العودة إلى المدرسة أو تضييع عام دراسي.. معضلة عائلات فقيرة في نيويورك
تواجه عائلات متواضعة كثيرة في نيويورك معضلة، تتمثل في ضرورة الاختيار بين إرسال الأبناء إلى المدرسة وتعريضهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد، ونقل العدوى لعائلة لا تحظى بأي تأمين صحي، أو إبقائهم في المنزل لمتابعة الدروس إلكترونياً، ما قد يمنع الأهل من العمل، ويهدد مستقبلهم الدراسي.
ونيويورك هي الوحيدة بين المدن الأميركية الكبرى التي قررت اعتماد نظام تدريس هجين، يتطلب حضور التلاميذ جزئياً إلى المدارس خلال العام الدراسي المقبل، رغم استمرار تفشي وباء «كوفيد-19».
وأرجأ رئيس بلدية المدينة، بيل دي بلازيو، الثلاثاء الماضي، إعادة فتح المدارس من 10 سبتمبر الجاري إلى 21 من الشهر نفسه، في مسعى لإرضاء نقابة المعلّمين التي يطالب أعضاؤها بتدابير صحية إضافية.
وتوضح العاملة المنزلية المكسيكية ماريا - التي طلبت عدم كشف كامل هويتها، نظراً لعدم حيازتها أوراق إقامة قانونية - أنها قررت إرسال طفليها البالغين سبع سنوات و14 سنة إلى المدرسة، رغم القلق الكبير لديها.
وتتساءل المرأة، البالغة 35 عاماً، خلال انتظارها في طابور للحصول على طعام مجاني في حي كوينز: «هل ستتوافر التجهيزات اللازمة لاستقبال الأطفال بصورة آمنة؟ في أي أيام سيرتادون المدرسة؟».
ويتعذر على العائلات الأكثر فقراً، ومعظمتها من المهاجرين والسود على غرار ماريا، تكبد تكاليف الاستعانة بمدرّسين لتقديم دروس خصوصية لمساعدة أبنائهم في حصص التعليم الإلكترونية، خلافاً للعائلات الميسورة.
كما لا يمكن للأهالي متواضعي الحال التعويل على اتصال جيد بالإنترنت أو مساعدة أطفالهم بأنفسهم، في ظل عدم درايتهم بالمسائل التقنية، ومستواهم التعليمي الضعيف، والنقص في المهارات اللغوية الإنجليزية في أحيان كثيرة.
واعتمدت ماريا على ابنها البكر، البالغ 14 عاماً، في مساعدة شقيقه الصغير، بعد إغلاق المدارس في مارس الماضي، والانتقال إلى التدريس الإلكتروني.
وفي الولايات المتحدة، التي سجلت رقماً قياسياً في الوفيات جراء الوباء فاق 188 ألف حالة، باتت العودة إلى المدارس محور معركة سياسية على مشارف الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، في ظل دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اتجاه إعادة فتح المؤسسات التربوية للإسهام في إنعاش الاقتصاد.
واتبعت بعض الولايات التي يحكمها الجمهوريون، وبينها ميسيسيبي وجورجيا وتينيسي وإنديانا، هذه التوصيات في بادئ الأمر، غير أن بعض المدارس اضطرت للتراجع بعد الارتفاع المتسارع في أعداد المصابين.
وقررت المدن الأميركية الكبرى الأخرى، وبينها شيكاغو ولوس أنجلوس وهيوستن وفيلادلفيا وميامي، إطلاق العام الدراسي الجديد بالنسق الإلكتروني حصراً.
واختارت 37% من العائلات في نيويورك عدم إرسال أبنائها إلى المدرسة، بما في ذلك أسر متواضعة من الفئة الأكثر تضرراً بالوباء نسبياً، بفعل الانتشار الأكبر للأمراض المزمنة لديهم، وغياب التأمين الصحي.
وسيتابع أكثر من ثلث التلاميذ في نيويورك، البالغ عددهم 1.1 مليون، تعليمهم عبر الإنترنت حصراً، وهو خيار أتاحته لهم البلدية.
وتقول الطاهية العاطلة عن العمل حالياً، ماريسا ماتشادو، التي تربي وحدها ثلاثة أطفال في سن الدراسة، لوكالة فرانس برس: «أدرك أنهم لن يحصلوا على التعليم عينه في المنزل، لكن من الأفضل تضييع عام عليهم والحفاظ على صحتهم».
وتشير بلدية نيويورك، على غرار خبراء كثر، إلى أن التدريس في داخل الصفوف أساسي للصحة الذهنية للأطفال، ومن أجل تفادي اتساع «الهوة» التعليمية بين الأوساط الميسورة وتلك المتواضعة.
وتوضح ناومي بارداك، طبيبة الأطفال وأستاذة الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: «تضييع سنة دراسية له تبعات مباشرة على صعيد إيرادات» الأشخاص عندما يصبحون بالغين، والأكثر تضرراً هم التلامذة الأكثر فقراً.
وتلفت إلى أن «التبعات السلبية مثبتة على الصعيدين المالي والصحي».
غير أن الخوف من الفيروس يسود على نطاق واسع في الأحياء الأكثر تضرراً بجائحة «كوفيد-19».
ويقول ميغيل هرنانديز، الموظف المتحدر من أصل مكسيكي، والعاطل عن العمل حالياً «الخوف موجود، الأطفال أيضاً خائفون. يجب علينا التغلب على الوباء».
وقرر ميغيل عدم إرسال أطفاله الثلاثة إلى المدرسة.
لا يمكن للأهالي متواضعي الحال توفير اتصال جيد بالإنترنت أو الاستعانة بمدرسين خصوصيين.