سبقت كوكو شانيل وألهمت أهم مصممي القرن الـ 20
بالفيديو: إيميلي فلوغ.. المصممة المتمردة المنسية وبطلة «القبلة»
لكل إنجاز حكايته الخاصة، التي تختلف مع اختلاف صاحبه ونظرته إلى ما يحيط به، سواء كان لوحة فنية، أو منحوتة، أو تصميماً هندسياً، أو مجموعة أزياء، أو حدثاً غيّر مجرى التاريخ. ومهما اختلف العمل في تركيبته، والخيوط غير المرئية التي شكَّلته، التي لا تراها سوى عين صاحبه، تبقى الشخصية الملهمة هي المعيار الوحيد الذي لا يتغير، وتبقى تلك العلاقة الغامضة والمثيرة للجدل بها هي الشرارة الحقيقية التي تستفز الابتكار.. فمن هن الملهمات في التاريخ؟
قد تكون لوحة «القبلة» لأشهر الفنانين النمساويين، وأحد أشهر رسامي القرن الـ20، غوستاف كليمت، هي أكثر الأعمال القادرة على إحياء اسمها، إلا أن إيميلي فلوغ كانت ولعقود من الزمان، أحد أكثر مصممات الأزياء وسيدات الأعمال شهرة في فيينا، واستطاعت ابتكاراتها السابقة لأوانها أن تلهم أشهر مصممي العالم اليوم.
في عالم تسود فيه قيادة الرجل وسيطرته، استطاعت فلوغ أن تكون واحدة من أكثر الأسماء التي ترددت بين دائرة نخبة المجتمع النمساوي، بأزيائها البوهيمية الملونة المتمردة على المشدات الخانقة، وفي الوقت الذي كانت فيه مصممة الأزياء الأشهر في التاريخ ومؤسسة دار أزياء شانيل، كوكو شانيل، لاتزال تبدأ خطواتها الأولى في هذا العالم، كانت فلوغ قد تحولت إلى واحدة من العلامات الأوروبية الشهيرة، سابقة شانيل بأعوام طويلة في تقديم تصاميم متمردة وخارجة عن إطار السائد آنذاك، كما أنها أصبحت وبمحض المصادفة ولعقود، الملهمة والصديقة والشريكة الوحيدة للرسام غوستاف كليمت، الذي وصلت قيمة لوحاته لأكثر من 140 مليون جنيه إسترليني في مزادات كريستي، والذي كانت كلماته الأخيرة قبل وفاته هي «نادوا إيميلي».
إيميلي لويس فلوغ، هي الشقيقة الرابعة لأسرة نمساوية ميسورة الحال، كان والدها هيرمان تاجراً في مجال صناعة الأنابيب، ومؤسساً لشركة تصدير بتركيز على السوق البريطانية، بينما كانت هي الأصغر بين شقيقتين أخريين، بولين وهيلين، وشقيق وحيد يدعى هيرمان. بعد وفاة زوج شقيقة إيميلي، هيلين، التي كانت لاتزال حاملاً بعد عام واحد من الزواج من إيرنست كيلمت، شقيق الرسام غوستاف كليمت، أصبح الأخير راعياً للأرملة الحزينة، وكانت هذه الفاجعة سبباً في بدء صداقة دامت 27 عاماً، وعلى الرغم فارق العمر الذي بلغ 12 عاماً، تعلق غوستاف بالشقيقة الصغرى الجميلة مباشرة، وأصبحا لا يفترقان، فكان يعرف بتردده المستمر على منزل عائلة فلوغ، كما كان يقضي الصيف معهم في منزلهم على بحيرة أتير.
