات على العطاء في كل المجالات، وأنه لا عيب ولا خجل من العمل طالما كان شريفاً وقائماً على الإيمان بنبل وسمو الهدف، وأتمنى أن أكون مثالاً للجيل الجديد ليتمسك بمهن وحرف الأجداد، فهي فخر ووسام فوق صدور أبناء الإمارات».
أسماء
تشرح عفراء المنصوري، في وصف أنواع الإبل، أن هناك العديد من المسميات التي تطلق على الإبل في مراحل نموها المختلفة، التي تختلف بحسب الأشهر والسنوات، ففي الأيام الأولى من عمر الولادة يطلق على المولود مسمى «حوار»، وأحياناً يطلق على المولود الذكر «قعود»، والأنثى «بكرة»، وبعد أن يكمل الشهر السادس يطلق عليه اسم «مخلول» إلى عمر السنة وأثناء هذه المدة يفطم عن الرضاعة من أمه، ومن ثم يطلق عليه «مفرود»، وفي هذه المرحلة يفرد عن أمه، وبعد ذلك تطلق عليه مسميات أخرى ومنها «لقى» إذا التقى بأخيه الذي يأتي من بعده، وبعد أن يصل المولود إلى عمر اربع سنوات يطلق عليه مسمى «الجذع»، ثم «النصوف» و«الفاطر».
- أكملت مهمتي كأمٍّ.. وربيت تسعة من الأبناء يعملون الآن في مناصب قيادية.
- واجهتُ أزمات تهدّ الجبال، لكنني تعلمتُ من الجِمال المثابرة والجلد والكتمان والحكمة.
- في جوف الليل البارد أناجي صديقتي «مريحة» وأفضفض لـ«عطية» بهمومي، وتعلمني «واضحة» الصبر وتحمل الشدائد.