أكلة «سينابون» غيَّرت حياة عائلة مواطنة لتفتح مطعماً
أسرة مواطنة من أبناء إمارة رأس الخيمة، قرّر أفرادها تحدّي «ثقافة العيب وغير المألوف وغير المعتاد» بافتتاح مطعم لطهي «المأكولات الشعبية» بلمسات إماراتية، بحيث يتولى كل منهم مهمة تتناسب مع مهاراته. لتكون أسرة المهندس راشد الشميلي نموذجاً للأسر الإماراتية الإيجابية التي تقدّر أهمية العمل وقيمته، حتى إن كان بسيطاً، لتنجح الأسرة في الإشراف على إدارة المطعم والعمل فيه، والقيام بكل المهام المسندة اليها على أكمل وجه، بدءاً من إعداد محتوى قائمة الطعام، مروراً باستقبال وتقديم الطلبات للزبائن، من كل الجنسيات العربية والغربية التي تقطن في الإمارة.
«الإمارات اليوم» توجهت إلى مطعم (مغطي وسرود)، لتتعرف إلى تفاصيل حلم هذه الأسرة المواطنة، والاطلاع على مغامرة أفرادها الذين قرروا خوض التجربة، آملين أن تكون فكرة مشروعهم البسيطة نقطة انطلاقهم في عالم ريادة الأعمال.
وفي مدخل المطعم استقبلنا مالك المطعم ورب الأسرة المهندس راشد الشميلي، وزوجته مديرة المطعم عائشة الحسوني، وابنته آمنة راشد، بثوبهم الوطني، وابتساماتهم التي لا تفارق وجوههم، التي يعتبرونها من أهم قواعد الضيافة الإماراتية.
البداية
راشد الشميلي الذي يعمل صباحاً في إحدى المؤسسات الحكومية والحاصل على درجة الماجستير قال لـ«الإمارات اليوم»: «جاءتنا الفكرة بالمصادفة، عندما طلبت ابنتي آمنة من والدتها أن تصنع لها حلوى (السينابون) التي لا توجد محال في إمارة رأس الخيمة لبيعها، واستجابت زوجتي للطلب، ولكن المفاجأة أنها أجادت صنع هذه الحلوى، وفي كل مرة تبدع بإضافة لمسة جديدة ومميزة».
ويتابع: «لاقى السينابون الذي تصنعه زوجتي استحسان كل من تذوقه من أصدقائنا وجيراننا، ما شجع زوجتي على الاستمرار والإبداع فيه، وأضافت نكهات ومذاقات لا تعرفها هذه الحلوى الغربية».
ويضيف الشميلي أنه لإيمانه بموهبة زوجته في صناعة الحلوى والمأكولات الإماراتية شجعها على المشاركة في المعارض المخصصة للمأكولات التي تقام على مستوى إمارة رأس الخيمة، ثم توجهت لإعداد الأطعمة الشعبية المنزلية وعرضها عبر الزوايا المخصصة في المهرجانات التراثية للأسر المنتجة، التي تتبناها الإمارة سنوياً.
ويقول إن تطور زوجته في صناعة السينابون، والعديد من الحلوى المحلية كالعصيدة والخبيص، شجعه على أن يعرض عليها فكرة افتتاح مطعم متخصص بحلوى (السينابون)، ولكن بنكهات محلية تجعله مميزاً بمذاقاته المختلفة، وكان (سينابون البلاليط) و(سينابون الخبيص والزعفران) نقطة انطلاقهم في عالم صناعة الحلوى.
ويوضح الشميلي أنه تقدم بدراسة جدوى لصندوق الشيخ خليفة لدعم مشاريع الشباب، ونالت فكرته (سينابون بالنكهة المحلية) إعجاباً كبيراً من قبل المشرفين علىى الصندوق، ما جعله وأسرته يتمسّكون بحلمهم، لتكبر مخططاتهم بالتأسيس لمطعم شعبي ينشر كرم الضيافة الإماراتية، ويقدم أشهى أطباقها، بحيث يتولى كل فرد منهم مهمة معينة للإدارة والإشراف على متابعة العمل في المطعم.