الشقيقات فلوغ
بأسرة ذات توجه تجاري ذكي، وبدعم من والدهن وشقيقهن، أقدمت الشقيقات الثلاث على مشروع سابق لعهده، ويمكن رؤية أفكار مشابهة له في عصرنا الحالي، حيث أطلقن أكاديمية لتعليم التصميم والخياطة، كما استطعن أن يفزن بجائزة مهمة في مجال التصميم آنذاك، إضافة إلى التعليم، ما جعلهن يفتتحن متجرهن الخاص للأزياء، الذي أطلقن عليه اسم «الشقيقات فلوغ»، والذي يعتبر اليوم بما يعرف بـ«البوتيك» متعدد المعروضات، أو ما يعرف أيضاً بالـ«كونسبت ستور» على شاكلة أشهر المتاجر المفاهيمية اليوم مثل «10 كورسو كومو» في ميلان، و«كوليت» في باريس، بنجاح كبير وغير مسبوق في فترة كان فيها دخول المرأة عالم التجارة أمراً نادراً.
بدأت إيميلي تعلم الخياطة في معهدهن الخاص، أكاديمية كخياطة، لتنهي تدريبها وتحصل على شهادة الدبلوم في الخياطة والتصميم، وبدء عملها في «الشقيقات فلوغ»، وتتحول إلى واحدة من أشهر مصممات الدائرة المخملية من مجتمع فيينا الراقي والمشجع للفنون المعاصرة، الذي كان يحمل إعجاباً وتقديراً لتوجه الدار، التي حصلت على نجاح كبير جعلها توظف 80 خياطة وثلاثة من حرفيي القص، ممتدين على مساحة الطابق الأول من المتجر الأنيق ذي الطابقين، والذي صمم على طريقة «آرت نوفو» أو الفن الحداثي، بالتعاون مع فناني فيينا آنذاك، منهم المصمم كولومن موزر، والمهندس جوزيف هوفمان، باعتماد واضح على فكرة مربعات الشطرنج المصاحبة للمسات ذهبية من الديكور والمفروشات ذات الخطوط المعاصرة البسيطة، البعيدة تماماً عن الكلاسيكية، بروح عفوية، وكثير من العرض للمقتنيات والإكسسوارات، والخامات المصممة بشكل خاص للدار، ومختلف الإكسسوارات المنزلية الأنيقة المعروضة للبيع إلى جانب الفساتين الأنيقة.
ظلال كليمت
على الرغم من كون غوستاف كليمت أحد أشهر رسامي النمسا، الذي بيعت لوحاته خلال العقود السابقة بمئات ملايين الدولارات، بتوجه بوهيمي، ولمسات فنية يابانية، وتأثير واضح للون، والتزيين بأوراق الذهب، والتلاعب الكبير في الأشكال الهندسية الملونة التي زينت الفساتين في لوحاته، إلا أن هذا التقدير الكبير لأعماله نادراً ما كان اسم إيميلي يضاف عليه، على الرغم من أنها كانت حاضرة في كل تلك اللوحات، سواء التي رسمتها أو تلك التي تأثرت بتصاميمها، فلم تكن تلك الأثواب الجميلة في لوحاته محض خيال، بل حقيقية، تهادت بحرية على جسد إيميلي، وكل من تأثر بتصاميمها من الزبونات.
انهيار
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
على الرغم من تماسك الشقيقات لإنجاح تجارتهن، وقدرتهن الذكية على تجاوز أزمات اقتصادية عديدة، سواء نهاية الملكية في النمسا، والتضخم الاقتصادي لعشرينات القرن الـ20، والركود الاقتصادي للثلاثينات، وقدرتهن على تحويل متجرهن إلى تجارة أدرت عليهن ثروة كبيرة، وبولاء شديد من العديد من الزبائن، إلا أن احتلال النمسا وإلحاقها بألمانيا النازية في مارس من عام 1938 كان قادراً على وضع نهاية حقيقية لـ«الشقيقات فلوغ»، خصوصاً مع هروب جميع الزبائن الأثرياء المهمين للدار، الذين كانوا غالباً من يهود النمسا.
1918
توفي غوستاف كليمت بنوبة قلبية مفاجئة، عن عمر 55 عاما، وكانت آخر كلماته «نادوا إيميلي»، تاركا نصف ثروته لرفيقة حياته، والنصف الآخر لعائلته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news