«البروفيسور».. حين يتحوّل اللص إلى بطل
يرى كثيرون أن أهمية موقع «نتفلكس» الأساسية، تتمثل في نقل السينما والدراما إلى هاتفك الذكي، لكن أهمية هذا الموقع تتعدى مفهومه التجاري بأنه استطاع أن يعرف قطاعاً واسعاً من الجمهور على نماذج درامية من شتى أنحاء العالم، استطاعت أن تنافس المعتاد منها أميركياً، بل تتفوق عليه كما حصل مع المسلسل الإسباني «بيت من ورق» أو «بيت المال» المعروف بـ(لا كازا دي بابيل) وفي العالم العربي عرف بـ«البروفيسور» الذي ينتظر جمهوره إنتاج الجزء الرابع منه على أحر من الجمر.
السرقة كموهبة
منذ المشهد الأول من المسلسل، الذي يضم ثلاثة أجزاء حتى الآن، تجذبك طريقة السرد والتصوير، كما تشدك أيضاً اللغة الإسبانية بموسيقاها ورتمها السريع، فالمشهد الأول يضعك مع إحدى البطلات وهي الممثلة الجميلة «أرسولا كوربيرو»، التي تبدأ بالتعريف عن نفسها «اسمي طوكيو»، لوهلة تشعر بأنك سمعت اسماً خاطئاً، لكنها سرعان ما تؤكد أن هذا هو اسمها الذي اقترنت به واقترن بها بعد مشاركتها في أكبر عملية سرقة شهدتها إسبانيا وربما العالم بأسره!
وعلى طريقة «الفلاش باك»، تبدأ طوكيو بالحديث عن تجاربها في السرقة، التي جذبت انتباه الشخصية الرئيسة في المسلسل وهي شخصية «البروفيسور» الذي جسد دوره ببراعة الممثل «ألفارو مورتي»، ليضمها إلى فريق يضم ثمانية لصوص وأصحاب سوابق.
عصابة العواصم
يجتمع البروفيسور مع أعضاء فريقه، وسرعان ما يستبدل أسماءهم بأسماء عواصم، وسمح لهم باختيار أسماء العواصم التي يرغبون فيها، فأصبح الفريق يتكون من: برلين، طوكيو، نيروبي، موسكو، ريو دي جانيرو، دنفر، هلسنكي، أوسلو، قبل أن تنضم إليهم شخصية عاصمة جديدة في ثنايا المسلسل باسم «استوكهولم»! التي كانت المحققة الرسمية في عملية طباعة الأموال، ولكنها وقعت في حب البروفيسور هذا من جهة، ومن جهة أخرى تظهر كضحية لمنظومة ذكورية بتوقيع زوجها السابق الذي خانها مع شقيقتها، وضابط رفيع المستوى في الأمن الوطني الذي يشكك دائماً في قدراتها.
لكل لصّ موهبة استطاع من خلالها «البروفيسور» بحنكة وذكاء وهدوء أن يوظفها لتحقيق حلمه، الذي تكتشف أنه حلم أبيه الذي قتل على أبواب «بنك أميركا» أثناء محاولة سرقته.
جغرافيا الجسد
تم تصوير معظم مشاهد المسلسل في ثلاثة أماكن في العاصمة الإسبانية مدريد، مكان تعليم الخطة، وهو منزل قديم في إحدى ضواحي المدينة، والمكان الثاني -وهو مرتع الأحداث- تم تصويره على أنه البنك المركزي الإسباني أو مركز صك الأموال، إلا أنه في الحقيقة هو مقر مركز البحث العلمي، لكن المهم في المكان، أنه بمعايير المسلسلات الأخرى، مثل صراع العروش و«الملكة»، لا يُعد مكاناً مكلفاً، وهذا ما ينقلنا إلى فكرة أن أداء الممثلين كان هو ركيزة المسلسل، لا تقنيات التصوير ولا تكنولوجيا المونتاج. جسد الممثلين الذين توزعت أسماؤهم على ثماني رقع جغرافية في خارطة العالم، استطاع أن يعيد الدراما إلى مجد الأداء الذي أصبح ثانوياً إلى حد كبير في العديد من الإنتاجات الضخمة التي تعتمد على تقنيات الكمبيوتر وحلولها الرقمية.
لا شيء مصادفة
من الأمور اللافتة، أن مسلسل «لا كازا دي بابيل» استقطب اهتمام الجمهور أيضاً بنصه المكتوب بدقة تبعدك عن الشك في قوة الحبكة الدرامية من جهة، وتصد أي ثقب قد يتسلل منه الملل أثناء مشاهدة حلقاته!
القصة كلها مبنية على مبدأين أساسيين، الأول هو أنه لا شيء في الحياة يقع مصادفة، والثاني هو أن ضبط التصرفات وتهذيب السلوك أهم وسيلة لتحقيق الهدف.
في إحدى أكثر الحوارات ذكاء في المسلسل، هو الحوار الذي يتحدث عن قصة حب دارت بين شخصية «دنفر» وإحدى موظفات بيت المال، الأمر الذي استدعى تذكير البطل بأن حبيبته ربما قد تكون وقعت في فخ متلازمة استوكهولم، وبسبب قلة ثقافة «دنفر» اضطر العارفون إلى شرح معنى المتلازمة له، لكن الكاتب «أليكس بينا»، يوجه هذا الحوار إلى الجمهور أيضاً، ربما محذراً من الانجراف في التعاطف مع لصوص. ومتلازمة استوكهولم هي ظاهرة نفسية تقوم على تعاطف الضحية مع المسيء له، بل والانصياع في تنفيذ أوامره والدفاع عنه بشدة.
صحيح أن الجمهور تعاطف مع قصص اللصوص، الذين جاؤوا من خلفيات اجتماعية مسحوقة، ويطمحون إلى التغيير، لكن التعاطف الكبير اكتسبه البروفيسور نفسه، الذي يجد في سرقة بيت المال أمراً ثورياً وانتقامياً من نظام اقتصادي لم يفعل خلال عقود وعقود سوى توسيع رقعة الفقر في العالم.
في الجزء الثالث من هذا العمل الضخم استطاع «البروفيسور» أن يجذب الرأي العام له من خلال القناع الشهير الذي كان بطلاً في المسلسل، وقرر البروفيسور أن يزيله عن وجهه ويظهر للرأي العام بوجهه الحقيقي، النقلة في هذا الجزء تحديداً ترتكز على إثبات أخلاقيات اللصوص وهذا من شأنه تغيير جذري لصفات اللص، فهو قرّر تجميع فريقه مرة أخرى هذه المرة لتحقيق حلم شقيقه (برلين)، الذي توفي في الجزء الثاني لكنه يظهر في الجزء الثالث على طريقة «الفلاش باك».
«بيلا تشاو»
من المفارقات الجميلة في هذا العمل أن مؤشر البحث عن أغنية «بيلا تشاو» وترجمتها للعربية هو (أهلاً بالجميلة) على مواقع مثل الساوند كلاود وغيره فاق التوقعات والبحث أيضاً عن ترجمة كلمات الأغنية كان لافتاً.
وهذه الأغنية مرتبطة بالفلكلور الإيطالي خلال حكم موسيليني بحيث كانت شعاراً للمقاومة ضد الفاشية، ولكنها في الأساس أغنية شعبية كانت تغنيها النساء الفلاحات الإيطاليات كل صباح تعبيراً عن استغلالهن من قبل الإقطاعيين، أما في إسبانيا قد انتشرت هذه الأغنية عام 1969 وكانت مرتبطة أيضاً بالحرب العالمية الثانية وغناها كبار المطربين الإسبان.