ويستطرد رب الأسرة وصاحب الفكرة والمطعم أنه تم توزيع مهام العمل بينهم، حسب المهارات التي يجيدها كل فرد، فتولى هو مسؤولية استخراج الأوراق والتصريحات اللازمة لانطلاق المشروع، أما زوجته (أم سالم) فكانت مهمتها إعداد الوجبات الشعبية والحلوى بنفسها، كما أسندت مهمة إعداد المشروبات لابنته مزنة التي تجيد صنعها، أما إدارة الحسابات فكانت من نصيب ابنته الطالبة الجامعية آمنة، كما تولى ابنه سالم مسؤولية توصيل الطلبات الخارجية ومتابعة كل شؤون المطعم الخارجية.
نظرة المجتمع
عن نظرة المجتمع له، ومدى التقبّل لفكرة عمل أفراد أسرته في المطعم يقول الشميلي إنه «منذ اللحظات الأولى لعمل أسرتي، خصوصاً زوجتي وابنتيّ معي في المطعم، أحاطتنا نظرات الدهشة من جيراننا وأقاربنا، ليزداد استغرابهم عندما رأونا نعمل بأنفسنا، حيث تقف زوجتي في المطبخ وسط العمال يحيطها العجين والخضراوات واللحوم والأواني الساخنة، وتعمل لساعات طويلة دون راحة لإعداد قائمة المأكولات المطلوبة يومياً، وأبناؤنا يقفون لاستقبال الزبائن ويأخذون منهم الطلبات بأنفسهم».
ويضيف: «البعض ظن أننا نواجه أزمة مالية اضطرّتنا للعمل في هذا المشروع البسيط، لكن بمرور الوقت اعتاد الجميع على عملنا، وتحولت نظراتهم من الإندهاش إلى إعجاب وتشجيع وتقدير، حتى إن كثيراً من الأسر المواطنة المحيطة بنا يضربون المثل بنا أمام أبنائهم في الجد والكفاح وتقدير قيمة العمل».
سينابون زعتر وبلاليط
«نظرات الإيجابية شجعتنا، ونظرات الاستهجان والاستنكار لطبيعة عملنا، لم نُلقِ لها بالاً»، هكذا بدأت الزوجة ومديرة المطعم عائشة الحسوني (أم سالم) حديثها قائلة: «لن ننسى حين جاء لزوجي أحد معارفنا ونصحه بترك هذا العمل وتسليمه لبعض العمال، وحاول أن يذكّره بأنه مهندس وذو مركز اجتماعي مرموق، وعليه أن يقلع عن ممارسة هذا النشاط، بل واتّهمه بأنه يسيء لنفسه ولأسرته، كونه رضي لنا بالعمل في هذه المهنة المتواضعة، ونصحه بطرق باب عمل أفضل يحفظ لنا كرامتنا، حسب قوله». وتضيف (أم سالم) أنهم «حرصوا على أن يكون ردهم على هذه النظرات السلبية بشكل عملي، من خلال النجاح والتميز في مشروعهم، فسعادتهم لا توصف عندما يرون أن حلمهم المشترك رأى النور، وأصبحوا يجنون ثمار نجاحه، ويضرب بهم المثل في الإيجابية، ليصبح مطعمهم البسيط مقصد كثير من مشاهير السوشيال ميديا والفنانين الذين يشهدون لهم بالتفوق في ما يقدمون من حلوى غربية بنكهات إماراتية، ومأكولات شعبية محلية».
وتكمل: «خلال شهور قليلة جوَّدنا في منتجاتنا وأدخلنا عليها نكهات جديدة لا تعرفها صناعة حلوى السينابون الغربية، ومنها (زعتر سينابون) و(بلاليط سينابون)».
وتوضح (أم سالم) أن خبراتهم ازدادت وتضاعفت، شهراً تلو الآخر، وتميزوا بالمأكولات الشعبية الأخرى ذات المذاقات الإماراتية المميزة، التي زاد الإقبال عليها من كل الجنسيات التي تقطن إمارة رأس الخيمة، والذين يقصدون مطعمهم لإعجابهم الكبير بما يتم تقدمه من وجبات محلية وشعبية. وتكمل أنه يغلب على ديكورالمطعم الطابع التراثي، فكان العنصر الأساسي في التصميم هو السراريد، وهي المفارش التي تفرش على الأرض للجلوس عليها عند الأكل، والمصنوعة من سعف النخيل، ما يتناسب مع اسم المطعم (مغطى وسرود)، ليعكس تخصصه في الوجبات الشعبية.
