طائر بشري بين غزة ودمشق وألمانيا

طارق الترك.. رقص تعبيري على حافة الموت

صورة

عرف الجمهور العربي طارق الترك، بعد مشاركته في برنامج المواهب «أراب جوت تالانت»، الذي شارك فيه من ألمانيا التي يعيش فيها ووصلها بعد رحلة مميتة، كيف لا وهو ابن مدينة غزة التي رحل عنها ليدرس في دمشق، لكن الحرب والأحداث الدامية في سورية جعلته يفكر بالهجرة كغيره من الملايين فوجد في قوارب الموت نجاته، واستطاع أن يصل إلى ألمانيا، ليبدأ صفحة جديدة وينسى كل ما مر به، ليجد في الرقص والتحليق طوق نجاة ووسيلة يبتعد بها بعيداً عن كل هموم الحياة، ووجد فيها نفسه ليصل إلى معنى الحياة.

وقال طارق الترك لـ«الإمارات اليوم»: «تستطيع من خلال الرقص على الواجهات وضع الاحتمالات في النجاة أو الرحيل، أما أن تكون نائماً هانئاً في منزلك وتموت إثر قصف فهذا هو الموت المؤلم، الذي ينهي حلماً في البال أو ابتسامة أب لابنته الشقية أو قبلة أم على جبين ولدها». لذلك وجد اختيار الرقص التعبيري على واجهات البنايات الشاهقة فرصة ليتصالح مع الحياة، ويقدم فناً جميلاً محفوفاً بالمخاطر وعلى حافة الموت، وكان يحلم بأن تكون الإمارات محطة له بحيث كانت تغويه بسبب بناياتها الشاهقة وتطورها، وكان له ذلك.


البداية

يعود الترك الذي وصل إلى مراحل مهمة في برنامج المواهب «أراب جوت تالانت» إلى بداياته «من مدينتي غزة، حيث نشأت وترعرعت، كنت ممارساً للرياضة منذ كان عمري ست سنوات، وحصلت على العديد من البطولات في رياضة الجمباز على مستوى فلسطين، ويعود الفضل الكبير في ذلك لوالدي ومدربي ماهر جودت الترك، ومدربي محمد خليل علوش»، وأضاف «وفي عام 1998 كان لي أول تجربة مسرحية في مسرح الطفل بمسرحية حارسة النبع للمخرج الفلسطيني حسين الأسمر، لكن بسبب الظروف الصعبة التي كنا نعيشها في مدينة غزة وطموحي الشخصي بأن أتطور في مجالي الفن والرياضة، وأيضاً إكمال دراستي غادرت غزة عام 2005، وبدأت في دمشق بدراستي الجامعية وتخصصت في الأدب الإنجليزي»، وقال عن بداياته في اكتشاف ذاته في دمشق «بدأت حياتي الفنية، حيث انتسبت الى فرقة مسرحية راقصة وشاركت مع هذه الفرقة بالعديد من الأعمال المهمة، وقدمنا عروضنا على مدار ثماني سنوات في العديد من البلاد العربية والعالمية».

الحرب

لم يعد الترك إلى غزة، وقرّر البقاء في سورية، حيث وجد احتواء ودعماً فنياً لشغفه، لكنه لم يتوقع أن يعيش حرباً ثانية، قائلاً «مع بداية الأزمة السورية تأثرت الأعمال المسرحية والفنية بشكل كبير وتوقفت العديد من العروض، ما دفعني إلى اتخاذ قرار الهجرة حيث غادرت دمشق عام 2012، متوجهاً الى بلدان عدة، قبل أن أقرر الاستقرار في ألمانيا عام 2013»، مؤكداً «تنقلت عبر قوارب الموت فأنا أضحك على تسميتها قوارب النجاة، هناك في وسط البحر تدرك معنى التمسك بالحياة، هناك تحديداً عندما نجوت نظرت إلى السماء وقررت أن تكون تلك وجهتي، لذلك أصبحت محلقاً».

