أوليفيا لانغدون.. ملهمة مارك توين وحبيبته من الصورة الأولى
لكل إنجاز حكايته الخاصة التي تختلف مع اختلاف صاحبه ونظرته لما يحيط به، سواء كان لوحة فنية، أو منحوتة، أو تصميماً هندسياً، أو مجموعة أزياء، أو حدثاً غيّر مجرى التاريخ، ومهما اختلف العمل في تركيبته والخيوط غير المرئية التي شكَّلته، التي لا تراها سوى عين صاحبه، تبقى الشخصية الملهمة هي المعيار الوحيد الذي لا يتغير، وتبقى تلك العلاقة الغامضة والمثيرة للجدل بها هي الشرارة الحقيقية التي تستفز الابتكار، فمن هن الملهمات في التاريخ؟
على الرغم من الاختلاف الكبير بينهما، سواء في الخلفية الاجتماعية، أو تجارب الطفولة، أو السلوك، إلا أن أوليفيا لانغدون كانت قادرة على أن تسرق قلب الكاتب الأميركي الشهير مارك توين، ليس من النظرة الأولى فقط، بل من الصورة الأولى التي وقعت عيناه عليها، مقرراً في تلك اللحظة بأنها ستكون له ما تبقى من حياته. استطاعت أوليفيا، أو «ليفي» كما كانت تُنادى، أن تحول هذا الكاتب الفقير، المتمرد، والموهوب، إلى أحد أكثر الأشخاص حظاً في الحب، على الرغم من طفولته سيئة الحظ، وعلى الرغم من الكثير من التحديات التي واجهاها معاً، هي، الفتاة الأميركية الشرقية، هو الفقير القادم من الغرب أميركا القاسية، هي، المترعرعة في حضن عائلة ثرية وذات تعليم عالٍ، هو، صاحب الطفولة الفقيرة مادياً وتعليمياً، حيث ترك دراسته وهو لايزال في الثانية عشرة، هي، الأنيقة ذات السلوك والعادات الراقية رفيعة المستوى، وهو، المدخن، والمحب للشراب، وصاحب اللسان السليط، إلا أن كل تلك التناقضات، لم تكن قادرة على تغيير مشاعرهما لبعضهما بعضاً، بل لربما كانت السبب في ذلك الانجذاب والحب الذي استمر عقوداً طويلة، وكان سبباً في الكثير من الأعمال الأدبية التي كانت «ليف»ي ملهمتها.
تديُّن وتقدُّم
ولدت أوليفيا لانغدون كليمينز في 27 نوفمبر من عام 1845، في إلميرا في مدينة نيويورك، وهي ابنة تاجر الفحم الثري، جيرفيس لانغدون، وأوليفيا لويس لانغدون، كما تميزت حياتها بقدر إيجابي من الحرية في إبداء الرأي والتعليم، حيث جمعت حياتها تحت ظل أسرتها بين التدين، والإصلاح، والتقدم الفكري، وكانت دراستها مزيجاً بين التعليم المنزلي، وأخذ حصص في مدرسة ثيرستون اللاهوتية للفتيات، إضافة إلى التحاقها بجامعة إلميرا للفتيات، التي تعتبر أول جامعة في أميركا آنذاك تقدم شهادة البكالوريوس للفتيات. عاشت «ليفي» في منزل يؤمن بالحرية والمساواة، حيث كان والدها أحد أهم وأكثر المعارضين حماساً لنظام العبودية آنذاك، كما كان أحد المسهمين في عمل أنفاق سكة القطارات في نيويورك آنذاك، التي كانت مكاناً مثالياً أعانه على تقديم الملجأ والمؤونة للعبيد الهاربين من عذاب وقسوة الحياة في جنوب أميركا، كما أنه قدم الملجأ لأحد أشهر الأميركيين السود فريدريك دوغلاس، الذي كان أحد رواد وأشهر وأهم معارضي العبودية آنذاك، وتحولا إلى أصدقاء مدى الحياة. إضافة إلى والدها، كانت ولدة «ليفي» أيضاً ناشطة في مجال الحقوق المدنية وفي منظماتها، كما كانت مدافعة شرسة في قضايا تعليم أطفالها.
صحة فقيرة
على الرغم من حظ «ليفي» الكبير، سواء في ظروفها المعيشية، أو دعم والديها لحريتها وتعليمها، إلا أن الحظ لم يكن حليفها في الصحة، حيث عانت منذ طفولتها وطوال سنوات حياتها من رقة بدنها، وضعفه أمام الأمراض، كما كانت طريحة الفراش عامين كاملين، بعد أن سقطت خلال مراهقتها على الجليد، كما أنها عانت خلال تلك الفترة مشكلات صحية في التنفس، والتي شخصت بالتدرن، إضافة إلى التهاب الحبل الشوكي.
من أول صورة
ولد صامويل لانغورن كليمينس، الذي عُرف أيضاً في عالم الأدب باسم مارك توين، في 1835 على نهر المسيسيبي، من أسرة فقيرة، وعمل خلال شبابه مصفف طباعة، ثم قائداً لقوارب الأنهر، وكاتباً مغموراً في الوقت ذاته، وحصد أول نجاحاته بعد كتابته لرواية «ضفدع مقاطعة كالافيراس النطاط الشهير» عام 1865، لينتقل لاحقاً لكتابة أدب السفر، ليتنقل راحلاً بعد ذلك عبر البحر في عام 1867 إلى أوروبا والشرق الأوسط على متن السفينة البخارية «كويكر سيتي»، التي قدم بعدها كتاب «الأبرياء في الخارج»، الذي كان أحد أشهر الكتب مبيعاً في القرن الـ19. وعلى متن «كويكر سيتي»، كان الحب من أول صورة بالنسبة لصامويل، الذي تعرف إلى شقيق «ليفي» الأصغر تشارلز، والذي أصبح صديقاً له، وأراه صورة شقيقته، وكانت تلك اللحظة الحاسمة لصامويل، حيث اختار، وبعد صورة واحدة، أن تلك الفتاة الرقيقة الجميلة، ستكون رفيقة حياته، ليلتقيا لاحقاً عبر شقيقها عام 1867، ليستمر تواصلهما بعد ذلك بشكل عام عبر الرسائل التي أصرت «ليفي» على أن تكون مجرد رسائل بين «أخت وأخيها»، كونها غير مستعدة للوقوع في الحب، وعلى الرغم من أن «ليفي» رفضت عرض زواجه الأول، إلا أن إصرار صامويل وتبادلهما للرسائل على مدى أشهر طويلة، جعلهما يعلنان خطوبتهما في فبراير من عام 1869، وكان الموعد الأول بينهما من خلال جلسة قراءة أدب لتشارلز ديكنز، في مدينة نويويرك.
رعاية وبذخ
على الرغم من أن والدي «ليفي» كانا قلقين من الموافقة على صامويل كزوج لابنتهما العزيزة، وعلى الرغم من سمعته كشخص متمرد، وغير مستقر، ومحب لشرب الكحول، إلا أن عدم إنكار صامويل لكل ذلك، وصراحته مع والد «ليفي» جعلته يصبح مقرباً ومحبوباً من قبله، ما جعله يدعم الزوجين الجديدين بمنزل أنيق في منطقة «بافالو» في نيويورك، مدعماً بطاقم من الخدم للاهتمام بهما، كما أنه دعم زوج ابنته مادياً من خلال ابتياع أسهم في صحيفة محلية، وهي الفترة ذاتها التي اشتهرت فيها رواية «الأبرياء في الخارج».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.