وتضيف (أم سالم) أنها لم تتوقع الإقبال الكبير على المطعم، حيث أصبح مقصد كثير من الأسر المواطنة، وعشاق المطبخ الإماراتي، ففي أوقات كثيرة، خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع، تمتلئ طاولاته بالضيوف، ولا يجد الزبائن أماكن للجلوس.
تجربة نفتخر بها
الابنة الكبرى المسؤولة عن الحسابات آمنة راشد، وهي طالبة جامعية، عبرت عن سعادتها بتجربة عملها في مطعم أسرتها قائلة: «أتمنى أن تكون تجربتنا مثالاً حياً على قدرة أبناء الإمارات على النجاح في كل مجالات العمل، وأن أبناء الجيل قادرون على اللحاق بنا في قطاع البيزنس العائلي، والتمرد على الفكر التقليدي الخاص بحلم الوظيفة المكتبية، خصوصاً الذين يترفعون عن امتهان الوظائف المتواضعة، ويخجلون من العمل بأيديهم». وتكمل «نحاول أن نسهم من خلال مشروعنا البسيط في تغييرالفكرة السائدة عند البعض بأن الشعب الإماراتي أفراده مترفون، ولا يصلحون سوى للعمل وراء المكاتب».
ليس عيباً
وتتفق معها شقيقتها مزنة راشد في أن العمل الشريف مهما كان بسيطاً يرفع من شأن صاحبه، قائلة: «والدي غرس في عقولنا أهمية العمل، وأن النجاح يمكن ان يبدأ بمشروع بسيط، وأن الطموح والإرادة الحقيقية لا يعترفان بالمستحيل، ويكفينا كلمات الثناء على ألسنة زبائننا الإماراتيين والخليجيين الذين يعتبروننا قدوة إيجابية وعقولاً مستنيرة، ويثنون على تجربتنا، سواء أثناء حضورهم إلى مطعمنا أو على منصات التواصل الاجتماعي». وتتابع: «توليت مسؤولية قسم المشروبات، حيث إنني أجيد صناعة العصائر الطازجة والمشروبات الإماراتية بنكهاتها المختلفة، وأهّلتني والدتي للتعامل مع الزبائن، وكيفية أخذ الطلبات وتسجيلها، ورغم أنني واجهت بعض الانتقادات في بداية عملي، إلا أنني كنت واثقة بنفسي، وأن ما أفعله ليس عيباً، بل شرف أعتز به».
توزيع المهام
اختارت عائلة راشد الشميلي توزيع مهام العمل بينها، حسب المهارات التي يجيدها كل فرد، فتولى الأب استخراج الأوراق والتصريحات اللازمة لانطلاق المشروع، أما زوجته فكانت مهمتها إعداد الوجبات الشعبية والحلوى بنفسها، كما أسندت مهمة إعداد المشروبات لابنته مزنة، أما إدارة الحسابات فكانت من نصيب ابنته الطالبة الجامعية آمنة، كما تولى ابنه سالم مسؤولية توصيل الطلبات الخارجية.
الشميلي آمن بموهبة زوجته وشجّعها على المشاركة في معارض المأكولات.
«نظرات الإيجابية شجعتنا، ونظرات الاستهجان لم نُلقِ لها بالاً».
الأب:
«(مغطى وسرود) حلمنا الصغير الذي رأى النور، ولن نتخلّى عنه».
الأم مديرة المطعم:
«الهواية نعمة استثمرتها، وأفخر بوقفتي في المطبخ وسط فريق العمل».
الابنة الكبرى:
«تجربتنا ستشجع أسراً مواطنة على اللحاق بنا لعالم (البيزنس العائلي)».
الابنة الصغرى:
«أفخر بأنني طالبة جامعية صباحاً، وصانعة عصائر مساءً».