الاندماج

عندما وصل الترك الى ألمانيا أراد أن ينخرط في المجتمع الألماني، وأن يكون فعالاً، مؤجلاً حلمه، قائلاً «في ألمانيا كانت البدايات صعبة للغاية بسبب العديد من الحواجز التي تواجه أي مهاجر في بلد جديد وثقافة جديدة، رغم ذلك استفدت من دراستي اللغة الإنجليزية في سورية، وعملت ما يقارب السنتين مترجماً لمساعدة اللاجئين مقابل بدل مادي بسيط جداً، خلال هذه الفترة تمكنت من إتقان اللغة الألمانية لتأتيني الفرصة الأولى لمتابعة حياتي الفنية فشاركت المغني الألماني الريغي الشهير Mellow Mark بأغنية Welcome Refugees، التي تحمل رسالة تضامنية مع اللاجئين في أوروبا»، وأضاف «تتالت المشاركات بأعمال فنية عدة في مجال السيرك والمسرح الراقص، لكن كان عندي هاجس بتقديم فن مختلف ومبتكر أستطيع من خلاله أن أبرز موهبتي كصاحب فكرة ومشروع فني جديد، ومن خلال ربط عناصر فنية عدة كالرقص والجمباز توصلت إلى تقنية فن الـVertical dance (الرقص العمودي)، وهي تقنية تمزج بين فن الرقص المعاصر والأكروبات الرياضية، إذ يتم تنفيذ حركات تحتاج للكثير من الدقة والتدريب والتركيز، وتنسيق عقلي وجسدي لتوحيد الحركات فتأتي

النتيجة لوحة فنية في غاية الجمال والإبداع».

التحليق

بعد أشهر من التدريب اليومي وإتقان الرقص على جدران أبنية بارتفاعات مختلفة، قام الترك بتدريب بعض الراقصين الراغبين في تعلم هذا النوع من الرقص، لتأتي مرحلة تأسيس فريق يكون جاهزاً لتقديم العروض، وبالفعل أسس مدرسة الرقص العامودي (الراقصون المحلقون)، قدم الترك من خلالها رقصاً منفرداً وجماعياً في عروض متنوعة في ألمانيا وخارجها، حيث نالت هذه العروض إعجاب كل من شاهدها، ووصفها بعض خبراء المسرح الراقص في ألمانيا بأنها بالفعل متفردة ومبتكرة لما تحويه من تكنيك عالٍ وتقنيات تحتاج للاحتراف والإتقان وروح المغامرة والتركيز الكبير تلافياً لأي إصابة، حسب تعبير الترك.

ومع كل هذا النجاح إلا أن الترك أراد أن يكون له الحضور عربياً، وتحديداً في الإمارات التي تشتهر بالمباني الشاهقة.


الإمارات الحلم

يؤكد طارق الترك، أنه عندما كان يشاهد الإمارات عبر شاشات التلفاز، كان يحلم بأن يرقص على جدران بناياتها الشاهقة، وكان محظوظاً - على حد تعبيره - عندما قُبل في المنافسة في «أراب جوت تالانت» الذي يصور ويبث من دبي: «كنت محظوظاً بأن يتم تقديمي إلى العالم العربي من خلال دعوتي إلى البرنامج لهذا العام، إذ وصلت إلى نصف النهائي وتركت أثراً كبيراً لامسته من خلال رسائل المعجبين وآراء المختصين في عالم المسرح والرقص والرياضة، وكنت فخوراً حيث تم وصفي في الكثير من المقابلات بأنني مبتكر هذا النوع من العروض في العالم، ما دفعني إلى تطوير عروضي وتقديم أفكار جديدة أريد من خلالها أن أوصل الكثير من القضايا الإنسانية ولفت الانتباه إليها».

أهداف

يضع الراقص المحلق طارق الترك أهدافاً في حياته يمشي عليها ويتمنّى تحقيقها، ومن ضمن تلك الأهداف «تقديم بعض العروض في دولة الإمارات على ناطحات السحاب، كذلك إقامة ورشات عمل عدة لتعليم الشباب الإماراتي الرقص العمودي، لما أعرفه عنهم من حبهم للمغامرة، خصوصاً إذا كانت هذه المغامرة مكتملة العناصر من اللياقة البدنية والحركات الجميلة والأفكار المتجددة.

 

تويتر