محمد الحبسي: السياحة الأدبية مشروع حضاري مُلحّ
لم تفرض السياحة الأدبية حضورها على خريطة الوطن العربي بعد، إلا أنها تُعدّ واحدة من أبرز قطاعات السياحة لدى الكثير من الدول المتقدمة، هذا ما أكده مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي، الكاتب محمد الحبسي في حواره مع «الإمارات اليوم»، لافتاً إلى أن هذا النوع من السياحة «يعد مشروعاً حضارياً بامتياز»، كما أن «تفعيله في الوطن العربي مطلب مُلح، وطموح يجب أن يتحقق، نظراً لأهدافه الإيجابية التي ترتقي بالدول التي تتبناه كمشروع جاد، وتؤسس لاقتصاد إبداعي فاعل يضيف إليها الكثير».
الحبسي تحدث عن الفرق بين السياحة الأدبية والسياحة الثقافية، وقال: «هناك من يعتقد أن السياحة الأدبية هي الثقافية، ولكن هذا خطأ، فالسياحة الأدبية حالة متفردة بكل ما فيها، تتسم بالخصوصية من خلال تركيزها على المجال الأدبي تحديداً، ويمكن اعتبارها جزءاً من السياحة الثقافية الواسعة بمفهومها الشامل، حيث تتناول الثقافية زيارة المتاحف والآثار والاطلاع على تراث البلدان وعاداتها وتقاليد أهلها، إلى جانب أسلوب حياتهم وأنماط الفكر والثقافة المجتمعية السائدة، حتى إنها تصل إلى المأكولات الشعبية، وطرق التواصل في المناسبات المختلفة وفي الحياة اليومية وغيرها». ولفت إلى أنه بشكل شخصي يعمل على دراسة خاصة بالسياحة الأدبية، ليتقدم بها في وقت لاحق إلى الهيئة لبحث إمكانية تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع نظراً لأهميتها.
وأكد الحبسي أن التنفيذ الفعلي للسياحة الأدبية يكون من خلال ثلاثة أقسام، الأول يكون مع المعالم الخاصة بالكتّاب، كالمنازل الخاصة بهم والمقاهي التي يرتادونها، والأماكن التي شهدت ولادة النصوص والروايات، بينما يكون الجزء الثاني، في فضاءات الأعمال الأدبية، والتجوّل في عوالمها ومتاهاتها والأماكن التي تناولتها، ما يعمق النظرة إلى العمل الأدبي، ويوثق علاقة القراء به، مشيراً إلى أنه قدم رواية تناولت الكثير من الأماكن في رأس الخيمة، كالبيوت على الجبال، والأكواخ، والأنهر، ومن الممكن تخصيص مزارات لهذه الأماكن.
وأكد الكاتب الإماراتي أن الوجه الثالث لهذه السياحة، يكون بتخصيص أماكن للكتّاب، كأكواخ على الشطآن لا تتسع إلا لشخص واحد، يمكث فيها الكاتب كي يعيش الحالة التأملية، وهي خطوة يمكنها أن تجذب الكتاب المحليين أو من الخارج، وقد قامت دول عديدة بتنفيذها ومنها نيوزيلندا.
ونوّه الحبسي بأن السياحة الأدبية تحظى باهتمام كبير في الغرب، لافتاً إلى أن طريقة الترويج المميزة لها تسهم في جذب السياح بشكل لافت، حيث تمتلك الجهات المسؤولة عن هذا القطاع خططاً إعلانية ترويجية متكاملة مدروسة بعناية، تصل للأفراد أينما كانوا، وأضاف: «أثناء زيارتي لبريطانيا، لفتت نظري الإعلانات المميزة التي تدعو السياح إلى زيارة بيت أيقونة الأدب وليام شكسبير في مدينة ستراتفورد، ولم أتردد للحظة في اكتشاف موطن هذا الكاتب المبدع الذي يعد رمزاً ثقافياً بالغ الأهمية». ويستفيض الحبسي عن تفاصيل زيارته «فوجئت بأفواج سياحية هائلة تتردّد من مختلف أنحاء العالم على زيارة المكان، وقد دفعها الفضول لرؤية البيت الذي قضى فيه الكاتب سنوات طفولته وشبابه، وكان شاهداً على حالة إبداع أدبية متفردة». ويلفت الكاتب الإماراتي إلى أن طريقة الترويج كانت مدهشة بالفعل، إذ برع المرافقون السياحيون في تقديم المعلومات كافة حوله، والإجابة عن جميع الأسئلة، إلى جانب التعرف على طقوسه الكتابية، والتجوّل في حديقة منزله وملامسة أزهار المنزل، ورؤية غرفته والزوايا الخاصة التي كان يجلس فيها للتأمل والكتابة.
