«الدور».. شاهد أصيل على حضارة الإمارات
تزخر إمارة أم القيوين بالمواقع الأثرية التي تروي قصصاً تاريخية تجذرت أصولها منذ فجر التاريخ وأقدم العصور.. مواقع تحكي مجد الأجداد وما تركوه من قرائن تربط الأجيال الحاضرة والقادمة بتاريخ يمتد لآلاف السنين.
ومن أبرز المواقع الأثرية في أم القيوين موقع «الدور» الذي يعتبر من أهم المواقع الأثرية في دولة الإمارات بشكل خاص، ومنطقة الخليج العربي بشكل عام، وذلك لتعدد فترات الاستيطان البشري في الموقع والتي يعود أقدمها للألف الثالث قبل الميلاد، واستمرت حتى منتصف القرن الثالث الميلادي، وتعمل دائرة السياحة والآثار على إدراج الموقع ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو). الزائر لموقع الدور سيتعرف إلى تاريخ الاستيطان الذي شهدته المنطقة من خلال ما يضمه من عناصر معمارية شاهدة على حضارة المكان وقصص الاستيطان من خلال معالمه المشيدة من الحجر البحري، ومن أهمها معبد الدور الأثري «معبد إله الشمس».
ومعبد «إله الشمس» - أو معبد الدور الأثري - يقع في حوض تحيط به كثبان رملية من الناحيتين الشرقية والجنوبية، فهو المعبد الوحيد الذي يعود تاريخه إلى القرن الأول الميلادي، ووصف بأنه معبد الإله السامي «شمش» استناداً للحوض الحجري المكتشف فيه وهو حوض مستطيل الشكل يوجد عليه تسعة أسطر من اللغة الآرامية من بين الكلمات يظهر اسم «شمش» باللغة الآرامية، ومن الاسم تم الافتراض أن المعبد كان مكرساً لعبادة إله الشمس.
من حقبة «أم النار»
اكتشف معبد الدور عام 1987 من قبل البعثة البلجيكية التي ترأسها البروفيسور إيرني هيرنك، وامتاز المعبد بشكله شبه المربع، إذ تبلغ أبعاده 8.30 في 8 أمتار، وبعلو مترين إلى 2.30 متر، وله مدخلان الأكبر يقع في جهة الشرق، ويوجد على جانبيه مصطبتان يرجح أنه كان يوضع عليهما تمثالان لنسور مقطوعة الرؤوس من الحجر عثر عليهما بالقرب من المعبد، والمدخل الثاني جهة الغرب، وكسيت جدران المعبد الخارجية بالجص وأحاطت بمداخله الزخارف الهندسية، وتوجد كتلة حجارة ضخمة في وسط المبنى يرجح أنها جاءت أصلاً من أحد مدافن حقبة «أم النار» الألف الثالث قبل الميلاد، ووصفت بأنها مذبح وينتصب خارج المبنى أربعة مذابح أخرى مبنية من صخور شاطئية متوافرة محلياً، ما يفسر أن الطقوس الدينية مثل النذور والذبائح كانت تلعب دوراً مهماً في المنطقة. وتعرّض الموقع خلال السنوات الماضية لتآكل وانهيار بعض أجزائه، ما تطلب تدخلاً سريعاً للحفاظ عليه؛ فحرصت حكومة أم القيوين، ممثلة بدائرة السياحة والآثار، على القيام بعمليات ترميم المعبد وتقويته ومنع ضياع معالمه من خلال القيام بأعمال الترميم على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى في فبراير من عام 2016 واستمرت ثلاثة أسابيع، تلتها المرحلة الثانية في أبريل من العام نفسه واستمرت أسبوعين، والمرحلة الثالثة في ديسمبر من العام نفسه واستمرت ثلاثة أسابيع، وذلك بالتعاون مع وزارتي الثقافة وتنمية المعرفة وتطوير البنية التحتية والمركز الإقليمي للحفاظ على الممتلكات الثقافية في الدول العربية «مركز الآيكروم» في الشارقة.
ترميم
وساهمت عمليات الترميم في إعادة المعبد والمذابح المجاورة له إلى الحالة التي كان عليها حين الاكتشاف في ثمانينات القرن الـ20، وذلك بالاعتماد على الوثائق التاريخية والاختبارات العلمية والحقلية، بما يتوافق مع النواظم الدولية لحفظ التراث، إذ أجرى عدد من الخبراء من إيطاليا وبعض الدول العربية أعمال ترميم للمعبد وفق المعايير المعتمدة دولياً.
وعززت الاكتشافات الأثرية التي عثر عليها في المعبد معرفة الثقافة الدينية المتبعة في تلك الحقبة من التاريخ، إذ عثر على العديد من المكتشفات الأثرية داخل المعبد وهي مصباح برونزي زيتي روماني الصنع، إضافة إلى عدد من المباخر الفخارية مختلفة الأشكال والأحجام بالقرب من موقع المعبد، ودلت تلك الاكتشافات على الطقوس التي كانت متبعة داخل المعبد، فوجود المصباح الرئيس والمباخر دليل قاطع على هذه الطقوس، ورغم أنه لم يعثر على نص صريح مكتوب يؤكد هذه الحقيقة، إلا أن وجود هذه اللقى الأثرية يدل على تقديم القرابين مصحوبة للطقوس الدينية للإله «شمس»، فالثقافة الدينية هي ثقافة رافقت البشرية منذ نشأتها.
شجرة النخيل.. رمز
شملت الاكتشافات التعرف إلى أحفورة من خلال عينة أخذت من كتلة رمال محترقة أمام المعبد ساعدت على المقارنة مع مجموعة المراجع على التعرف إلى عينة لشجرة النخيل، ما جذب الانتباه إلى رمز النخيل في منطقة جنوب شرق الجزيرة العربية خلال أواخر فترة ما قبل الإسلام، واستنتج المهتمون من ذلك أن شجرة النخيل نمت في المنطقة منذ أزمنة عديدة؛ ما يؤكد قدرتها وملاءمتها للبيئة الساحلية ودورها في الطقوس.
وتحرص دائرة السياحة والآثار في أم القيوين على اتباع منهج صيانة دورية لضمان منع تردي حالة الموقع والمحافظة عليه.
1987
العام الذي اكتشف فيه المعبد من قبل البعثة البلجيكية التي ترأسها البروفيسور إيرني هيرنك.