4 طبيبات يخرجن «أكثر نضجاً» من معركتهن مع «كورونا»
على مقربة من مستشفى في مدريد يجابهن فيه فيروس «كورونا» المستجد في قسم الطوارئ، تعيش أربع طبيبات شابات في شقة واحدة ويتشاركن المخاوف المتأتية من تفشي الوباء، الذي يأملن بأن يخرجن منه «أكثر نضجاً».
وفي قاعة الجلوس الصغيرة المزدانة بنبتات صبار اصطناعية وأسطوانة كبيرة لبوب ديلان، أعلنت إحدى الطبيبات الأربع ماريا لويزا برادوس، لزميلاتها نهاية مارس، أن «شابة في الـ28 من العمر توفيت جرّاء فيروس (كورونا)، وهي كانت مثلنا طبيبة عائلة في مركز صحي».
وتقول لورديس راموس، طبيبة أخرى من الشابات الأربع: «شعرت بقلق كبير في البداية. حتى أنني أصبت بجروح في اليدين بسبب كثرة التنظيف». وهي تعبت من المتابعة اليومية لحالات «مرضى تتطور أوضاعهم جيداً، ثم يدخلون مرحلة الخطر بين ليلة وضحاها».
وتبلغ ماريا لويزا ولورديس 29 عاماً، فيما تصغرهما أنا وكريستينا بسنة واحدة.
أما الجيران الذين يصفقون مساء كل يوم لأفراد الطواقم الطبية من النوافذ والشرفات، فيجهلون أن هؤلاء الشابات الأربع هن طبيبات في نهاية دراستهن يعملن منذ الثامنة صباحاً في مركز صحي، قبل الانتقال إلى قسم الطوارئ في مستشفى مجاور حتى الثامنة من صباح اليوم التالي.
وتتشارك الطبيبات صفات عدة، بينها طول الشعر، والتعلق بالمناطق التي يتحدرن منها، أي الأندلس وجزر كناري. وتنهي ثلاث منهن دراستهن قريباً في «الطب العائلي والمجتمعي»، وهن كن ينوين الاحتفال بذلك في فيتنام الشهر الفائت.
لكن في الثالث من مارس، جرى الإعلان عن أول وفاة جرّاء فيروس «كورونا» في البلاد، وقد أودى الوباء مذاك بحياة أكثر من 25 ألف شخص.
«لسنا خالدات»
واكتشفت الطبيبات الأربع وثلاث منهن بنات أطباء، مكامن النقص في النظام الصحي وضعفهن أيضاً.
وتقول أنا إن «هذه التجربة ستساعدنا بأن نصبح أنضج كطبيبات، وبأن نعطي للحياة قيمتها بطريقة أخرى»، مضيفة: «لسنا خالدات».
وفي آخر النفق الطويل داخل الشقة، تدل ماريا لويزا برادوس، إلى غرفة الاستحمام المتروكة، حيث تتكدس بزات الطب التي يرتدينها في المركز الصحي والواجب غسلها على حرارة 90 درجة.
أقسى اللحظات
وتتكتم الشابات عن الإجابة عن سؤال بشأن أقسى اللحظات التي مررن بها. غير أن ماريا لويزا تأثرت بصورة خاصة بالمعاناة التي عاشها زملاء آخرون في أوج الأزمة بسبب نقص أجهزة التنفس الاصطناعي، ما أرغمهم على رفض دخول بعض المرضى إلى وحدة العناية الفائقة.
وقد بكت الطبيبات لدى إبلاغهن أقرباء المرضى بأنباء سيئة، خصوصاً أولئك الذين لم يكن ممكناً في بادئ الأمر «دخولهم منطقة فيروس (كورونا) لإلقاء نظرة الوداع» لمرضاهم المحتضرين، وهو ما سُمح به لاحقاً، وفق كريستينا ريوس.
وأرسلت ثلاث منهن للعمل في المستشفى الميداني في مركز مدريد للمعارض.
وفي هذا المكان الذي صمم أساساً لمعالجة الحالات الأقل خطورة، طُبعت الطبيبات بروح «الزمالة» و«الفرح» لرؤية مئات المرضى يشفون من المرض في نهاية المطاف. وهن يخشين تفشياً مستقبلياً جديداً للفيروس، ما يرغم السلطات على إعادة فتح المستشفى الميداني بعد إغلاقه في الأول من مايو.
غير أن هؤلاء الشابات عقدن اتفاقاً شفهياً بينهن، يقضي بعدم السماح للفيروس بالسيطرة على كامل أوجه حياتهن.
ولذلك تتمرن ماريا لويزا على الرقص المعاصر، فيما تمارس لورديس هواية الرسم، وترفع أنا الأثقال، وتتابع كريستينا حصصاً لتعليم الغيتار عبر الإنترنت.
وهن يتشاركن الأوقات في قاعة الجلوس للتحدث ولعب الورق والرقص وعزف الموسيقى وتناول الأطباق التي تحضرها أنا. وتقول هذه الأخيرة: «الأمر أشبه بعلاج بين صديقات. علاجنا عبر الموسيقى والضحك والرقص».
المرضى كانوا ينامون 48 ساعة على الكراسي
على غرار مستشفيات أخرى في مدريد، تخطى عدد المرضى قدرة مستشفى غريغوريو مارانيون على الاستيعاب. وتقول أنا روبيو: «لن أنسى يوم 24 من مارس». وتضيف: «كنا نرتدي تجهيزات واقية فردية وندخل منطقة فيروس (كورونا)، التي كانت عملياً تغطي المستشفى برمته. كل الأروقة كانت غارقة بالمرضى. كثر منهم كانوا ينتظرون الحصول على سرير، منذ 48 ساعة نائمين على الكراسي».
وتسترجع أنا خلال حديثها شعورها بالعجز التام لأن «أحدهم قد يموت حالاً من دون أن أتنبه لذلك»، حتى أن أداء الطواقم التمريضية «تحسّن لاحقاً وبدأنا فهم طريقة عمل الفيروس».
طالبات طب يعملن منذ الثامنة صباحاً في مركز صحي، قبل الانتقال إلى قسم الطوارئ في مستشفى مجاور، حتى الثامنة من صباح اليوم التالي.