الحبسي أشار أيضاً إلى أن ستراتفورد أصبحت مدينة سياحية متميزة، يزورها الملايين بشكل سنوي لرؤية بيت شكسبير تحديداً، وهو ما يؤكد أهمية السياحة الأدبية، وإقبال الناس عليها بشرط تقديمها بالشكل الصحيح، لافتاً إلى أنه عاش تجربة مماثلة في زيارة الأماكن التي جرت فيها أحداث رواية «شيفرة دافنشي» من المتحف إلى المقهى وغيرها من أماكن شهدت أحداث الرواية.
ويرى مدير إدارة الآداب بالإنابة في «دبي الثقافة» أن دبي تحظى بالكثير من الكنوز التي يجب أن تأخذ حقها من الاهتمام، مشدداً على أهمية إحياء السياحة الأدبية، لما تتضمنه من إحياء لرموز الأدب في الدولة، وإنعاش للاقتصاد الإبداعي الذي يعد واحداً من أهم مصادر الدخل في دول كثيرة. وذكر الحبسي أن الإمارات أنجبت رموزاً أدبية من كتاب وشعراء يستحقون أن تتحول بيوتهم إلى مزارات سياحية، كما تستحق أعمالهم الاهتمام بها وتسخيرها بشكل جاذب ضمن خطة تعزّز حضور السياحة الأدبية، ما يسهم في تعريف السياح بالإبداعات المحلية، ويؤسس لاقتصاد إبداعي فاعل يثري المشهد الثقافي، ويضيف إليه الكثير. ومن بين هذه الأسماء، الماجدي بن ظاهر أول شاعر نبطي على مستوى الخليج، الذي حقق شهرة واسعة وتوفي قبل 300 عام، وكان منزله في رأس الخيمة، مشيراً الى أنه إلى الآن توجد أطلال لهذا المنزل، وكذلك الملاح أحمد بن ماجد، الذي توفي في عام 1592، وكانت لديه أراجيز أدبية ذكر فيها الأفلاك والنجوم والرياح ومواسمها، ومنها ما يدرس في أوروبا، ولايزال جزء من بيته في رأس الخيمة. وكذا «متحف العقيلي»، الذي يضم منزل الشاعر مبارك بن حمد بن مبارك العقيلي، الذي شُيِّد عام 1923، في منطقة الرّاس بديرة، ويتبع الآن هيئة دبي للثقافة والفنون.
جمهور سياحي
أكد مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي، محمد الحبسي، أن الجمهور الذي قد ينجذب لهذه السياحة الأدبية ينقسم إلى فئتين، الفئة الأولى هي الفئة العامة من الشباب والعاشقين للروايات، إذ نشهد مرحلة انتعاش في القراءة في فئة الشباب، بينما الفئة الثانية هي الفئة المتخصصة، وهم الكتاب والأدباء. وأشار إلى أن التسويق الصحيح هو الذي يؤدي إلى نجاح هذا النوع من السياحة، ما يسهم في تعريف المواطنين والزوّار والسياح بالإبداعات المحلية.
«الاقتصاد الإبداعي من أهمّ مصادر الدخل في دول كثيرة، ويثري المشهد الثقافي».
«الإمارات أنجبت رموزاً أدبية من كتاب وشعراء يستحقون أن تتحوّل بيوتهم إلى مزارات سياحية».