الأسعار أقل بـ 3 مرّات ممّا هي في فرنسا
مُسنّون أوروبيون: اخترنا أن نقضي «خريف العمر» في تونس
تجلس أوديت الفرنسية على كرسيّها قبالة النافذة وبين أناملها قطعة قماش تطرّز عليها أشكالاً فنية، وهي نزيلة في مركز لرعاية المسنين يشغل جزءاً من فندق سياحي قريب من البحر في تونس التي تريد النهوض بهذا النوع من الخدمات.
لا تفارق الابتسامة تجاعيد وجهها بينما تقول: «المكان جيّد هنا. انظروا، الشمس والحديقة. إنها الحياة، يمكن التواصل مع الطاقم الصحي متى نشاء».
ومنذ بدأت السلطات الصحية في تونس تسجيل إصابات بفيروس كورونا المستجد في مطلع مارس، شرع المركز مباشرة في حجر صحي مشدد، وأغلقت أبواب الدور على المسنين والطاقم الصحي الموجود بداخله من ممرضين ومساعدين.
ويقول مدير المركز الطبيب الفرنسي جان بيار دو لستان: «لم يكن قراراً سهلاً البتة، لكننا أقنعنا العائلات والعاملين بعد أن فسرنا لهم أسباب ذلك، فتفهموا في النهاية». وتقول السلطات التونسية إنها كبحت انتشار جائحة «كوفيد-19». وتمكن مركز «ريزورت ميديكال» لرعاية المسنين الأجانب في منطقة قمرت السياحية بالضاحية الشمالية في العاصمة من تجاوز الأزمة بسلام حتى الآن، ولم تسجل إصابات أو وفيات في الـ32 مركزاً لرعاية المسنين في البلاد.
ولم يؤثر الإغلاق في البرنامج اليومي لنحو 30 مقيماً من الفرنسيين والسويسريين والبلجيكيين في «ريزورت ميديكال» الذي أقيم على بعد أمتار من البحر عام 2009. ويوضح الطبيب «ظلّ كل شيء على حاله: الفضاء الذي ينشطون فيه ومواعيد النزهة على الشاطئ. واصلنا العيش معهم كما كان عليه الحال قبل الحجر».
وظهرت في السنوات الأخيرة مشروعات استثمارية عدة في إقامات لرعاية المسنين المتقاعدين من دول أوروبية.
وحوّل مستثمر فرنسي آخر فندقاً في مدينة الحمّامات تضرّر من أزمة قطاع السياحة في البلاد في السنوات التي تلت هجمات استهدفت سيّاحاً في عام 2015، الى مركز فخم لرعاية المتقاعدين الأجانب.
ويتمتع الطاقم الطبي في تونس بتكوين جيّد، ويحظى الأطباء بسمعة جيّدة في الخارج، وشهدت السياحة الطبية في البلاد انتعاشاً. ويقول الفرنسي ميشال فوايا (83 عاماً): «اخترنا تونس لدوافع مالية بالأساس، الأسعار أقل بثلاث مرّات ممّا هي عليه في فرنسا»، وتطلّ كل الغرف تقريباً على الحديقة.
وتفضل أوديت بريفو (85 عاماً) المكوث في جناحها في معظم الوقت. ووصلت الى المركز منذ مطلع العام الجاري بعد تجربة في مركز آخر في باريس. وتقول ابنتها جنفياف التي تقيم في منطقة سافوا الفرنسية: «الطاقم في فرنسا كان جيّداً ومؤهلاً، لكن لم يكن في وسعهم تخصيص ربع ساعة للحديث مع والدتي.. لم تكن مرتاحة هناك».
ولكن ومنذ وصولها الى تونس «بدأت تشعر بأن الاعتناء بها أفضل، فهي تتجوّل وتحسنت كثيراً». وتشير الى أن المشكلة الوحيدة اليوم أنها غير قادرة على المجيء لزيارة والدتها كل شهرين أو ثلاثة بسبب توقف الرحلات الجوية، لكنها تضيف «في كل الحالات، لو بقيت في فرنسا لقضت فترة الحجر وحيدة في غرفة بتسعة أمتار مربعة». وللتعويض عن نقص الزيارات، قام المركز بتكثيف التواصل بين المقيمين وعائلاتهم عبر تقنيات الفيديو وتبادل الصور بالهواتف، وذلك لتفادي شعورهم بالعزلة. ونجحت تونس على ما يبدو في استباق تفشي وباء «كوفيد-19»، ولم تطل الإصابات مراكز رعاية المسنين، كما حصل في دول أوروبية، حيث تسببت في مآسٍ.
سكينة وغناء
يقطع صوت المغنية الفرنسية إديت بياف سكون المكان. في الوقت ذاته، تقوم أنامل بعض المسنين في المكان بتلوين قطع من الفخار.
في الحديقة يدفع ميشال بكرسي رفيقته المقعدة ماري بهدوء بين الأشجار. يقولان إنهما فضلا تونس علي دول أوروبية لقضاء ما تبقى لهما من خريف العمر وسط السكينة، وهما راضيان عن اختيارهما هذا البلد المتوسطي، حيث أشعة الشمس لا تغيب طيلة السنة تقريباً.
في الأيام العادية، يختلط المسنون بالسيّاح في الفندق الملاصق للمركز.
ويقول دو لستان: «أردنا المزج بين النزلاء في الإقامة والسيّاح عوضاً عن عزلهم».
ميشال وماري فضّلا تونس على دول أوروبية، لأن الشمس لا تغيب طيلة السنة تقريباً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news