537 مبدعاً يسطرون «الفصل الأخير» على خشبة مسرح المجاز
رحلة «عاصمة الكتاب».. بدأت بألف ليلة وليلة
في أجواء فنية وإبداعية، عاشت الشارقة تفاصيل الملحمة الفنية التاريخية «ألف ليلة وليلة.. الفصل الأخير»، التي وصفت بأنها أضخم الأعمال الفنية في تاريخ الإمارات، وتروي سيرة التاريخ الإبداعي للأدب العربي والإنساني.
جاء العرض، الذي شهده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليشكل علامة فارقة، جامعاً بين التراث والتجربة الإنسانية التي جسدها 537 مبدعاً في الموسيقى والضوء والأداء والحركة من أكثر من 25 دولة عربية وأجنبية بحضور آلاف المشاهدين من مختلف الجنسيات العربية والغربية والآسيوية، وأقيم العرض على مسرح «جزيرة المجاز»، ضمن احتفاء الشارقة بتتويجها ونيلها لقب «العاصمة العالمية للكتاب 2019»، وتستمر العروض لغاية 27 الشهر الجاري.
وكان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، قبل العرض، قد دشن النصب التذكاري للشارقة العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019، وذلك بمنطقة المدينة الجامعية في الشارقة، بالقرب من نصب الشارقة عاصمة الثقافة العربية، ونصب الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية.
يتكون النصب - الذي عمل على تصميمه الفنان العالمي جاري جودا - من قطعة واحدة، ويتخذ شكلاً لولبياً يرتفع في السماء أكثر من 36 متراً، وهو تشكيل هندسي معاصر يتخذ شكل المخطوطة العربية القديمة، ونصب تذكاري يحتفي باختيار إمارة الشارقة «عاصمة عالمية للكتاب 2019» من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو).
سحر الخيال
جمع العمل الفني بين سحر الكلمة، وعذوبة الخيال، وقوة وحماسة الأداء ودقة الاستعراضات وفق تقنيات غير مسبوقة في العالم العربي، وتدور أحداثه حول حكاية شهرزاد التي طلبت من زوجها شهريار أن يجمع أبناءها، الأميرة فيروز، والأميرين أمين وقادر، لتوزع عليهم لفائف جلدية تحمل كل واحدة منها مهمة بجلب شيء محدد، لتكشف لهم بعد إنجاز المهمات بنجاح عن سر الحكايات التي روتها، وتقدم لهم خلاصات حكمتها ومعرفتها.
تضمن العرض سيرة ثلاث مغامرات خاضها أبناء شهرزاد، حيث أخذ الحضور إلى عوالم خيالية سردت فصلاً جديداً لأسرار الحب والحكمة والمعرفة، ويجوب بهم في رحلة ساحرة نحو البراري والوديان والجبال من تنفيذ «مالتبل انترناشونال» بالتعاون مع 7 فنجرز و«Artists in Motion» المتخصصين في مجالات التقنيات الصوتية والضوئية الاحترافية.
يبدأ العرض بعد أن يضرب البرق خشبة المسرح، الذي يخرج من أرضه طائر أسطوري ضخم إلى فضاء بحيرة خالد تاركاً ريشة خلفه، ليغطي جنيّ الحكايات سقف المسرح بضحكته وصوت السلاسل التي تقيد جسده.
أميرة الحب والأمل
القصة الأولى تدور حول الأميرة فيروز التي خرجت بمهمة إلى حديقة الدمع، حيث تجد أميراً يعيش حزناً وكآبة قاسية، بعد أن حلت على محبوبته لعنة حولتها إلى شجرة مقسومة إلى نصفين يعيش في كل نصف منها جانب من محبوبته، وتتجسد مهمة فيروز في فك تلك اللعنة للحصول على ما طلبته أمها، إذ تقنع الأمير الحزين بأنه يعاني كل ذلك لأنه لا يحزن سوى على نفسه ولم يحزن على محبوبته، فتخرجه من ذلك بقولها، عليك أن تتبنى الحب وتؤمن بالأمل والتسامح، ليبدأ برؤية شجرة محبوبته وتحريرها، فتلتئم الشجرة وتخرج محبوبته له، وتحصل فيروز على رحيق الشجرة بعد فك لعنتها، فتكتشف أنها حصلت على قارورة حبر.
