المسحراتي.. تاريخ طويل مهدّد بالأفول
يرتبط المسحراتي، الشخصية المحببة للصغار والكبار، بطقوس شهر رمضان المبارك، إذ كان الأطفال يحملون الفوانيس حوله، ويغنون على أنغام الطبلة الكثير من الأغنيات المرتبطة بشهر الصوم مثل: «حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو.. فك الكيس وادينا بقشيش.. يا تروح ما تجيش يا حالو».
وظهر المسحراتي في مصر، عندما لاحظ الوالي عتبة بن إسحاق أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة، وكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحور، وذلك عام 238 هجرية، إذ كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، منادياً الناس: «عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة».
وفي عهد الدولة الفاطمية، أصدر الحاكم بأمر الله أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت، ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور.
فضائيات وسهر
رغم أن مهنة المسحراتي تعد من أبرز المهن الرمضانية وأكثرها شعبية، لكن دراسة مصرية حديثة تحذر من أن هذه المهنة باتت مهددة بالانقراض، بعد انتشار الفضائيات، وسهر معظم الناس حتى ساعات الصباح الأولى في شهر رمضان.
وقالت الدراسة، التي أعدتها الدكتورة الشيماء الصعيدي، الباحثة بمشروع أطلس المأثورات الشعبية المصرية التابع لوزارة الثقافة بمصر: «لقد بات قريباً من الأفول مشهد المسحراتي الذي يوقظ الناس لتناول طعام السحور في ليالي شهر الصوم، بطبلته الصغيرة التي يحملها في رقبته، وتتدلى إلى صدره أو يحملها بيده ويضرب عليها بعصا خاصة، وهو ينادي صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ من أجل السحور».
وتشير الدراسة إلى أن المسحراتي يستخدم في أداء مهنته طبلة تعرف بـ«البازة»، إذ يُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى «سير» من الجلد أو خشبة، يُطبل بها في رمضان وقت السحور. و«البازة» عبارة عن طبلة من جنس النقارات، ذات وجه واحد من الجلد، مثبت بمسامير، وظهرها أجوف من النحاس، وبه مكان يمكن أن تعلق منه، وقد يسمونها «طبلة المسحر»، والكبير من هذا الصنف يسمونه «طبلة جمال»، ويردد المسحراتي على وقع ضرباته على «البازة»، بعض الجمل، مثل: «قُم يا نايم وحد الدايم»، و«سحور يا عباد الله».
من العصا للطبلة
تؤكد الدراسة أن المسلمين في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كانوا يعرفون وقت السحور بأذان الصحابي بلال بن أبي رباح مؤذن النبي، ويعرفون موعد الامتناع عن الطعام بأذان الصحابي عبدالله بن أم مكتوم.
وتلفت إلى أن مهنة المسحراتي ظهرت في عصر الدولة العباسية، وبالتحديد في عهد الخليفة المنتصر بالله. وأضافت الدكتورة الشيماء الصعيدي، في دراستها، أنه مع مرور الوقت، تم تخصيص رجل للقيام بمهمة المسحراتي، وكان ينادي: «يا أهل الله قوموا تسحروا»، ويدق على أبواب المنازل بعصا كان يحملها في يده.
وتطور مظهر المسحراتي على يد أهل مصر، الذين ابتكروا الطبلة، ليحملها المسحراتي ليدق عليها، بدلاً من استخدام العصا.
وأوضحت الدراسة أن هذه الطبلة كانت تسمى «بازة»، وهي صغيرة الحجم، يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة مرة أخرى، فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء، وهو يشدو بأشعار شعبية، وزجل خاص بهذه المناسبة. ومن أشهر هذه الأشعار: «اصحي يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت بكره إن حييت الشهر صايم والفجر قايم.. رمضان كريم».
شهر في السنة
من المعروف أن المسحراتي يقتصر عمله على شهر رمضان فقط، أي أنها المهنة الوحيدة التي يعمل صاحبها شهراً واحداً في السنة، وبعدها يستريح حتى العام المقبل، ليعود من جديد.
مهنة المسحراتي ظهرت في عصر الدولة العباسية.
مظهر المسحراتي تطور على يد أهل مصر.