تهدّد سلامة الناس وتُفشل إجراءات الحظر والتعقيم

«كورونا».. العالم أمام كومة ضخمة من النفايات الطبية

ارتفعت كمية النفايات الطبية 5 أضعاف في ووهان بالصين. من المصدر

تسبّبت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بظهور تحديات متعددة في مختلف القطاعات الاقتصادية والبنى الاجتماعية والسياسية في مختلف بلدان العالم، فانشغلت المؤسسات البحثية بدراستها، وتناولتها وسائل الإعلام بالنقاش والشرح، ولعل من الجوانب التي لم يسلط الضوء عليها كثيراً، على الرغم من أهميتها البالغة لكفاءة النظام الصحي وسلامة المجتمع حسن إدارة النفايات والتخلص منها، خصوصاً عمليات التخلص من النفايات الطبية بالأساليب السليمة. فما فائدة أن تتخذ إجراءات الحظر والتباعد الاجتماعي والتعقيم إن تناثرت النفايات الطبية المليئة بالفيروسات في المدن والحواضر والأرياف، وأصبحت مصدراً لتلوث المياه والتربة والهواء؟

حجم التحدي

تعرّف منظمة الصحة العالمية النفايات الطبية بأنها «نواتج ثانوية للرعاية الصحية تشمل أدوات حادة وأخرى غير حادة ملوثة بالدم وأجزاء من الجسم وأنسجته، ومواد كيميائية ومستحضرات صيدلانية ومواد مشعة». وتبلغ نسبة المخلفات الخطرة 15% من الكم الإجمالي لمخلفات أنشطة الرعاية الصحية، وتنتج البلدان المرتفعة الدخل في المتوسط، نحو 0.5 كلغ من المخلفات الخطرة يومياً لكل سرير علاج؛ في المقابل تنتج البلدان المنخفضة الدخل، في المتوسط، 0.2 كلغ من تلك المخلفات يومياً لكل سرير علاج. ولك أن تتصور كيف قفزت كمية المخلفات الطبية فجأة في مختلف بلدان العالم مع تسارع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وإنشاء المستشفيات الميدانية، وتضاعف عدد الأسرة الإضافية المؤقتة فيها. فمثلاً ارتفعت كمية النفايات الطبية خمسة أضعاف في ووهان بالصين من نحو 40 طناً مترياً يومياً قبل تفشي الفيروس إلى 247 طناً يومياً، وبلغت الكمية الإجمالية للنفايات الطبية التي جمعت في أنحاء مقاطعة هوبي الصينية حتى 24 فبراير الماضي نحو 365 طناً، في حين كانت كمية النفايات الطبية في المقاطعة ذاتها في عام 2018 بأكمله نحو 17 ألف طن، وبلغت الكمية في ذلك العام مليوني طن على مستوى جميع مقاطعات الصين. وفي العالم العربي أعلنت بلدية دبي عن معالجة أكثر من 350 طناً من النفايات الطبية الملوثة، الناتجة عن الفحوص والتدخلات العلاجية المتعلقة بـ«كوفيد-19» حتى شهر أبريل الماضي. وقدر أحد أعضاء مجلس النواب المصري بأن متوسط حجم النفايات الطبية اليومية لجميع مستشفيات مصر وصل بسبب أزمة «كوفيد-19» إلى 300 طن يومياً، وقس على ذلك ما حدث في جميع الدول التي شهدت ارتفاعاً سريعاً في أعداد الإصابات. وإذا أضفنا إلى النفايات الطبية «المعروفة رسمياً» بقايا طعام المرضى المصابين، وقوارير المطهرات والمعقمات، والكمامات المتنوعة والقفازات الطبية التي تضاعف إنتاجها عالمياً ربما عشرات المرات، بعد أن بات يستخدمها معظم الناس للوقاية من «كوفيد-19»، ولم يعد استخدامها مقتصراً على الطواقم الطبية، (وقد تتحول إلى عامل جديد لانتشار الفيروس إن تخلص منها الناس بشكل خاطئ)، فإننا أمام كمية ضخمة جداً من النفايات التي تشكل خطراً صحياً، وتسبب ضغطاً كبيراً على نظم إدارة النفايات عموماً، وإدارة النفايات الطبية خصوصاً، وهو ما تطلب تحركاً سريعاً لمجابهة هذا التحدي من السلطات المعنية في مختلف الدول، لمضاعفة طاقة منشآت معالجة النفايات الطبية لديها. فمثلاً تعاقدت بلدية دبي مع إحدى الشركات المتخصصة في مجال معالجة النفايات الطبية لتوريد محطة نفايات طبية متنقلة ومتطورة، لزيادة قدرتها اليومية على معالجة هذه النفايات.

تقنيات إدارة النفايات

إدارة النفايات الطبية قطاع عالمي ضخم يتوقع أن ينمو حجمه من 9.5 مليارات دولار في عام 2019 إلى 16.8 مليار دولار بحلول عام 2026. وتجرى إدارة النفايات الطبية وفق مجموعة من الإرشادات التي حددتها منظمة الصحة العالمية واتفاقية بازل للأمم المتحدة، بالإضافة إلى أنها تتم وفق النظم والقوانين الوطنية التي حددتها النظم الصحية والبيئية في مختلف الدول. وتتطلب الإدارة الآمنة لنفايات الرعاية الصحية تحقيق ثلاثة مبادئ رئيسة، هي: تقليل النفايات غير الضرورية، وعزل النفايات العامة عن الخطرة، ومعالجة النفايات بطريقة تحدّ من المخاطر التي يتعرض لها العاملون الصحيون والمجتمع. ولإرشاد الحكومات والشركات التي تعمل في مجال معالجة النفايات الطبية، أصدر المركز الدولي للتقنية البيئية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في أوساكا (اليابان)، دليلاً يتضمن عدداً من تقنيات معالجة النفايات الطبية المتعلقة بجائحة «كوفيد-19». وتجرى معالجة نفايات الرعاية الصحية بالعمليات الحرارية أو الكيميائية أو الإشعاعية أو البيولوجية، فتستخدم أساليب متعددة لكل منها مزايا وعيوب، وتشمل الحرق (الترميد)، والتطهير الكيميائي والتعقيم بالبخار وأشعة الميكروويف، والطمر، والمعالجة بالتثبيت.


غازات خطرة

حرق النفايات الطبية مازال الأسلوب الأكثر انتشاراً للتخلص من أغلب النفايات الطبية الخطرة، إلا أن من عيوبه أنه يؤدي إلى انطلاق انبعاثات كربونية وغازات خطرة لابد من معالجتها أيضاً، ولهذا بدأت الطرق البديلة المعتمدة على التعقيم بالبخار وأشعة الميكروويف تكتسب شعبية متزايدة، إلا أن من عيوبها أنها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ويبحث المعنيون في هذا القطاع عن تقنيات أفضل، ومنها تقنية تعقيم النفايات الطبية بغاز الأوزون، التي تبدو بديلاً واعداً، فهو عامل مؤكسد قوي قادر على كسر الروابط الكربونية العضوية، ما يمكنه من قتل البكتيريا والفطريات، دون أن يتسبب في إطلاق انبعاثات كربونية.

بلدية دبي تعاقدت مع إحدى الشركات المتخصصة في مجال معالجة النفايات الطبية لتوريد محطة نفايات طبية متنقلة ومتطوّرة.

تويتر