أمير الشجاعة والعزيمة
يتواصل العرض مع حكاية الأمير قادر الذي تكلفه شهرزاد بالإبحار نحو الجزر الصامتة، حيث توقف الزمن، إذ يواجه مخاطر السفر في بحار هادرة وليالٍ عاصفة، ليكسر جمود الزمن ويلتقي بالكائن الأسطوري الذي سيهديه شيئاً عزيزاً عليه، وهناك يواجه الأمير العديد من المصاعب، ويتغلب عليها فيظهر له طائر الفينيق الأبدي الذي تقول الأسطورة إنه يولد من رماد احتراقه، وتتجدد حياته مع كل اشتعال، حيث يمنح الأمير ريشة من جناحه.
أمير المعرفة والحكمة
في المهمة الثالثة للأمير أمين يخرج نحو الوديان القاحلة للحصول على غرض يحوي المعارف التي يحلم المرء بامتلاكها، حيث يواجه هنالك جنياً غامضاً يرشده إلى غرضه، لكنه يشترط عليه الإجابة عن عددٍ من الأسئلة التي تكشف بديهة وفطنة الأمير، فيسأله الجني: «كلها تجرح لكن الأخيرة تقتل»، فيجيب الأمير (الساعة)، وتتواصل الأسئلة حتى يرشده إلى غرضه ويدخل الأمير في مكتبة ضخمة يصعد فيها على برج من الكتب، ليصل إلى الغرض الذي يكتشف أنه كتاب.
للحكاية بقية
في نهاية العرض، يعود أبناء شهرزاد إليها، لتخبرهم برسالتها الأخيرة، وتقول لهم، إن حكايتها الأخيرة هي حكايتهم هم، وإن ما حصلت عليه الأميرة فيروز هو الحبر، الصديق الدائم للريشة التي حصل عليها الأمير قادر، وهاتان الأداتان هما ما يملآن الغرض الذي يحوي المعارف كلها، الكتاب الذي حصل عليه الأمير أمين، فتطلب منهم أن يكتبوا حكايتهم، ليتواصل مشوار الكتاب والمعرفة.
تقنيات حديثة
أجمع الحضور من المتخصصين على أن العرض نجح في تحويل سينوغرافيا المسرح إلى ممثلين وعارضين يجسدون العوالم التي يعيش فيها الأبطال على إيقاع الضوء، بحيث تتبدل المشاهد بحركات احترافية ينفذها الممثلون على الأرض وعلى الحبال وهم يتسلقون أجساد بعضهم بعضا ويقدمون حركات فنية بهلوانية رياضية منظمة، بحيث يتبدل مكان العرض وزمانه بالضوء فيتحول من قصر بأعمدة وأقواس وحدائق وجنان، إلى أدغال موحشة وكهوف غائرة، ومن بحر هادر يعصف الموج به إلى قصر مهجور معتم ومظلم.
سينوغرافيا بانورامية
عبّر مخرج العرض سيباستيان سولديفيلا عن سعادته بمشاركته في عرض ألف ليلة وليلة الفصل الأخير، الذي أنتجه مسرح المجاز، ليكون فاتحة احتفالات الإمارة بنيلها لقب العاصمة العالمية للكتاب هذا العام، قائلاً: «كان جميع أفراد العمل يحلمون بيوم العرض ليروا ثمار تعبهم، وكانوا ينتظرون هذا النجاح الذي لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة مجهود استمر لاسابيع متتالية لعدد كبير من الموهوبين في الأداء والموسيقى».
ويكمل: «حاولنا أن نقدم للجمهور عرضاً مميزاً يعتمد على أسلوب السينوغرافيا البانورامية، من خلال المزج بين المشاهد البصرية الحيوية.
فنانو العالم
يذكر سولديفيلا أن «العرض شهد مشاركة نخبة من المبدعين والفنانين من كل أنحاء العالم من المكسيك والمملكة المتحدة والبرازيل وبيلاروسيا وسلوفينيا واليابان والولايات المتحدة الأميركية وكندا، كما شارك محترفون من كندا وفرنسا في التقنيات والإنتاج، بينما شارك موسيقيون ومغنون وممثلون وفرق تسجيل من الجمهورية التشيكية وهولندا وصربيا والجزائر وكندا ولبنان وأرمينيا والمملكة المتحدة، حتى يخرج العرض بصورته النهائية التي أشاد بها الحضور».
دعم الكتاب
يأتي اختيار اللجنة الدولية لعواصم الكتاب العالمية في اليونسكو «الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019»، تقديراً لدورها في دعم الكتاب وإرساء المعرفة كخيار في حوار الحضارات الإنسانية، واعترافاً بجهودها الكبيرة في مجال نشر ثقافة القراءة على المستويين العربي والدولي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news